عسى للصَّبا عِلْمٌ بِرَسْمِ المعالمِ
مدة
قراءة القصيدة :
5 دقائق
.
عسى للصَّبا عِلْمٌ بِرَسْمِ المعالمِ | فتبردَ حرّاً من صبابة ِ هائمْ |
ربوعٌ ربعتُ اللهو والكاس والصِّبا | بها مُكْرَماً بالوصْلِ عند الكرائم |
لياليَ تعذيبي من الوجد مقلقي | ورشفي اللمى من عذبة الرِّيق غارمي |
وقد كان في مَحْلِ الهوى وانتجاعِهِ | مُنَدّاي في وَرْد الخدود النّواعم |
فيا ريحُ إنَّ الرّوحَ فيكِ فعلّلي | به ساهراً، وقفاً على ذِكرِ نائمْ |
تطيّبتِ بالأرضِ التي طابَ تُربها | ومجّ نداها الندَّ في أنف لاثمْ |
وأذكرْتِني عَصْرَ الصبا فكأنَّما | تَحدّثُ منه العين عن طيف حالمْ |
أعيدي حديثاً عنده مَوْردٌ، لنا | وُقوعٌ عليه، بالقلوب الحوائم |
وهاتي جهامَ السُّحبِ أملؤها حياً | بدمعي لسقيا أرْبُعي ومعالمي |
سرتْ موهناً تمشي على الماء بالهوى | وبِالمسكِ من أنفاسِها في النّمائمْ |
وليس حديثُ الريح إلا تبسّماً | يفتّ حصاة َ القلب بين الحيازم |
وكم من بِلى صبرٍ تهبّ به أسى ً | وتجدِيدِ شوقٍ من هوًى متقادم |
وأسطارِ حزن يملأ الخدَّ خطُّها | جراحاً، بأقلام الدموع السواجم |
فمَنْ لغريبٍ مذْهبٍ شَطْرَ عُمْرِهِ | طِلابُ المعالي وارتكابُ العزائم |
ذوى عُودُهُ وانحطّ في العمرِ إذا رَقَى | إلى سنِّ مَنْ أفنى ثلاثَ عمائم |
لقد صرمتْ حبلي ظباء الصرائم | وجازَتْ مَوَدّات الهوى بالسخائم |
وأعرضَ عن ذكري الحسان وطالما | نقشنَ كلامي في فصوصِ الخواتم |
مغيرا، فتغدو غُرّها من غنائمي | |
كأنِّيَ لم أُشْغَفْ بِزَهْرِ بَرَاقِعٍ | يقصّرُ عن ريّاهُ زَهْرُ الكمائم |
ترى نرجس الأجفان منه كلاثمٍ | يشير إلى ما في أقاحِ المباسمِ |
لياليَ يشدوني على كأسِ قهوة ٍ | قيانُ العذارى أو قيانُ الحمائم |
وصفراء في جسم الزجاج تميّعتْ | تألقَ برقٍ في الغمام لشائم |
ترى الشمسَ منها وَسْطَ هالة ِ أنْجُمٍ | ولا فلكٌ إلاَّ بَنَانُ المُنَادم |
وكم غادة ٍ زارَتْ على خوفِ رِقْبَة ٍ | ولم يثنِها عن زورتي لومُ لائم |
فباتَ يشبّ النارَ في القلب حُبُّها | على أنها كالماء في فم صائم |
وبيدٍ تَرَى ذاتَ السنابك في السّرَى | مسلِّمَة ً فيها لذات المناسم |
بها من قبيلِ الإنس جنّانُ مَهْمَة ٍ | صعاليكُ إلا من قنا وصوارم |
وكلِّ أضاة ٍ لا مغاصَ للهذمٍ | إذا طَلَعَتْ زُهْرُ النجوم العوائم |
وكلّ عُقابٍ جانحٍ بقوادمٍ | مُعقٍ بطرف، سابحٍ بقوائم |
كأنّ الرياحَ الهوجَ راضوا شدادها | أما ركبوها وهي لِينُ الشكائم |
إذا ما انتضوا للحرب ما في غمودهم | رعوا بوجيع الضرب ما في العمائم |
وتعجبُ منهم من فصاحة ألسنٍ | وما صَحبوا في القفرِ غيرَ البهائم |
وخضرٍ خلاياهُنّ تجري كما ارتَمَتْ | بقاعِ سرابٍ مُجْفَلاتُ النّعائم |
كأنّ جبالاً بالعواصف فوقها | مُسَيَّرَة ٌ من موجها المتلاطم |
كأنَّ مغاصَ الدّرّ في قعرها بَدَتْ | فرائدهُ أو منثراً للدراهم |
كأنّ على الأفلاك مسبحَ فلكها | إذا طلعتْ زُهرُ النجوك العوائم |
إلى ابنِ تميم أسْنَدَتْ كلّ مَنْكِبٍ | إلى منكبِ الجوزاءِ غيرَ مزاحم |
وجدنا جميع الأرض في أرضِ حمّة ٍ | وفي قَصْدِنا يحيى جميعَ المكارم |
همامٌ صريحُ العزم سلّ سيوفَهُ | فذبّتْ ضراباً عن جذور المحارم |
بأروعَ عن ثغرِ الرئاسة ِ باسم | |
تحلّ بنو الآمالِ منه بساحة ٍ | بها يَقِفُ الجبُّارُ وِقْفَة َ واجم |
وتمشي بذي الإكبار جَبْهَة ُ ساجدٍ | إليهو فوق التراب أو فم لاثم |
حمى مُلكهُ يحيى ولولاه ما احتمى | وهل يحتمي غيلٌ بغير ضبارِم |
وحَكّمَ في الجودِ العُفاة َ، وهكذا | يُحَكّمُ أطرافَ الظّبا في الجماجم |
تشيمُ به صبحاً من العدل مُشْرِقاً | إذا كنتَ في ليلٍ من الجور فاحم |
ويجري لك المعروفُ من كفّ واهبٍ | إذا جَمَدَ المعروفُ من كفّ حارم |
إذا رحلته همة ٌ أدْرَكَ العُلَى | وحطّ رحالَ العزّ فوقَ النعائم |
ولا عَجَبٌ أن عَلّمَ الجودَ باخلاً: | يَضِلّ أخو جَهْلٍ، ويُهدى بعالم |
يسوسُ الوَرَى من بين بَرٍّ وفاجرٍ | بلطفِ صفوحٍ منه، أو عفوِ ناقم |
وتطوي سراياه السّرى وهبانهُ | فأيّ انتباهٍ للعيونِ النّوائم |
ومن يُمض أمرَ المُلك بالبأس والندى | يَجُزْ حُكْمُهُ في الأرض طيبة حاتم |
فما راحة ٌ ولا راحة ٌ للندى بها | ومالٌ عليه البذلُ ضَرْبَة َ لازم |
له في مَكَرِّ قَسْوَة ُ قاهِرٍ | وعند مَجَرّ الذيل رأفَة ُ راحم |
وَعِفّة ُ سيفٍ، ليس يبْرُقُ بالرّدى | إذا سلّهُ، إلاّ على رأس ظالم |
يفضّ ختامَ الهامِ قطفاً عن الطلى | بيسرى إذ اليمنى قبيعة ُ صارم |
نَمَتْهُ من الأملاكِ صيدٌ تَقَدّمَتْ | لهم قَدَمُ الإعظام عِند الأعاظم |
بهاليلُ من حيٍّ لَقاحٍ سَمَوْا على | أعاربَ من أهلِ العُلى وأعاجم |
مجالِسُهُمْ في الحرب والسلم لم تَزَلْ | دسوتَ المعالي أو سرُوجَ الصلادم |
بنو الحرب تُخشى صولة ُ البأس منهم | وحربُ القنا في نافذات اللهاذم |
لهم كلّ مولودٍ على فطرة ِ الوغى | تُرَاعُ به شبلاً أُسودُ الملاحم |
وتحسبُهُ سيفاً على عاتِقِ العلى | ولا حلية ٌ إلا منوطُ التمائم |
ولم يدرِ من قبلُ السيوفَ وإنّما | حكى القينُ فيها ما لهم من عزائم |
فيا جاعلاً من عَفْوِهِ وانتقامِهِ | جنى النحل طعميه وسمْ الأراقم |
لأذكيتَ نارَ العِزّ وهي التي بها | وَضَعْتَ سماتِ الذلّ فوْقَ المَخاطم |
سيوفك أبقتْ في الأعادي أبدْتَهُمْ | مآتمَ أحزانٍ بغير مآثم |
كأنَّ حروفَ اللينِ كانتْ رؤوسَهُمْ | فلاقَيْنِ حَذْفاً من وقوع الجوازم |
وجيشك هنديّ الخوافي، بِهَزّهِ | جناحيْ عُقَابٍ، سمهريُّ القوادم |
وزرق ذبابٍ في الثعالب أجدبتْ | وما انتجعتْ إلاّ نجيعَ الضراغم |
فيا دولة ً قعساءَ درتْ فأرضعتْ | ثُديَ المنايا أو ثُديّ المكارم |
حَلُمَتْ فما تُثْني على حلم أحنفٍ | وجدتَ فما تُصغي إلى جود حاتم |
فهنّئْتَ عيدا يقتضي كلّ عودة ٍ | إليكَ، بعزٍّ ثابتِ الملكِ دائم |