هل كان أودعَ سرَّ قلب محجراً
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
هل كان أودعَ سرَّ قلب محجراً | صبٌّ يكابد دمعه المتحدرا |
باتت له عين تفيض بِلُجّة ٍ | قذفَ السهادُ على سواحلها الكرى |
ما بال سالي القلب عنّف من له | قلبٌ بتفتير اللحاظ نقطّرا |
ورمى نصيحته إلى قنص الهوى | فإذا رَعَى حَوْلَ الحبائلِ نُفّرا |
إن الغرامَ غرامُهُ ذو سَوْرَة ٍ | ومن العيونِ على القلوب تسوّرا |
وإذا تعلّقَ بالعلاقة ِ مهتدٍ | ورنا إلى حور الظباء تحيّرا |
ومن الفواتك بالورى لك غادة ٌ | كَحَلَتْ بمثل السحر طرفاً أحورا |
ملآنُ منها حِقْفُها، وَوِشاحُهَا | صِفْرٌ تخالُ الخَصْرَ فيه خِنْصَرا |
عادت سقيماً من سقام جفونها | خطرت عليه كرؤية فتخطّرا |
شَرِقَ الظلامُ تألقاً بضيائها | فكأنما شَربَ الصباح المسفرا |
سَحَبَتْ ذوائبَها فيا لأساودٍ | نَفثَتْ على القدمينِ مِسْكاً أذفرا |
ومشتْ ترَنّحُ كالنزيف ومشيها | فَضَحَ القطاة َ بحسنه والجُؤذَرَا |
فعجبتُ من غُصنٍ تُدافِعُهُ الصَّبا | بالنهد أثمر والثنايا نَوَرا |
معشوقة ٌ حَيّتْ بودرة ِ وجنة ٍ | وَسَقَتْ بكاسِ فمٍ سُلافاً مُسْكرا |
لا تعجبنْ مما أقول فمقولي | عن حُكمِ عيني بالبخيلة أخبرا |
إني امرؤ كلّ الفكاهة حازها | والصيدُ كل الصيد في جوف الفرا |
يا رُبّ ذي مدّ وجزرٍ ماؤه | للفلك هُلْكٌ قَطْعُهُ فتيسرا |
نفخ الدجى لما رآه ميِّتاً | فيه مكانَ الروح ريحاً صرصرا |
يُفْضي إلى حي العباب تخاله | لولا رُبى الآذيِّ قيعاً مقفرا |
يخشى لوحشته السُّلَيْكَ سلوكَهُ | ويلوكُ فيه الرعبُ قلبَ الشنفرى |
خضنا حشاه في حشى زنجية | كمسفّة ٍ شقّتْ سكاكاً أغبرا |
تنجو أمامَ القدح وَخْدَ نجيبة َ | فكأنَّه فحلٌ عليها جرجرا |
بحرٌ حكى جود ابنِ يحيى فيضُهُ | وطما بسيفِ القصر منه فقصرا |
أقرى الملوك يداً وأرفع ذمة ً | وأجلّ منقبة ً وأكرمُ عنصرا |
لا تحسبِ الهمّاتِ شيئاً واحدا | شتان ما بين الثريا والثرى |
بدرِ المهابة يجتبي في دَسْتِهِ | مَلِكٌ إذا مَلْكٌ رآه كبّرا |
نجلُ الأعاظم من ذؤابة حميرٍ | صَقَلَ الزمانُ به مفاخرَ حميرا |
يزدانُ في العياءِ منه سريرُهُ | بمملَّكٍ في المهد كان مؤمَّرا |
لَبِسَ التذلَّلَ والخشوعَ لعزِّهِ | كلّ امرىء ٍ لبس الخنى وتحيرا |
وكأنَّما في كلّ مِقْوَلِ ناطقٍ | من ذكره خَوفٌ يُسَلّ مُذكَّرا |
وكأنه في الدهر خُيّرَ فانتقى | أيامه من حُسنها وتخيّرا |
طلْقُ المحيَّا لا بُسَورَ له إذا | بسرَ الحمامُ بمأزق وتمعرا |
أخدوده في الرأس ضربة ُ أبيضٍ | وقلبيه في القلب طعنة أسمرا |
وإذا تعرى للشجاع حسامهُ | بكريهة ٍ قتل الشجاعة بالعرا |
كم مِنْ صريعٍ عاطلٍ من رأسه | بالضربِ طَوّقَهُ حساماً مبترا |
متيقظٌ ملأ الزمانَ لأهله | أمْناً أنامَ به وخوفاً أسهرا |
عصفتْ لتدركه الصبا فكأنما | جمدتْ وقرّت خلفه لما جرى |
أحبِبْ بذاك السبق إذ هو في مدى | شرفٍ يثيرُ به العلى لا العثيرا |
يُسْدِي المكارم من أناملِ مُفْضِلٍ | أغنى الزمان بنيلها مَنْ أفقرا |
أحيا به المعروف بين عباده | ربٌّ بسيرته أماتَ المنكرا |
وكتيبة ٍ كَتَبَتْ صدورُ رماحها | للموت في صحفِ الحيازم أسطرا |
مُلِئَتْ بها الحربُ العَوَانُ ضراغماً | وصلادماً وقشاعماً وسنورا |
جاءت لفيفاً في رواق عجاجة ٍ | سوداءَ درْهَمها اللميعُ ودنّرا |
وبدا عليٌّ في سماءِ قتامها | قمرا وصالَ على الفوارس قَسْوَرا |
بخطيبِ موتٍ في الوقائع جاعلٍ | لغراره رأسَ المدجج منبرا |
بحرٌ إذا ما القرنُ رام عبوره | لم يلقَ فيه إلى السلامة معبرا |
عَطَبَتْ به مُهَجُ الجبابرة َ الألى | بصروا بكسرى في الزمان وقيصرا |
رسبت بلجتّه النفوسُ ولو طفتْ | لحسبتهُ قبلَ القيامة محشرا |
وردَ النجيع وسوسنٌ جنباته | ثم استقلّ بهنّ ورداً أحمرا |
وكأنما نارٌ تُشَبّ بمتنه | أبداً تُحرقُ فيه روضاً أخضرا |
فَتَقَ الرياح بفخره فكأنَّما | خُضْنا إليه بالمعاطِس عنبرا |
رفع القريض به عقائر مدحهِ | فاهتزّ في يده النّدى وتفجّرا |
وأتى العطاء مفضضاً ومذهباً | وأتى الثناء مسهماً ومحيرا |
فكأنما زخرت غواربُ دجلة ٍ | وكأنما نُشرتْ وشائع عبقرا |
يا من إذا بصرٌ رآه فقد رأى | في بردتيه الأكرمين من الورى |
وبدا له أنّا بألْسِنَة ِ العلى | في جوهر الأملاك ننظم جوهرا |
من نُور بشرك أشرقَ النور الذي | بتكاثر الأعياد عندك بَشّرا |
واسلمْ لملكِكَ في تَقَاعُسِ عِزَّة ٍ | وَأبِدْ بسيفكَ من عدا واستكبرا |