أرشيف المقالات

البلاغة في آيات خلق الأنهار والبحار وجريان السفن

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
البلاغة في آيات خلق الأنهار والبحار
والعذوبة والملوحة وجريان السفن

• وفي سورة النحل، قال الله - تعالى -: ﴿ وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [النحل: 14].
 
البلاغة:
استعارة، في: ﴿ وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ ﴾، فجعله كالحيوان المسخَّر لخدمة الإنسان.
 
مجاز عقلي؛ حيث قال: ﴿ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ ﴾، فالأكل من حيوانات البحر، وفيها أيضًا إيجاز، فاستغنى بـ﴿ مِنْهُ ﴾ عن ذكر أسمائه وحِيتانه.
 
الكناية؛ حيث كنَّى عن الحِيتان والسمك باللَّحم الطري.
 
وفيه العنوان، وهو لفت الانتباه للعلوم الدنيوية، وهي هنا صناعة الحلي للزينة.
 
الكناية في ﴿ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا ﴾ بدل اللؤلؤ والمرجان.
 
الالتفات، من أفعال ﴿ لِتَأْكُلُوا..
وَتَسْتَخْرِجُوا..
تَلْبَسُونَهَا ﴾، إلى ﴿ وَتَرَى ﴾.
 
كناية وإيجاز في: ﴿ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ ﴾؛ أي: كناية عن طلب الكسب والرزق فيه، من صيد الحيتان وغيرها من الحيوانات البحرية، وتستخرجوا منه اللؤلؤ والمرجان وغير ذلك.
 
• وفي سورة الفرقان، قال الله - تعالى -: ﴿ وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا ﴾ [الفرقان: 53].
 
المرج: الاضطراب والاختلاط، ومرجت الدابَّة إذا خليتها في المرعى.
 
و﴿ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ ﴾؛ أي: شديد العذوبة، والفرات: الذي يفرت العطش ويقطعه ويكسره.
 
﴿ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ ﴾؛ أي: شديد الملوحة، أو شديد الحرارة، أو شديد المرارة، والبرزخ: الحاجز.
 
﴿ وَحِجْرًا مَحْجُورًا ﴾: يمنع أحدهما من الاختلاط بالآخر، أو حدًّا فاصلاً، فلا يعذب المالح بالعذب، ولا يملح العذب بالمالح، ويقال: المراد من البحر العذبِ الأنهارُ العظام؛ كالنيل، والفرات، وجيحون، ومن البحر الأُجَاج البحارُ المشهورة، والبرزخ بينها الحائل من الأرض.
 
• ومن الدراسات الحديثة نلخِّص القول بأن البحار العذبة هي مصبَّات الأنهار الكبيرة في البحار، وأن كثافة المياه الحلوة أقل من كثافة المياه المالحة، وعلى هذا تبقى المياه الحلوة في تلك الأماكن فوق المياه المالحة ولا تختلط فيها، ويفصل بينهما البرزخ، وهو حد فاصل بين الماءين.
 
وقيل أيضًا: هناك على السواحل أسفل مياه البحر الضحلة توجد ينابيع تفور بالماء الحلو وتنطلق إلى السطح بفعل الفارق بين كثافة الماء الحلو وكثافة المالح.
 
وذكر الجغرافيون بعض هذه الأماكن؛ مثل: مجموعة مياه الكوكبات حول جزر البحرين، ومنهما أيضًا يستخرج اللؤلؤ والمرجان، وكذلك المياه أمام ساحل رأس الخيمة، وأمام ساحل طرابلس منطقة رأس شكا، وفي خليج المكسيك، وفي البحر الأدرياتيكي.
 
البلاغة:
التقسيم في: ﴿ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ ﴾ ﴿ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ ﴾ ﴿ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ ﴾.
 
الطباق في: ﴿ عَذْبٌ فُرَاتٌ ﴾ و﴿ مِلْحٌ أُجَاجٌ ﴾، ويجوز المقابلة.
 
الجناس الناقص في: ﴿ وَحِجْرًا مَحْجُورًا ﴾.
 
مناسبة الفاصلة للفواصل السابقة والتالية.
 
الفرائد في كلمة (برزخ)، ولم يقل حاجزًا، وهذا من الفصاحة.
 
المبالغة في الوصف ﴿ مِلْحٌ أُجَاجٌ ﴾، و﴿ عَذْبٌ فُرَاتٌ ﴾.
 
بيان قدرة الله وعظيم ما خلق.
 
• وفي سورة لقمان: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ * وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ ﴾ [لقمان: 31، 32].
 
والظلُّة: ما أظل من شجر أو سحاب، والجمع ظلال وظلل.
 
البلاغة:
توكيد في ﴿ أَنَّ الْفُلْكَ ﴾.
 
المجاز في ﴿ تَجْرِي ﴾ فالجريان للماء.
 
الالتفات في ﴿ تَجْرِي ﴾ و﴿ لِيُرِيَكُمْ ﴾.
 
الإيجاز في ﴿ بِنِعْمَتِ اللَّهِ ﴾؛ حيث ذكر ما ترتب على قانون الطفو للسفن فوق الماء، وهو إنعامه بهذا على الإنسان؛ لأنها تجري بأمر الله وَفْق ما جعل فيها من خاصية الطفو.
 
الاختصار بآية الفلك عن بيان آياته الأخرى ﴿ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ ﴾؛ للتوجيه إلى أهمية الفلك وحاجة الناس إليها في السفر البحري.
 
استعارة في ﴿ غَشِيَهُمْ ﴾.
 
تشبيه مؤكد ﴿ كَالظُّلَلِ ﴾.
 
جناس ناقص في ﴿ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾.
 
السجع المرصَّع، في ﴿ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴾ و﴿ خَتَّارٍ كَفُورٍ ﴾.
 
وفيها أيضًا مناسبة رؤوس الآي؛ حيث الصبر على استيضاح آيات الله وتبيُّنها، ثم شكر المُنعِم على أنْ مَنَّ عليه بالهداية، والجاحد لما يرى من عظيم صنع الإله وقدرته هو الختَّار الكفور بهذه النعم.
 
اللف والنشر في ﴿ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ ﴾.
 
القصر: ﴿ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ ﴾، والآيات كثيرة ومتنوعة.
 
الالتفات في ﴿ نَجَّاهُمْ ﴾ و﴿ وَمَا يَجْحَدُ ﴾.
 
العنوان، وهو التوجيه إلى قانون الطفو، فالفُلْك تجري فوق الماء ولا تغرَق.

شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير