أوميضُ البرقِ في الليل البهيم
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
أوميضُ البرقِ في الليل البهيم | أم أياة ُ الشمس في كأس النديم |
فتلقّ الرَّوحَ من ريحانة ٍ | حَيّتِ الشَّربَ بها راحة ُ ريم |
عُصرتْ والدهرُ يومٌ مفردٌ | كقسيمٍ لم تجزهُ بقسيم |
جُنِيَتْ أعْنابُها مِنْ جَنَّة ٍ | نُقلتْ منها إلى حرّ الجحيم |
فلبُوسُ النارِ فيها سكة ٌ | حَكمتْ للشَّربِ منها بالنعيم |
كفَّ حكمُ الماءِ منها سورة ً | تُسكرُ الصاحيَ منها بالشّميم |
وكأنَّ الكأسَ تاجٌ كُلّلَتْ | جنباتٌ منه بالدّرّ النظيم |
وقواريرُ حبابٍ سبحتْ | من سُلافِ الكرم في ماءٍ كريم |
فَهِيَ الدّرْياقُ مِنْ سَمّ الأسى | حيثُ لا يشفيكَ درياق الحكيم |
أقْبِلَتْ تَسعَى بها خُمْصَانَة ٌ | عمّ منها حُسنها خلقاً عميم |
كلما قامت تثنى خلعَتْ | ميلَ التيه على خوطٍ قويم |
سِحرُ هاروتٍ وماروتٍ بها | في فُتُورِ اللحظِ واللفظِ الرّخيم |
تودعُ الكفّ شهاباً محرقاً | كلّ شيطانٍ من الهمّ رجيم |
في ظلام بَرَقَ الصبحُ له | فتولّى عنه إجفالَ الظليم |
وحَكَتْ جَوْزاؤهُ ساقِيَة ً | بنطاقٍ شُدّ في خَصْرِ هضيم |
وكأنَّ الشّهْبَ كاساتٌ لها | شاربٌ في الغرب للشّرْبِ مديم |
وكأنَّ الصبحَ كفّ أُخْرِجَتْ | لك من جَيْبِ ابنِ عمرانَ الكليم |
وكأنَّ الشرقَ فيه رافعٌ | حُجباً عن وجه يحيى بن تميم |
مَلكٌ في الملك يبدي فَخرهُ | جَوْهَرا في حَسَب المجدِ الصّمِيم |
ذائدٌ بالسيف عن دينِ الهدى | سالكٌ فيه سراطاً مستقيم |
أحلَمُ الأملاكِ عن ذي زَلّة ِ | سَبَقَ، السَيفَ له عَذْلُ الحليم |
وسليمُ العرضِ تلقى مالهُ | أبداً من بذلهِ غيرَ سليم |
ذو إباءٍ من عذاه ناقمٌ | ورؤوفٌ برعاياه رحيمْ |
من أزاح الفقر إذ أسدى الغنى | وأباحَ الوفرَ إذ صانَ الحريم |
من له طيبُ ثناءٍ أرِجٌ | راحلٌ في مِقْولِ الدّهْرِ مقيم |
مَنْ له القِدحُ المُعَلّى في العلى | فائزٌ في الملكِ بالحظّ العظيم |
مُنْعِمٌ، نبتُ مغانيه الغنى | أفلا يعدم فيهنّ العديم |
لم تزلْ تُرضِعُ أخلافَ الندى | يدهُ العافين مذْ كان فطيم |
ماءُ نعماهُ نميرٌ لا صَرى ً | ومُنَدّاهُ خصيبٌ لا وخيم |
لا جمودُ القَطْرِ في المحل ولا | خُلّبُ البرق بِعَيْنِيْ مَنْ يَشيم |
كم له من حجة ٍ بالغة ٍ | في لسانِ السيفِ تودي بالخصيم |
يَعْمُرُ الحرْبَ بجيشٍ أرضُهُ | من دمِ الأعداءِ حمراءُ الأديم |
روحهُ، فالذِّمْرِ للذِّمرِ غريم | |
وكأنَّ الشمسَ من قَسْطَلِهِ | فوقهُ تنظرُ من طرفٍ سقيم |
دُقّ فيه السّمْرَ طعناً وَثَنى | ورقَ الفولاذِ بالضرب هشيم |
كيفَ لا يُفنى عِداهُ في الوغى | ملكٌ يغدو له الموتُ خديم |
كم فلاة ٍ دونه يدفعها | سُنْبُكُ العدو إلى خفّ الرسيم |
لابن آوى وَسْطَها وَعْوَعَة ٌ | تُوحِشُ الإنسَ، وللبومِ نئيم |
وعظيم الهولِ لولا آية ٌ | لم يكُنْ راكبُهُ إلاَّ أثيم |
لم تزل عيني أو أذني به | تُؤذنُ القلب بخوفٍ لا ينيمْ |
قد جمعتُ العزمَ ما بينهما | بالسّرَى والنجم بالليل البهيم |
ووردتُ النِّيلَ من نَيْلِ يدٍ | تَرْتَوي الآمالُ منها وهي هيم |
يا أبا الطاهر جَدَّدْتَ على | ثني أزمانِ العلى المُلْكَ القديم |
لستَ كالبحرِ فمِلْحٌ ماؤهُ | لا ولا كالليثِ، فالليثُ شتيم |
بل حباكَ الله بأساً وندى ً | خُلُقاً منك على أكْرم خِيمْ |