خَطْبٌ يهزّ شواهقَ الأطوادِ
مدة
قراءة القصيدة :
5 دقائق
.
خَطْبٌ يهزّ شواهقَ الأطوادِ | صَدَعَ الزّمان به حصاة َ فؤادِي |
ومصيبة ٌ حَرُّ المصائب عندها | بردٌ بحُرقتها على الأكباد |
وكأنما الأحشاء من حسراتها | يُجْذَبْنَ بينَ براثِنِ الآسَاد |
كُبَرُ الدّاوهي رحلت بحلولها | قَرْماً. لقد قَرَعَتْ قريعَ أعادِي |
سكنتْ شقاشقهُ وكان هديره | يستك منه مسامعُ الحسّادِ |
وكأنَّما في الترب غيَّضَ غيضها | لحداه ورداً عن ورود صواد |
نُحِرَتْ شؤوني بالبكاءِ عليه أمْ | عُصرت مدامعها من الفرصاد |
لم أنتفع بالنفس عند عزائها | فكأنها عينٌ بغير سواد |
هذا الزمان على خلائقه التي | طَوَتِ الخلائِقَ من ثمودَ وعاد |
لم يبق منهم من يشبّ لِقَرِّهِ | بيديه سقطاً من قداح زناد |
يَفْنَى ويُفْنِي دهرُنا وصروفه | من طارقٍ أو رائحٍ أو غاد |
فكأنَّ عينك منه واقعة ٌ على | بطلٍ مُبِيدٍ في الحروب مُباد |
والنَّاسُ كالأحلام عند نواظر | ترنو إليهمْ، هي دارُ سهاد |
سَهَرٌ كرى مُقَلٍ تخافُ من الرّدَى | للخوف هجرُ الطير ماءَ ثماد |
والعمرُ يُحفَزُ بين يومٍ سابقٍ | لا يستقر، وبين يومٍ حاد |
دنيا إلى أُخْرى تُنَقِّلُ أهْلَها | هل تتْركُ الأرواح في الأجساد |
وكأنَّهن صوارمٌ، ما فعلها | إلا من الأجسام في أغماد |
حتى إذا فُجعتْ بها أشباحها | بقيتْ لفقد حياتها كجماد |
والموتُ يُدرِكُ والفرار مُعقِّلٌ | من فرَّ عنه على سَرَاة جواد |
وينالُ ما صدعَ الهواء بخافقٍ | موتٌ، ومن قطع الفلا بسهاد |
ويسومُ ضيماً كلَّ أعصمَ شاهقٍ | ريبُ المنون، وكلّ حية ِ واد |
وهزبرَ غابٍ يحتمي بمخالبٍ | يُرْهَفْنَ من غير الحديد، حداد |
يسري إلى وجه الصباح، وإنما | مصباحهُ من طرفه الوقّاد |
أو لا ولم يُبْلِ الحِمَامُ بشبله | وعنادُهُ بالدلّ غيرُ عناد |
وأخو الهداية ِ راحلٌ جَعَلَ التقى | زاداً له فتقاه أفضل زاد |
أنا يا ابن أختى لا أزالُ أخا أسى ً | حتى أوَسَّدَ في الضريح وسادي |
إني امرؤ مما طُرقت مهيَّدٌ | بفراق أهلي وانتزاح بلادي |
أودى الغريبُ بعلَّة ٍ تعتاده | بالكرب، وهي غريبة العوّاد |
أمَلٌ وعدت به، وأوعدني الرّدى | فَبهِ يُجَذّ الوعدُ بالإيعاد |
حيٌّ ومَيْتٌ بالخطوب تباعَدا | شتانَ بين بعاده وبعادي |
نعيٌ دُهيتُ به فمتّ وإنْ أعِشْ | خَلْفَ المنون فلم أعش بمرادي |
ما ثُلّمَ السيفُ الذي جَسَد الثرى | أمسى له جفناً بغير نجاد |
عضبٌ يكون عتاد فارسه إذا | ما سلّهُ. والعضبُ غير عتاد |
قد كان في يُمنى أبيه مصمماً | يعتدهُ يومَ الوغى لجلاد |
أعززْ عليّ برونقٍ يبكي دماً | بتواترِ الأزمان والآباد |
وأقول بدرٌ دبّ فيه محاقُهُ | إنّ الكمال إليه غير معاد |
إن غاب في جدثٍ أنار بنوره | فبفقدِ ذاك النور أظلمَ نادي |
واستعذبته المعضلاتُ لأنَّها | مستهدفاتُ مقاتِلِ الأمجاد |
لو أخرته منية ٌ لتقدمت | في الجود همّتُهُ على الأجواد |
ولكان في دَرْسِ العلومِ وحفظها | بين الأفاضل مبدأ الأعداد |
إنّ المفاخر والمحامد، سِرها | لذوي البصائر في المخايل باد |
زينُ الحضور ذوي الفضائل غائبٌ | يا طولَ غيبة ِ مُعْرِضٍ مُتَمَاد |
هلاِّ حَمَتْهُ عناصرُ المجد التي | طابتْ من الآباء والأجداد |
ومكارمٌ بُذلت لصون نفوسهم | معدودة ٌ بالفضل في الأعداد |
منقولة ٌ منهم إلى الأولاد | |
من معرقِ الطرفين، مركزُ فخره | بيتٌ، سماءُ عُلاهُ ذاتُ عماد |
المنفقون بأرضهم أعمارهم | ما بين غزوٍ في العدى وجهاد |
أذْمارُ حربٍ في سماءِ قتامِهِمْ | شهبٌ طوالع في القنا المياد |
وبوارقٌ تنسل مِنْ أجفانها | ورق لزرعِ الهامِ ذاتُ حصاد |
فزع الصريخُ إليهمُ مستنجداً | فبهم ومنهم شوكة الأنْجَاد |
أُسْدٌ لَبُوسُهُمُ جلودُ أراقمٍ | بُهِتَتْ لرؤيتها عيونُ جَرَاد |
يا عابد الرحمن حسبك رحمة ً | وفّى لها بالعهد صوب عهاد |
بحلاوة اسمك للمنون مرارة | طُرِحَتْ بِعَذْبِ الوِرْدِ للورّاد |
إني أنادي منكَ غيرَ مُجاوبٍ | ميتاً، وعن شوقٍ إليك أنادي |
في جوف قبر مفرد من زائر: | قبرُ الغريب يُخَصّ بالإفراد |
ما بين مَوْتى في صباح عَرَّسُوا | لإعادة ٍ بالبعث يومَ معاد |
بين الألوف عفيَّة ً أرسامهم | ولرسمه قبر من الآحاد |
أوّلم يكن بقراط دون أبيك في | داءٍ يُعَدُ لَهُ المريضُ عِداد |
وأدقّ منه فكرة ً حسبيَّة ً | حكميَّة َ الإصدارِ والايراد |
هلاَّ شَفى سَقَماً فوقَّفَ برؤهُ | موتاً تمشى منك في الأبراد |
هيهات كان مماتُ نفسك مثبتاً | بيدِ القضاء عليك في الميلاد |
قصَرَتكَ كالممدود قَصْرَ ضرورة ٍ | وعدتكَ عن مدّ الحياة عواد |
وشربتَ كأساً نحن في إيراقها | إذ أنت منها في طويل رقاد |
وتركتَ عِرسك، وهي منك جنازة ٌ | ولباسَ عرسك، وهو ثوبُ حداد |
أهْدِي إلَيك مكانَها حوريَة ً | مُهدٍ، وذاك الفضل فضلُ الهادي |
عندي عليك من البكاء بحسرة ٍ | ماءٌ لنار الحزن ذو إيقاد |
ونياحُ ذي كَمَدٍ يذوب به إذا | رفع الرثاء عقيرة الإنشاد |
وتخيلٌ يحييك في فكري، فذا | مَسعاكَ في بِرِّي ومحض ودادي |
قد كان عيدك، والحياة على شفا | من قطع عمرك، آخر الأعياد |
أرثيك عن طبعٍ تَجَدْوَلَ بَحْرُهُ | بعدَ الغياب وكثرة الأولاد |
أنا في الثمانين التي فشلت بها | قيدي الزمانة ، عند ذلّ قيادي |
أمشي دبيباً كالكسير وأتقي | وثباً على من الحِمام العادي |
ذبلت من الآداب روضيَ التي | جُليت نضارتها على الرواد |
لو كنتَ بعدي لافتديت بأنْفُسٍ | وبما حوت من طارف وتلاد |
فاصبر أبا الحسن احتسابَ مُسْلِّمٍ | لله أمرَ خواتم ومبادي |
فلقد عهدتُك، والحوادث جَمَّة ٌ | وشدادهنَّ عليك غيرُ شداد |
أوَليس إبراهيم، نجلُ محمدٍ، | بالدفن صار إلى بلى ونفاد |
ردّ النبيُّ عليه تربة َ لحده | بيد النبوَّة ُ، وهي ذات أيادي |
فتأسّ في ابنك بابنه، وخلاله، | تَسْلُكْ بِاأسوَتِه سبيلَ رَشاد |