تدَرّعْتُ صبري جُنَّة ً للنوائبِ
مدة
قراءة القصيدة :
5 دقائق
.
تدَرّعْتُ صبري جُنَّة ً للنوائبِ | فإن لمْ تُسالمْ يا زمان فحاربِ |
عجمتَ حصاة ً لا تلين لعاجمٍ | ورضت شموساً لا يذل لراكب |
كأنَّك لم تقنع لنفسي بغربة ٍ | إذا لم أُنْقِّب فِي بِلاد المغَارب |
بلاد جرى فوق البُلادة ماؤها | فأصبح منه ناهلاً كلُّ شارب |
فطمت بها عن كل كأسٍ ولذة | وأنفقتُ كنزَ العمر في غير واجب |
يبيت رئاس العضب في ثني ساعدي | مُعَاوَة ً من جِيد غَيْداءَ كاعب |
وما ضاجعَ الهنديُّ إلا مثلّماً | مضاربه يوم الوغى في الضرّائب |
إذا كان لي في السيف أنس ألفته | فلا وحشة عندي لفقد الحبائب |
فكنت، وقدّي في الصبا مثل قدّه، | عهدت إليه أن منه مكاسبي |
فإن تك لي في المشرفيّ مآربٌ | فكم في موسى له من مآرب |
أتحسبني أنسى ، وما زلت ذاكراً، | خيانة َ دهري أو خيانة صاحبي |
تَغَذَّى بأخْلاقِي صغيرا ولم تكنْ | ضرائبه إلاَّ خِلافَ ضرائبي |
ويا ربّ نَبْتٍ تَعتريِهِ مرارَة ٌ | وقد كان يُسقى عذبَ ماء السحائب |
علمتُ بتجريبي أمورا جهلتها | وقد تُجهَل الأشياء قبل التجارب |
ومَنْ ظَنَّ أمْواه الخضارم عَذْبَة ً | قضى بخلاف الظنّ عند المشارب |
ركبتُ النوى في رَحْلِ كلّ نجية ٍ | تُوَاصِلُ أسبابي بقطع السباسب |
قلاصٌ حناهنّ الهزال كأنَّها | حنيَّات نَبْعٍ في أكفٍّ جواذب |
إذا وردت من زرقة الماء أعيناً | وقفنَ على أرجائها كالحواجب |
بصادقِ عزْمِ في الأمانِي يُحِلَّنِي | على أملٍ من همة ِ النفس كاذب |
ولا سكنٌ إلا مناجاة فكرة ٍ | كأني بها مستحضرٌ كلّ غائب |
ولما رأيْت الناس يُرْهَب شرهم | تجنّبتهم، واخترت وحدة َ راهب |
أحتى خيال كنت أحظى بزوره | له في الكرى عن مضجعي صدّ عاتب |
فهل حال من شكلي عليه فلم يزر | قضافة ُ جسمي وابيضاضُ ذوائبي |
إذا عدّ من غاب الشهور لِغربة ٍ | عددتُ لها الأحقابَ فوق الحقائب |
وكم عزمات كالسيوف صوادق | تجرّدها أيدي الأماني الكواذب |
ولي في سماء الشرق مطلع كوكب | جلا من طلوعي بين زهر الكواكب |
ألفتُ اغترابي عنه حتى تكاثرت | له عقدُ الأيام في كفّ حاسب |
متى تسمع الجوزاء في الجو منطقي | تصخْ في مقالِي لارتجال الغرائب |
وكم لي به من صنو ودٍّ محافظ | لذي العيب من أعدائه غير غائب |
أخي ثقة نادَمْتُهُ الراحَ، والصبا | له من يدِ الأيام غير سوالِب |
معتقة ٌ دعْ ذكر أحقاب عمرها | فقد ملئتْ منها أنامل حاسب |
إذا خاض منها الماءُ فِي مُضْمَر الحشا | بدا الدرّ منها بين طافٍ وراسب |
لياليّ بالمهديتَّين كأنَّها اللآ | لىء مِنْ دُنْياك فوق ترائب |
ليالي لم يذهبن إلاَّ لآلئاً | نظمنَ عقُودا للسنِّين الذواهب |
إذا شئتُ أنْ أرْمِي الهِلاَلَ بلحظة ٍ | لمحتُ تميماً في سماءِ المناقب |
ولو أنّ أرضي حُرّة ٌ لأتيتُها | بِعزْمٍ يعدّ السيرَ ضربة َ لازب |
ولكنّ أرضي كيف لي بفكاكها | من الأسر في أيدي العلوج الغواصب |
لئن ظفرت تلك الكلاب بأكلها | فبعد سكون للعروق الضوارب |
أحينَ تفانَى أهلها طَوْعَ فتنة ٍ | يضرّم فيها نارَه كلُّ حاطب |
وأضحت بها أهواؤهم وكأنَّما | مذاهبهم فيها اختلاف المذاهب |
ولم يرحم الأرحامَ منهم أقاربٌ | تروي سيوفاً من نجيع أقارب |
وكان لهم جَذْبُ الأصابع لم يكن | رواجبُ منها حانيات رواجب |
حُماة ٌ إذا أبْصَرْتَهُمْ في كرِيهَة ٍ | رضيتَ من الآساد عن كلّ غاضب |
إذا ضاربوا في مأزق الضرب جرّدوا | صواعقَ من أيديهم في سحائب |
لهم يومَ طعن السمرِ أيدٍ مبيحة ٌ | كُلَى الأَسْدِ في كرّاتهم للثعالب |
تخبّ بهم قبٌ يطيل صهيلها | بأرْض أعاديهم نياحَ النَّوادب |
مُؤَلَّلَة ُ الآذَان تَحْتَ إلالهمْ | كما حُرِّفَتْ بالبري أقلامُ كاتب |
إذا ما أدارتَها على الهام خلتَها | تدور لسمع الذكر فوق الكواكب |
إذا سكتوا في غمرة ِ المَوْتِ أنْطَقُوا | على البيض بيضَ المرهفات القواضب |
ترى شعل النيران في خلج الظبا | تذيق المنايا من أكفِّ المواهب |
أولئك قومٌ لا يُخاف انحرافُهُمْ | عن الموت إذا خامَتْ أسوَدُ الكتائب |
إذا ضلَّ قومٌ عن سبيل الهدى اهتدوا | وأيّ ضَلالٍ للنُّجوم الثواقب |
وكم منهمُ من صادق البأس مُفْكِرٍ | إذا كرّ في الإقدام لا في العواقب |
له حملة ٌ عن فتكتين انفراجُها | كفتكِك من وجهين شاهَ الملاعب |
إذا ما غزوا في الروم كان دخولهم | بطونَ الخلايا في متون السلاهب |
يموتونَ موتَ العِزِّ في حَوْمة ِ الوغَى | إذا ماتَ أهلُ الجبنِ بين الكواعب |
حَشْوامن عجاجاتِ الجهادِ وسائدا | تُعَدّْ لهم في الدفن تحت المناكب |
فغاروا أفولَ الشهب في حُفرِ البلى | وأبْقَوْا على الدُّنْيَا سوادَ الغياهب |
ألا في ضمان الله دار بنوطسٍ | وَدَرّتْ عليها مُعْصِراتُ الهواضب |
أمثّلُها في خاطري كلّ ساعة ٍ | وأمْرِي لها قَطْرَ الدُّموع السواكبِ |
أحنّ حنين النيبِ للموطنِ الَّذِي | مغَانِي غوانيه إليهِ جواذبِي |
ومن سار عن أرضٍ ثوى قلبُهُ بها | تَمَنَّى له بالجسم أوبة َ آيبِ |