نَنَاَمُ من الأيامِ في غَرَضِ النَّبْلِ
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
نَنَاَمُ من الأيامِ في غَرَضِ النَّبْلِ | ونُغْذى بمُرّ الصّاب منها فنستحلي |
وقد فرغتْ للقوم في غفلاتهم | حتوفٌ بهم تُمسي وتُصبحُ في شُغْل |
أرى العالم العلويّ يفنى جميعهُ | إذا خَلتِ الدّنْيا من العالم السفلي |
ويبقى على ما كان من قبل خلقِهِ | إلهٌ هَدَى أهلَ الضّلالة ِ بالرّسل |
ويبعثُ مَنْ تحتَ التراب وفوقه | نشورا، إليه الفضل، يا لك من فضل |
أرى الموت في عيني تخّيلَ شخصُهُ | ولي عُمُرٌ في مثلهِ يتقي مثلي |
وكادتْ يدٌ منه تشدّ على يدي | ورجلٌ له بالقُرْبِ تمْشي على رجلي |
وفي مدّ أنفاسي لديّ وجزرها | بقاءٌ لنفسٍ غير مُتصل الحبل |
ثمانون عاماً عِشتُها ووجدتها | تهدمُ ما تبني وتخفض من تُعلي |
وإني لَحَيّ القولِ في الأملِ الذي | إذا رُمْتُهُ ألفيتُهُ مَيّتَ الفعْل |
إذا الله لم يمنحكَ خيرا، مُنِعْتَهُ | على ما تعانيه من الحِذْقِ والنُّبل |
فيا سائلي عن أهل ذا العصر دعْهمُ | فبالفَرْع منهم يُسْتَدَلّ على الأصّلِ |
إذا خَلَلٌ في الحالِ منك وَجَدْتَهُ | فإيّاكَ والتعويلَ منهم على خِلّ |
تأملتُ في عقلي وضعفي فقل إذا | سئلتَ: رأيتُ الشيخ في عُمر الطفل |
وهمٌ لهه حِمْلٌ على الهمِّ ثِقْلُهُ | فيا ليتَهُ مِنْهُ على كاهلِ الكَهْلِ |
رجعْتُ إلى ذكر الحِمام فإنَّه | له زَمَنٌ ملآنٌ بالغدْرِ والخَتْل |
وكم لقوة ٍ من قُلّة ِ النيق حطّها | إلى حيث تفنيها الذبابة بالأكلِ |
وقسورة ٍ أفضى إلى نزع روحه | وشقّ إليها بين أنيابه العُصْل |
فما للردى من منهلٍ لا نُسيغُهُ | وواردُهُ يَغْنَى عن العَلّ بالنّهل |
فيا غرسة ً للأجرِ كنتُ نقلتُها | إلى كَنَفيْ صَوْني وألحفتُها ظلي |
وأنكحتها من بعد صدقٍ حَمِدتُهُ | كريماً فلم تَذَمُمْ مُعاشَرَة َ البعل |
أتاني نعيٌ عنكِ أذكى جوى الأسى | عليّ: اشتعالَ النارِ في الحطب الجزل |
وجاءكَ عنّي نعيُ حيّ فلم يُجِزْ | لك الكُحْلُ فيه ما لبستِ من الكحل |
على أنّ أسماعَ البلاد تسامعتْ | به وهو يجْري بين ألْسِنَة السُّبْلِ |
فنُحْتِ على حيٍّ أماتَ شبابَهُ | زمانُ مشيبٍ لا يُجدّدُ ما يبلي |
فمتّ بما شاء الإلهُ ولم أمتْ | لِيَكْتُبَ عمري من حياتي الذي يملي |
وفارقت روحاً كان منكِ انْتزاعُهُ | أدقّ دبيباً في الجسومِ من النملِ |
أراني غريباً قد بكيتُ غريبة ً | كلانا مشوقٌ للمواطنِ والأهل |
بكتني وظنّتْ أنّني مت قبلها | فعشتُ وماتتْ -وهي محزونة -قبلي |
أقامتْ على موتي، الذي قيل، مأتماً | وأبكتْ عيونَ الناس بالطّلّ والوبْلِ |
وكلٌّ على مِقدار حَسْرته بَكَى | عليّ ولاقَى ما اقتضاه من الشكل |
أساكنة َ القبرِ الذي ضُمّ قُطرُهُ | على البرّ منها والديانة والفضلِ |
أصابِكِ حزنٌ من مُصَابِيَ قاتلٌ | فهل أجلٌ لا قاك قد كان من أجلي؟ |
وخلّفْتِ في حِجْرِ الكآبة ِ للبكا | بناتٍ لأمّ في مفارقة الشّمْلِ |
يُرينَ كأفراخِ الحمامة ِ صادها | أبُو ملحمٍ في وكرِهِ كأبي الشّبْل |
بكتكِ قوافي الشعرِ من غزر أدْمُعٍ | بكاءَ الحَمامِ الوُرْقِ في قُضُبِ الأثْل |
وكلّ مهاة ٍ حَوْلَ قبركِ بالفلا | لما بين عينيها وعينيكِ من شكل |
فَرَوّى ضريحاً من كفاحٍ عن الثرى | له وابلٌ بالخصبِ ما خُطّ بالمحلِ |
أيا ربِّ إن الخَلْقَ لا أرتجيهمُ | فكلْ ضعيف لا يُمِرّ ولا يُحلي |
بحلمكَ تعفو عن تعاظمِ زلتي | وفضلك عن نقصي، وحلمك عن جهلي |