دعِ اللَّومَ إن اللَّومَ عونُ النوائِبِ
مدة
قراءة القصيدة :
13 دقائق
.
دعِ اللَّومَ إن اللَّومَ عونُ النوائِبِ | ولا تتجاوز فيه حدَّ المُعاتِبِ |
فما كلُّ من حطَّ الرحالَ بمخفِقٍ | ولا كلُّ من شدَّ الرحال بكاسبِ |
وفي السعي كَيْسٌ والنفوسُ نفائسٌ | وليس بكَيْسٍ بيعُها بالرغائبِ |
وما زال مأمولُ البقاء مُفضّلاً | على المُلك والأرباحِ دون الحرائبِ |
حضضتَ على حطبي لناري فلا تدعْ | لك الخيرُ تحذيري شرورَ المَحاطبِ |
وأنكرتَ إشفاقي وليس بمانعي | طِلابي أن أبغي طلابَ المكاسبِ |
ومن يلقَ ما لاقيتُ في كل مجتنىً | من الشوك يزهدْ في الثمار الأَطايبِ |
أذاقتنيَ الأسفارُ ما كَرَّه الغِنَى | إليَّ وأغراني برفض المطالبِ |
فأصبحتُ في الإثراء أزهدَ زاهدٍ | وإن كنت في الإثراء أرغبَ راغبِ |
حريصاً جباناً أشتهي ثم أنتهي | بلَحْظي جناب الرزق لحظَ المراقبِ |
ومن راح ذا حرص وجبن فإنه | فقير أتاه الفقر من كل جانبِ |
ولما دعاني للمثوبة سيّدٌ | يرى المدح عاراً قبل بَذْل المثَاوبِ |
تنازعني رغْبٌ ورهب كلاهما | قويٌّ وأعياني اطِّلاعُ المغايبِ |
فقدمتُ رجلاً رغبةً في رغيبةٍ | وأخّرتُ رجلاً رهبةً للمعاطبِ |
أخافُ على نفسي وأرجو مَفازَها | وأستارُ غَيْب اللّهِ دونَ العواقبِ |
ألا من يريني غايتي قبل مذهبي | ومن أين والغاياتُ بعد المذاهبِ |
ومِنْ نكبةٍ لاقيتُها بعد نكبةٍ | رَهِبتُ اعتساف الأرضِ ذاتِ المناكبِ |
وصبري على الإقتار أيسرُ مَحْملاً | عليَّ مِنَ التغرير بعد التجاربِ |
لقِيتُ من البَرِّ التّباريحَ بعدما | لقيتُ من البحر ابيضاضَ الذوائبِ |
سُقيتُ على ريٍّ به ألفَ مَطْرةٍ | شُغفتُ لبغضِيها بحبّ المجَادِبِ |
ولم أُسْقَها بل ساقَها لمكيدتي | تَحامُق دهرٍ جَدَّ بي كالمُلاعبِ |
إلى اللَّه أشكو سخفَ دهري فإنه | يُعابثني مذ كنت غيرَ مُطائبِ |
أبَى أن يُغيثَ الأرضَ حتى إذا ارتمتْ | برحلي أتاها بالغُيوثِ السواكبِ |
سقى الأرضَ من أجلي فأضحتْ مَزِلَّةً | تَمايَلُ صاحيها تمايُلَ شاربِ |
لتعويقِ سيري أو دحوضِ مَطيَّتي | وإخصابِ مُزوَّرٍ عن المجد ناكبِ |
فملتُ إلى خانٍ مُرثٍّ بناؤُه | مميلَ غريقِ الثوب لهفانَ لاغِبِ |
فلم ألقَ فيه مُستراحاً لمُتعَبٍ | ولا نُزُلاً أيانَ ذاك لساغِبِ |
فما زلتُ في خوفٍ وجوعٍ ووحشةٍ | وفي سَهَرٍ يستغرقُ الليلَ واصبِ |
يؤرِّقني سَقْفٌ كأّنيَ تحته | من الوكفِ تحت المُدْجِنات الهواضبِ |
تراهُ إذا ما الطينُ أثقلَ متنَهُ | تَصِرُّ نواحيه صريرَ الجنادبِ |
وكم خَانِ سَفْرٍ خَانَ فانقضَّ فوقهم | كما انقضَّ صقرُ الدجنِ فوق الأرانبِ |
ولم أنسَ ما لاقيتُ أيامَ صحوِهِ | من الصّرِّ فيه والثلوج الأشاهبِ |
وما زال ضاحِي البَرِّ يضربُ أهلَهُ | بسوطَيْ عذابٍ جامدٍ بعد ذائبِ |
فإن فاته قَطْرٌ وثلج فإنه | رَهين بسافٍ تارةً أو بحاصبِ |
فذاك بلاءُ البرِّ عنديَ شاتياً | وكم ليَ من صيفٍ به ذي مثالبِ |
ألا رُبَّ نارٍ بالفضاء اصطليتُها | منَ الشَّمسِ يودي لَفْحُهَا بالحواجبِ |
إذا ظلتِ البيداءُ تطفو إِكامُها | وترسُبُ في غَمْرٍ من الآلِ ناضبِ |
فدعْ عنك ذكرَ البَرِّ إني رأيتُهُ | لمن خاف هولَ البحر شَرَّ المَهاربِ |
كِلا نُزُلَيْهِ صيفُهُ وشتاؤُهُ | خلافٌ لما أهواهُ غيرُ مُصاقبِ |
لُهاثٌ مُميتٌ تحت بيضاءَ سُخْنَةٍ | وَرِيٌّ مُفيتٌ تحت أسْحَمَ صائبِ |
يجفُّ إذا ما أصبح الرّيقُ عاصباً | ويُغدقُ لي والرّيق ليس بعاصبِ |
ويمنع منّي الماءَ واللَّوحُ جاهدٌ | ويُغرِقني والريُّ رَطْبُ المحَالِب |
وما زال يَبغيني الحتوفَ مُوارِباً | يحوم على قتلي وغيرَ مُواربِ |
فطوراً يُغاديني بلصٍّ مُصَلِّتٍ | وطوراً يُمَسّيني بورْدِ الشَّواربِ |
إلى أنْ وقاني اللَّه محذورَ شرّهِ | بعزتِهِ واللَّه أَغلب غالبِ |
فأفلتُّ من ذُؤبانهِ وأُسودِهِ | وحُرَّابِهِ إفلاتَ أَتوب تائبِ |
وأما بلاءُ البحر عندي فإنه | فإنه طواني على روع مع الروح واقب |
ولو ثاب عقلي لم أدعْ ذكرَ بعضهِ | ولكنه من هولِهِ غيرُ ثائب |
وَلِمْ لا ولو أُلقيتُ فيه وصخرة ً | لوافيتُ منه القعرَ أولَ راسبِ |
ولم أتعلم قط من ذي سباحة ٍ | سوى الغوص، والمضعوف غيرُ مغالِبِ |
فأيسر إشفاقي من الماء أنني | أمرّ به في الكوز مرَّ المجانب |
وأخشى الردى منه على كل شارب | فكيف بأمنيه على نفس راكب |
أظلّ إذا هزته ريح ولألأت | له الشمسُ أمواجاً طِوالَ الغواربِ |
كأني أرى فيهنّ فُرسانَ بُهمة ٍ | يليحون نحوي بالسيوف القواضب |
فأن قلت لي قد يُركَب اليّمُ طامياً | ودجلة عند اليّم بعض المذانب |
فلا عذرَ فيها لامرء هاب مثلها | وفي اللجة الخضراء عذرٌ لهائب |
فإنّ احتجاجي عنك ليس بنائمٍ | وإن بياني ليس عني بعازبِ |
لدجلة َ خَبٌّ ليس لليمِّ، إنها | تَراءى بحلمٍ تحته جهْلُ واثب |
تطامنُ حتى تطمئنَّ قلوبُنا | وتغضب من مزح الرياح الواعب |
وأَجرافُها رهْنٌ بكلِّ خيانةٍ | وغَدْرٍ ففيها كُلُّ عَيْبٍ لِعائبِ |
ترانا إذا هاجتْ بها الرِّيحُ هَيْجةً | نُزَلزَلُ في حَوماتها بالقواربِ |
نُوائل من زلزالها نحو خسفها | فلا خير في أوساطها والجوانب |
زلازل موج في غمار زواخرٍ | وهدَّاتُ خَسْفٍ في شطوطٍ خواربِ |
ولليمِّ إعذارٌ بعرضِ متونِهِ | وما فيه من آذيِّهِ المتراكبِ |
ولستَ تراهُ في الرياحِ مزلزلاً | بما فيه إِلّا في الشداد الغوالبِ |
وإنْ خيفَ موجٌ عيذ منه بساحلٍ | خليٍ من الأجراف ذات الكباكب |
ويلفظ ما فيه فليس معاجلاً | غريقاً بغتٍّ يُزهقُ النفسَ كاربِ |
يعللُ غرقاهُ إلى أن يُغيثَهم | بصنعٍ لطيفٍ منه خيرِ مصاحَبِ |
فتلقى الدلافين الكريمَ طباعُها | هناك رِعالاً عند نَكبِ النواكبِ |
مراكبَ للقومِ الذين كبا بهم | فهم وسطه غرقى وهم في مراكب |
وينقضُ ألواحَ السفينِ فكُلُّها | فمن ساد قوماً أوجب الطولَ أن يُرى |
وما أنا بالراضي عن البحر مركبا | ولكنني عارضتُ شَغْبَ المشاغبِ |
صدقْتُك عن نفسي وأنت مُراغمي | وموضعُ سري دون أدنى الأقاربِ |
وجرَّبتُ حتى ما أرى الدهرَ مُغرِباً | عليّ بشيءٍ لم يقعْ في تجاربي |
أرى المرءَ مذ يلقى الترابَ بوجهِهِ | إلى أن يُوارَى فيه رهن النوائبِ |
ولو لم يُصَبْ إِلّا بشرخِ شبابِهِ | لكان قد استوفى جميعَ المصائبِ |
ومن صَدَق الأخيارَ داوَوْا سقامَهُ | بصِحَّةِ آراءٍ ويُمْنِ نَقائبِ |
وما زال صدقُ المستشير معاوناً | على الرأي لُبَّ المستشار المحازِبِ |
وأبعدُ أدواءِ الرجالِ ذوي الضّنى | من البرء داءُ المستطِبِّ المكاذبِ |
فلا تنصبنَّ الحربَ لي بملامتي | وأنت سلاحي في حروب النوائبِ |
وأجدى من التعنيف حسنُ معونةٍ | برأيٍ ولينٍ من خطابِ المخاطبِ |
وفي النصح خيرٌ من نصيحٍ مُوادِعٍ | ولا خيرَ فيهِ من نصيحٍ مُواثبِ |
ومثليَ محتاجٌ إلى ذي سماحةٍ | كريمِ السجايا أريحيِّ الضرائبِ |
يلينُ على أهلِ التسحُّب مَسُّهُ | ويقضي لهم عند اقتراح الرغائبِ |
له نائلٌ ما زال طالبَ طالبٍ | ومرتادَ مرتادٍ وخاطبَ خاطبِ |
ألا ماجدُ الأخلاقِ حُرٌّ فَعالُهُ | تُباري عطاياهُ عطايا السحائبِ |
كمثل أبي العباس إنَّ نوالَهُ | نوال الحيا يسعى إلى كلِّ طالبِ |
يُسيِّر نحوي عُرْفَهُ فيزورني | هنيئاً ولم أركبْ صعابَ المراكبِ |
يَسير إلى مُمتاحه فيجودُهُ | ويكفي أخا الإمحال زَمَّ الركائبِ |
ومن يكُ مثلاً للحيا في عُلُوِّهِ | يكنْ مثلَهُ في جودهِ بالمواهبِ |
وإنَّ نِفاري منه وهو يُريغني | لَشيءٌ لرأي فيه غيرُ مناسبِ |
وإن قعودي عنهُ خيفةَ نكبةٍ | لَلؤمُ مَهَزٍّ وانثناءُ مَضاربِ |
أُقرُّ على نفسي بعيبي لأنني | أرى الصدقَ يمحو بَيّنات المعايبِ |
لَؤُمْتُ لَعمر اللَّه فيما أَتيتُهُ | وإن كنتُ من قومٍ كرام المناصِبِ |
لهم حِلْمُ إنسٍ في عَرامة جِنّةٍ | وبأسُ أُسودٍ في دهاء ثعالبِ |
يصولون بالأيدي إذا الحربُ أَعملتْ | سيوفَ سُريجٍ بعد أرماح زاعبِ |
ولا بد من أن يَلؤُم المرءُ نازعاً | إلى الحَمَأ المسنونِ ضربة لازبِ |
فقل لأبي العباس لُقِّيتَ وجهَهُ | وحَسْبُك مني تلك دعوةَ صاحبِ |
أمَا حقُّ حامي عِرض مثلك أن يُرى | له الرفدُ والترفيهُ أَوْجَبَ واجبِ |
أَمِنْ بعدِ ما لم تَرْعَ للمالِ حرمةً | وأسلمتَهُ للجود غيرَ مُجاذبِ |
فأعطيتَ ذا سلمٍ وحربٍ وَوُصلةٍ | وذنبٍ عطايا أدركتْ كلَّ هاربِ |
ولم تُشخِصِ العافين لكنْ أتتهُمُ | لُهاك جَليباتٍ لأكرمِ جالبِ |
عليماً بأنّ الظَّعْنَ فيه مشقّةٌ | وأنّ أَمرَّ الربح ربحُ الجلائبِ |
تُكلّفني هولَ السِّفارِ وغولَهُ | رفيقَ شتاءٍ مُقْفعِلَّ الرواجبِ |
ولاسيّما حين ارتدى الماءُ كِبْرَهُ | وشاغَب أنفاسَ الصَّبا والجنائبِ |
وهرَّتْ على مُستطرِقي البَرَّ قَرَّةٌ | يَمسُّ أذاها دونَ لوثِ العصائبِ |
كأن تمامَ الودِّ والمدح كلَّهُ | هُوِيُّ الفتى في البحر أو في السَّباسبِ |
لعمري لئن حاسَبْتني في مثوبتي | بخفضي لقد أجريتَ عادةَ حاسبِ |
حَنانَيْك قد أيقنتُ أنك كاتبٌ | له رتبةٌ تعلو به كلَّ كاتبِ |
فدعني من حكمِ الكتابة إنهُ | عدوٌ لحكم الشعر غيرُ مقارِبِ |
وإِلّا فلَم يستعملِ العدلَ جاعلٌ | أَجَدَّ مُجدٍّ قِرْنَ أَلعبِ لاعبِ |
أيعزُبُ عنك الرأيُ في أن تُثيبني | مقيماً مصوناً عن عناء المطالبِ |
فتُلفى وأُلفَى بين صافي صنيعةٍ | وصافي ثناءٍ لم يُشَبْ بالمعاتِبِ |
وتخرج من أحكام قومٍ تشدّدوا | فقد جعلوا آلاءهم كالمصائبِ |
أيذهبُ هذا عنك يا ابن محمدٍ | وأنت مَعاذٌ في الأمور الحوازبِ |
لك الرأي والجودُ اللذان كلاهما | زعيمٌ بكشف المطبِقات الكواربِ |
وما زلت ذا ضوء نوءٍ لمجدبٍ | وحيرانَ حتى قيل بعضُ الكواكبِ |
تغيث وتَهدي عند جدبٍ وحيرةٍ | بمحتفل ثَرٍّ وأزهر ثاقِبِ |
وأحسُن عرفٍ موقعاً ما تنالُهُ | يدي وغُرابي بالنوى غيرُ ناعبِ |
أراك متى ثَوَّبتني في رفاهةٍ | زففتَ إليَّ المُلْكَ بين الكتائبِ |
وأنت متى ثوَّبتني في مشقّةٍ | رأيتك في شخصِ المُثيب المعاقِبِ |
ولو لم يكن في العرف صافٍ مهنّأٌ | وذو كَدَرٍ والعرفُ شتَّى المَشاربِ |
إذاً لم يقل أعلى النوابغِ رتبةً | لمِقوَلِ غَسّانِ الملوكِ الأَشايبِ |
عليَّ لعمروٍ نعمةٌ بعدَ نعمةٍ | لوالِده ليستْ بذات عقاربِ |
وما عقربٌ أدهَى من البين إنه | له لَسْعةٌ بين الحشا والترائبِ |
ومن أجل ما راعى من البين قوله | كليني لهمٍّ يا أميمةَ ناصبِ |
أبيتَ سوى تكلِيفك العرفَ مُعْفِياً | به صافياً من مؤذيات الشوائبِ |
بل المجدُ يأبي غيرَ سَوْمِك نفسَهُ | ورفعِك عن طود المُنيل المحاسبِ |
فصبراً على تحميلك الثِّقلَ كلَّهُ | وإن عزَّ تحميلُ القرومِ المَصاعبِ |
ولا يعجبنَّ الناسُ من سعي متعَبٍ | مُشيحٍ لجدوى مستريح مُداعبِ |
فمن ساد قوماً أوجب الطولُ أن يُرى | مُجِدّاً لأدناهُمْ وهم في الملاعبِ |
ومن لم يزل في مَصْعَدِ المجد راقياً | صعابَ المَراقي نال عُليا المراتبِ |
ألم ترني أتعبتُ فكري مُحكِّكاً | لك الشعرَ كي لا أُبتلى بالمتاعبِ |
نَحلتُك حَلْياً من مديحٍ كأنه | هَوى كلِّ صبٍّ من عِناق الحبائبِ |
أنيقاً حقيقاً أن تكون حِقاقُهُ | من الدرّ لا بل من ثُدِيِّ الكواعبِ |
وأنت له أهلٌ فإن تجْزني به | أزِدْك وإن تُمْسِكْ أقفْ غيرَ عاتِب |
فإن سَألتْنِي عنك يوماً عصابةٌ | شهدتُ على نفسي بسوء المناقبِ |
وقلت دعاني للندى فأتيتُهُ | فأمسكَهُ بل بثَّهُ في المناهبِ |
وما احتجزتْ مني لُهاهُ بحاجزٍ | ولا احتجبتْ عني هناك بحاجبِ |
ولكن تَصدَّتْ وانحرفتُ لحرفتي | ففاءت ولم تظلِم إلى خيرِ واهبِ |
وما قلت إلا الحقَّ فيك ولم تزل | على منهجٍ من سُنّةِ المجد لاحبِ |
وإني لأشقَى الناس إن زُرَّ ملبسي | على إثمِ أفَّاكٍ وحسرةِ خائبِ |
وكنتَ الفتى الحرَّ الذي فيه شيمةٌ | تَشيم عن الأحرار حدَّ المَخالبِ |
ولست كمن يعدو وفي كلماتِهِ | تظلُّمُ مغصوبٍ وعدوانُ غاصبِ |
يحاول معروفَ الرجالِ وإن أَبوْا | تعدَّى على أعراضهم كالمُكالبِ |
وأصبح يشكو الناسَ في الشعر جامعاً | شكايَة مسلوبٍ وتسليطَ سالبِ |
فلا تَحرمنّي كي تُجِدَّ عجيبةً | لقومٍ فحسبُ الناس ماضي العجائبِ |
ولا تنتقصْ من قدر حظّي إقامتي | سألتك بالداعين بين الأَخاشبِ |
وما اعتقلتني رغبةٌ عنك يَمَّمت | سواك ولكن أيُّ رهبة راهبِ |
كأني أرى بالظعن طعنَ مُطاعِنٍ | وبالضرب في الأقطار ضربَ مضاربِ |
وليس جزائي أن أَخيب لأنني | جَبُنْتُ ولم أُخْلَق عتادَ مُحارِبِ |
يُطَالبُ بالإقدام من عُدَّ مُحْرَباً | وسُمِّي مذ ناغى بقودِ المَقانبِ |
ولم يمشِ قيدَ الشبرِ إلا وفوقه | عصائبُ طيرٍ تهتدي بعصائبِ |
فأمَّا فتىً ذو حكمةٍ وبلاغةٍ | فطالبْهُ بالتسديد وسط المَخاطبِ |
أَثبني ورَفِّهني وأَجزلْ مثوبتي | وثابرْ على إدرارِ بِرِّي وواظبِ |
لتأتيني جدواك وهي سليمةٌ | من العيب ما فيها اعتلالٌ لعائبِ |
أثقِّلُ إدلالي لتحملَ ثِقْلَهُ | بطوع المُراضي لا بكرهِ المغاضبِ |
وما طلبُ الرِّفْد الهَنيء ببدعةٍ | ولا عجبُ المُسترفدِيهِ بعاجبِ |
وذاك مَزيدٌ في معاليك كلُّهُ | وفي صدقِ هاتيك القوافي السواربِ |
وما حَقُّ باغيك المزيدَ انتقاصُهُ | ولاسيما والمالُ جَمُّ الحلائبِ |
وأنت الذي يضحي وأدنى عطائِهِ | بلوغُ الأماني بل قضاءُ المآربِ |
وتوزَنُ بالأموال آمالُ وفدِهِ | وإرفادُ قومٍ بالظنون الكواذبِ |
أقمتُ لكي تزدادَ نعماك نعمةً | وتَغْنَى بوجهٍ ناضرٍ غيرِ شاحبِ |
وكي لا يقولَ القائلون أثابَهُ | وعاقَبَهُ والقولُ جَمَّ المَشاعِبِ |
وصَوْني عن التهجين عُرفَك موجِبٌ | مَزيدَك لي في الرفد يا ابن المَرازِبِ |
بوجهك أضحى كلُّ شيءٍ منوراً | وأبرزَ وجهاً ضاحكاً غيرَ قاطبِ |
فلا تبتذلْهُ في المَغاضب ظالماً | فلم تؤتَ وجهاً مثله للمغاضبِ |
نشرت على الدنيا شعاعاً أضاءها | وكانت ظلاماً مُدلهِمَّ الغياهبِ |
كأنك تلقاءَ الخليقةِ كلّها | مشارقُ شمسٍ أشرقتْ لمغاربِ |
لِيَهنِ فتىً أطراك أنْ نال سُؤْلَهُ | لديك وأنْ لم يحتقِب وِزْرَ كاذبِ |
رضا اللّهِ في تلك الحقائب والغنى | جميعاً ألا فوزاً لتلك الحقائبِ |
كأني أراني قائلاً إنْ أعانني | نداك على ريب الخطوب الروائبِ |
جُزيتَ العلا من مستغاثٍ أجابني | جوابَ ضَحوكِ البرقِ داني الهيادبِ |
وفي مُستماحي العرفِ بارقُ خُلَّبٍ | ولامعُ رقراقٍ ونارُ حُباحبِ |
تسحّبتُ في شعري ولان لجلدتي | ثراه فما استخشنتُ مسَّ المسَاحبِ |
وليس عجيباً أن ينوبَ تكرُّمٌ | غذيتُ به عن آمِلٍ لك غائبِ |
أقمْهُ مُقامي ناطقاً بمدائحي | لديك وقد صدّرتها بالمنَاسبِ |
ذماميَ تَرْعَى لا ذمامَ سفينة | وحَقِّيَ لا حقَّ القِلاصِ الذَّعالبِ |
وفي الناس أيقاظٌ لكل كريمةٍ | كأنهمُ العِقبانُ فوقَ المَراقبِ |
يُراعون أمثالي فيستنقذونهم | وهم في كروبٍ جمّةٍ وذَباذبِ |
إلى اللَّه أشكو غُمّةً لا صباحُها | يُنير ولا تنجاب عني بجائب |
نُشوبَ الشَّجا في الحلق لا هو سائغ | ولا هو ملفوظ كذا كلُّ ناشِب |