أعمال يسيرة وأجرها عظيم.. وموقف مؤثر
مدة
قراءة المادة :
4 دقائق
.
أعمال يسيرة وأجرها عظيم.. وموقف مؤثر
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فينظر كثير من الناس إلى كثرة العبادات أو إلى نوعيَّتها، ولكن القليل منهم مَن يركز على أهمية الإخلاص، خاصة في الأعمال القليلة، أو التي يتقالها البعض.
إن الإخلاص يرفع درجة العمل القليل ناقص القدر عند البعض، يرفعه إلى درجات عليا، وقد يكون سببًا لمغفرة الذنوب وعُلو الدرجات في الجنات؛ قال سبحانه: ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [المائدة: 27].
وقد ثبت في السنة ذكر أعمال يسيرة كانت سببًا لنجاة أصحابها من الكرب، وكانت سببًا لمغفرة ذنوب بعضهم، ودخولهم الجنة؛ منها: قصة البغي التي سقت كلبًا يلهَث فغفر الله لها، والقصة وردت في حديث متفق عليه؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية معلقًا على الحديث: هذا لَمَّا حصل في قلبها من حُسن النية والرحمة إذ ذاك.
ومنها في الحديث المتفق عليه قصة الذي كان يداين الناس، فإذا رأى معسرًا قال لفتيانه: تجاوزوا عنه لعل الله أن يتجاوز عنا، فتجاوز الله عنه، وفي رواية لمسلم قال الله عز وجل: نحن أحقُّ بذلك منه، تجاوزوا عنه، والذي أماط غُصن شوكة عن الطريق؛ لأنها كانت تؤذي المارة، فرآه النبي صلى الله عليه وسلم يتقلب في الجنة، والحديث في صحيح مسلم.
والآن أذكر لكم هذا المشهد المؤثر حقًّا الذي رأيته بعيني في المسجد النبوي قبل أسبوع في صلاة الجمعة؛ حيث وصلتُ متأخرًا، فلم أجد مكانًا إلا في سطح الحرم، وكانت الأرض مبتلة من أثر المطر، والعمال قد رفعوا سجادات الصلاة منعًا لاتِّساخها، وحينما كنا في الصلاة، فوجئت بحدث مفاجئ ومؤثر جدًّا، فما هو؟!
كان بجواري رجل باكستاني وبجواره رجل آخر يلبس لباسًا عربيًّا، قام بتنظيف مكان صلاته ومكان صلاة الأخ الباكستاني، ثم حصل أمرٌ آخر مدهش ومؤثر حقًّا، فما هو؟ بعد أن رفعنا من الركوع رأيتُ العربي يرمي غترته الشماغ البيضاء الجديدة على الأرض في مكان سجود الباكستاني؛ لتَقيه من برودة الأرض، ومما قد يَعلَق بها من الوسخ! الله أكبر، لقد كنت مندهشًا جدًّا من الموقف، وقلت في ذلك اليوم: وما يدري هذا الرجل الكريم، فلعل هذا العمل قد بلغ به منزلةً عظيمة عند العظيم الكريم سبحانه، أو كان سببًا لمغفرة ذنوبه، خاصة إن كان عمله خالصًا لوجه الله عز وجل.
وهنا تذكَّرت الأعمال التي ذكرتُها قبلَ قليل التي ثبَت في السنة عِظَمُ أجر عامليها، وأن بعضها كانت سببًا لمغفرة ذنوبهم، وعُلو منزلتهم عند الجواد الكريم سبحانه.
استِفد أخي الكريم وفَّقك الله مما سبق، فالعبرة دائمًا بالإخلاص، وليس بصورة العمل فقط،
لذا احرِص عليه كثيرًا، واسأَلْ ربَّك دائمًا أن يمنَّ عليك به، فهو كنزٌ عظيم وعزيز، ولا يُؤْتاه إلا ذو حظٍّ عظيم من الكريم سبحانه.
واعلَم حفِظك الله أن الثواب الذي ترتَّب على الأعمال اليسيرة التي ذكرتُها في الأحاديث السابقة، ليس خاصًّا بهؤلاء، وإنما هو عام يُرجى لكل مَن عمِل مثل عملهم بإخلاص.
حفِظكم الله ورزَقكم الإخلاص والثبات، وعُلو الدرجات ومغفرة الذنوب، وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومَن والاه.