قَضَتْ في الصّبا النفسُ أوطارَها
مدة
قراءة القصيدة :
دقيقتان
.
قَضَتْ في الصّبا النفسُ أوطارَها | وأبلغها الشيبُ إنذارها |
نَعَمْ وأُجِيلَتْ قِداحُ الهوَى | عليها فتقسّمنَ أعشارها |
وما غرسَ الدهرُ في تربة ٍ | غراساً ولم يجنِ أثمارها |
فأفنيتُ في الحرب آلاتها | وأعددت للسلم أوزارها |
كميتاً لها مَرحٌ بالفتى | إذا حثّ باللهو أدوارها |
تناولها الكوبُ من دنّها | فتحسبه كانَ مضمارها |
وساقية ٍ زرّرت كفُّها | على عُنُقِ الظبي أزرارها |
تدير بياقوتة ٍ دُرَّة ً | فتغمسُ في مائها نارها |
وفتيانِ صدقٍ كَزُهْرِ النجوم | كرام النحائز أحرارها |
يديرون راحاً تفيض الكؤوس | على ظُلَمِ الليلِ أنوارها |
كأنَّ لها من نسيج الحَبَاب | شباكاً تُعقّلُ أطيارها |
وراهبة ٍ أغلقتْ دَبْرَها | فكنّا مع الليل زُوّارها |
هدانا إليها شذا قهوة ٍ | تذيعُ لأنفك أسرارها |
فما فاز بالمسك إلاَّ فتى ً | تَيَمّمَ دارِينَ أو دارها |
كأنَّ نوافجَهُ عندها | دنانٌ مضمَّنَة ٌ قارها |
طرحتُ بميزانها درهمي | فأجْرَتْ من الدنّ دينارها |
خطبنا بناتٍ لها أربعاً | ليفترع اللهو أبكارها |
من اللائي أعصارُ زُهر النجوم | تكادُ تُطاولُ أعمارها |
تريك عرائسها أيدياً | طوالاً تصافح أخصارها |
تفرّسَ في شَمِّهِ طيبَها | مجيدُ الفراسة فاختارها |
فتى ً دارسَ الخمر حتى درى | عصيرَ الخمور وأعصارها |
يَعدّ لما شئتَ من قهوة ٍ | سنيها ويعرفُ خمَّارها |
وعدنا إلى هالة ٍ أطْلَعَتْ | على قُضُبِ البان أقمارَها |
يرى مَلكُ اللهو فيها الهمومَ | تثورُ فيقتلُ ثوّارَهَا |
وقد سكّنَتْ حركاتِ الأسى | قيانٌ تُحرّكُ أوتارها |
فهذي تعانِقُ لي عودها | وتلك تقبّل مزمارها |
وراقصة ٍ لقطتْ رِجلها | حسابَ يدٍ نَقَرَتْ طارَها |
وقضبٍ من الشمع مصفَرة ٍ | تريك من النار نوارها |
كأنَّ لها عمدا صُفّفَتْ | وقد وزن العدلُ أقطارها |
تقلّ الدياجي على هامها | وتهتك بالنور أستارها |
كأنَّا نُسلّطُ آجالها | عليها فتمحقُ أعمارها |
ذكرتُ صقلية ً والأسى | يُهيّج للنفس تذكارها |
ومنزلة ً للتصابي خلتْ | وكان بنو الظرف عُمَّارها |
فإن كنتُ أخرجت من جنة ٍ | فإني أحدث أخبارها |
ولولا ملوحة ُ ماء البكا | حَسِبْتُ دموعيَ أنهارها |
ضحكتُ ابنَ عشرين من صبوة ٍ | بكيت ابنَ ستين أوزارها |
فلا تعظمنّ لديك الذنوب | فما زال ربّك غفّارها |