غَيَّرَتْهُ غِيَرُ الدَّهْرِ فشابْ
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
غَيَّرَتْهُ غِيَرُ الدَّهْرِ فشابْ | ورمته كلُّ خود باجتناب |
فغدا عند الغواني ساقطاً | كسقوط الصفر من عد الحساب |
وتولى عنه شيطانُ الصبا | إذا رماه الشيبُ رجماً بشهاب |
وكأنَّ الشَّعَرَ منه سَعَفٌ | يلتظي فيه شواظٌ ذو التهاب |
أيها المُغْرِى بِتأنِيبِ شجٍ | سُلّطَ الوجد عليه، هل أناب؟ |
هامَ، لا همتَ، من الغيد بمن | حبّها عذبٌ، وإن كان عذاب |
لمتَ، لا لمتَ، عميداً قلبهُ | عن سماعِ اللوم فيها ذو انقلاب |
والهوى باقٍ مع المرء إذا | كان من عصرِ الصِّبا عنه ذهاب |
بأبي من أقبلتْ في صورة ٍ | ليس للتّائب عنها مِنُ متاب |
كُلُّ حُسْنٍ كامِلٍ في خَلقها | ليتها تنجو من العين بعاب |
فالقوام الغصن، والردف النقا، | والأقاحُ الثَّغْرُ، والطَّلُّ الرُّضاب |
ظبية ٌ في العقد إما التفتتْ | ومهاة حين ترنو في النقاب |
ضاع قلبي فالتمسهُ عندها | تُلْفِهِ في النحر وُسْطَى بِسِخَاب |
روضة ٌ تعبقُ نشرا ما لها | غُمست في ماءِ وردٍ وملاب |
عنّفت رسلي، وردّت تحفي | وأتت تقرع سمعي بالعتاب |
ومحتْ أسطر شوقٍ كُتبتْ | بدموع، نِقْسها قلبٌ مذاب |
ثمّ غطت بنقاب خدّها | مَنْ رأى الشمس توارت بالحجاب |
بكلامٍ يسْتبي أهلَ النَّهى | ويحطّ العصم من شمّ الهضاب |
حيث أخلاقي رواضٍ خَضَعَتْ | في الهوى منها لأخلاقٍ صعاب |
كيفَ لا أبكي بهذا كلّه | وأنا الفاقد ريعان الشباب |
صدّت البيضُ عن البيضِ أما | كان ما بين الشبيهين انجذاب |
أفلا أبكي شباباً فقدهُ | قلبَ الماء لظمآنٍ سراب |
أخطأ الشيبُ ظباءً، والصِّبا | لو رماها خَذَفَاتٍ لأصاب |
خُذ برأيٍ في زماع واصلٍ | طرفَيْهِ: بسفين وركان |
واغتربْ وارجُ المنى كم من فتًى | معدمٍ نال المنى بعد اغتراب |
إنَّ أتراحَ النوى يعقُبُها | بجزيلِ الحظِّ أفراحُ الإياب |
وإذا نابك خطبٌ فاقرهِ | بمهيبٍ فهو للإسلام ناب |
إنَّ للقائد عزا، جارُهُ | في جوار النجم محميّ الجناب |
أسَدُ الروع الذي حملاقهُ | يُرْسِلُ اللحظَة َ موتاً فَيُهاب |
صارمٌ يُبْكي دُمَى الرومِ دَماً | إن تغنَّى منه في الهام ذُباب |
في جهادٍ قَرَنَ الله به | عنده الزّلفى إلى حُسْن المآب |
كم بأرضِ الشرك من معمورة ٍ | أصبحت في غَزْوِهِ وهي يَبَاب |
في أساطيلَ ترى أحشاءها | لبنات الرومِ فيهنّ انتحاب |
ككناسٍ بغمتْ غزلانهُ | من زئيرٍ راعها منْ أُسْدِ غاب |
كلّ مسودّ قراهُ خلقة ً | لابساً من ذلك الليل إهاب |
إنّ ثعبان سراه يقتدي | في نعيب منه بالبرّ غراب |
شجراتٌ حَمْلُها البيضُ إذا | نوّرتْ بالمشرفيات العضاب |
أثمرتْ بالعينِ في الماءِ وإن | ثوّرتْ منه عجاجات العباب |
تقرأ الأعلاجُ منها للردى | فوْقَ طِرْسِ الماءِ أسطارَ كتاب |
مَنْ صناديدهمُ إنْ ساوروا | أسُدَ البيد وحيّات الشعاب؟ |
لستُ أدري أقلوبٌ منهمُ | أمْ صخورٌ في الحيازيم صِلاب |
بُهَمٌ إن ثَوّبَتْ حَرْبٌ بِهِمْ | أوجفوا البُزْلَ إليها والعِراب |
أيها العزم الذي منه زكا | في المعالي عنصر المجد وطاب |
هاكها بنتَ ضميرٍ أعْرَبَتْ | عن معاليك بألفاظٍ عِذاب |
يا لها من حكمة ٍ بالغة ٍ | خاطبَ الفضلَ بها فصلُ الكتاب |
وَصِلِ الغزوَ بتدميرِ العدى | واحيَ في العزِّ لتسهيل الصعاب |