أراعي بلوغ الشيب والشيب دائيا
مدة
قراءة القصيدة :
7 دقائق
.
أراعي بلوغ الشيب والشيب دائيا | وأفني الليالي والليالي فنائيا |
وَمَا أدّعي أنّي بَرِىء ٌ مِنَ الهَوَى | ولكنني لا يعلم القوم ما بيا |
تَلَوّنَ رَأسِي، وَالرّجَاءُ بحَالِهِ | وَفي كُلّ حَالٍ لا تَغُبّ الأمَانِيَا |
خليليَّ هل تثني من الوجدِ عبرة | وهل ترجع الأيام ما كان ماضيا |
إذا شئت أن تسلى الحبيب فخله | وراءَك أياماً وجرّ اللياليا |
أعفّ وفي قلبي من الحبّ لوعة | وليس عفيفاً تارك الحب ساليا |
إذا عَطَفَتْني للحَبيبِ عَوَاطِفٌ | أبيتُ وفات الذلّ من كان آبيا |
وغيريَ يستنشي الرياح صبابة | وينشي على طول الغرام القوافيا |
وَألقَى مِنَ الأحبابِ ما لَوْ لَقِيتُهُ | من الناسِ سلّطت الظبا والعواليا |
فَلا تَحسَبُوا أنّي رَضِيتُ بِذِلّة ٍ | ولكنّ حبّاً غادر القلب راضيا |
رعى الله من ودّعته يوم دابق | ووليت أنهى الدمع ما كان جاريا |
وَأكْتمُ أنْفَاسِي، إذا ما ذَكَرْتُهُ | وَما كلُّ ما تُخفيهِ، يا قَلبُ، خافِيَا |
فعندي زفير ما ترقَّى من الحشى | وَعندي دُمُوعٌ مَا طَلَعنَ المَآقِيَا |
مَضَى ما مَضَى مِمّنْ كَرِهتُ فرَاقَه | وَقد قَلّ عندي الدّمعُ إن كنتُ باكِيَا |
ولا خير في الدنيا إذا كنتُ حاضراً | وَكان الذي يَغرَى به القَلبُ نائِيَا |
إذا اللّيلُ وَارَاني خَفيتُ عن الكَرَى | وأيدي المطايا جنح ليلي إزائيا |
وما طال ليلي غير أن علاقة | بقلبيَ تستقري بعيني الدراريا |
ألا ليت شعري هل أرى غير موجع | وهل ألقين قلباً من الوجدِ خاليا |
بأيّ جَنانٍ قارِحٍ أطلُبُ العُلَى | وَأُطمِعُ سَيفي أنْ يُبيدَ الأعادِيَا |
إذا كنت أعطي النفس في الحبِّ حمها | وأودع قلبي والفؤاد الغوانيا |
ولم أدن من ودٍّ وقد غاض ودّه | وَإنّي، إذا أبْدَى العَدُوُّ سَفَاهَة ً |
تَعَمّدَني بالضّيْمِ حَتّى شكَوْتُهُ | ومن يشك لا يعدم من الناس شاكيا |
وإني إذا التاث الصديق قطعته | وَإن كانَ يوْماً رَائحاً كنتُ غَادِيَا |
سجية مضّاءٍ على ما يريده | مقضّ على الأيامِ ما كان قاضيا |
أرى الماء أحلى من رضابٍ أذوقه | وأحسن من بيض الثغور الأقاحيا |
وأطيب من داري بلاداً أجوبها | إلى العِزّ جَوْبي بالبَنَانِ رِدائِيَا |
وربّ منى سددت فيه مطالبي | وَأيّ سِهَامٍ لَوْ بَلَغنَ المَرَامِيَا |
وَهَمٌّ سَقَيتُ القَلبَ مِنهُ، وَحاجَة ٌ | ركبت إليها غارب الليل عاريا |
وعارية الأيام عندي نسيئة | أسأتُ لها قبل الأوان التقاضيا |
أرَى الدّهرَ غَصّاباً لِما لَيسَ حَقَّهُ | فَلا عَجَبٌ أنْ يَستَرِدّ العَوَارِيَا |
وَما شِبتُ من طُولِ السّنِينَ، وَإنّما | غبار حروب الدهر غطَّى سواديا |
وَما انحَطّ أُولى الشَّعرِ حتى نعَيتُهُ | فبَيّضَ هَمُّ القَلْبِ بَاقي عِذارِيَا |
أرى الموت داءً لا يبلّ عليله | وَما اعتَلّ مَن لاقَى من الدّهرِ شافِيَا |
فما لي وقرنا لا يغالب كلما | مَنَعْتُ أمَامي جَاءَني مِنْ وَرَائِيَا |
يحرّكني من مات لي بسكونه | وَتَجديدُ دَهرِي أن أُرَى الدّهرَ باكيَا |
وَأبعَدُ شيءٍ مِنكَ ما فاتَ عَصرُهُ | وَأقرَبُ شيءٍ منكَ ما كانَ جائِيَا |
ولست بخزَّانٍ لمال وإنما | تراث العلى والفضل والمجد ماليا |
وإتلاف مالي عن حياتي الذلي | ولا خير أن يبقى وأصبح فانيا |
وَإنّي لألقَى رَاحَتي في تَقَنُّعي | وَفي طَلَبِ الإثْرَاءِ طولَ عَنائِيَا |
وَإنّيَ إنْ ألقَى صَدِيقاً مُوَافِقاً | وَذَلِكَ شيْءٌ عازِبٌ عَنْ رَجائِيَا |
وإنَّ غريب القوم من عاش فيهمُ | وليس يرى إلاَّ عدواً مداجيا |
وأكثر من تلقاه كالسيف مرهفا | عَلَيكَ وَإنْ جَرّبتَهُ كان نَابِيَا |
وما أنا إلاّ غمد قلبي فإن مضى | مَضَيتُ، وَمَا لي مِنّة ٌ في مَضَائِيَا |
وَما حَمَلَتْني العِيسُ إلاّ مُشَمِّراً | لأخرق ليلاً أو لأقطع واديا |
طوارح أيدٍ في الليالي كأنها | تجاري إلى الصبح النجوم الجواريا |
إذا مَا رَحَلْنَاها مِنَ الصّيفِ لَيلَة ً | فَلا حَلّ حَتّى يَنظُرَ النّجمَ رَائِيَا |
طَوَاهنّ طَيَّ السيرِ في كُلّ مَهمَهٍ | ورحنَ خماصاً قد طوينَ المواميا |
مَرَرْنَ بِمَيّاسِ الثُّمَامِ وَحَزْنِهِ | خِفَافاً كَأطْرَافِ العَوَالي نَوَاجِيَا |
وَكَمْ جاوَزَتْ مِنْ رَمْلَة ٍ ثمّ عاقِرٍ | وَأُخرَى يَضُفّ الرّوْضُ فيها الغَوَاديَا |
ومن نفر لا يعرف الضيفَ كلبهم | وَيَسغَبُ حتّى يَقطَعَ اللّيلَ عَاوِيَا |
تهاب الندى أيديهم فكأنما | تلاطم من بذلِ النوال الأثافيا |
وأعلى الورى من وافق الرمح باعه | وَكَانَ لَهُ في كبّة ِ الخَيْلِ سَاقِيَا |
وَأشرَفُهم مَن يُطلِقُ الكَفَّ بالنّدى | سَخِيّاً، ببَذلِ المالِ، أوْ مُتَساخيَا |
وإن أمير المؤمنين لحابس | رِكَابيَ أنْ أرْمي بهَا مَا أمَامِيَا |
مُعيني عَلى الأيّامِ إنْ غالَبَتْ يَدِي | وإن كنت معدوّاً عليَّ وعاديا |
إذا شِئْتُ عَنهُ رِحْلَة ً حَطّ جُودُهُ | حقائب أذوادي وردّ المثانيا |
ولولاه ما انصانت لوجهي طلاوة | وَلا كُنتُ إلاّ شاحِبَ اللّوْنِ طاوِيَا |
جريأً أروع الوحش في كلّ ظلمة | وأخلط بالنّقعِ المثار الدياجيا |
هو السيف إن أغمدته كان حازماً | وَقُوراً، وَإنْ جَرّدتَهُ كانَ عادِيَا |
له كلّ يوم معرك إن شهدته | تَرَى قُضُباً عُوناً وهاماً عَذارِيَا |
يضمّ عليها جانب النقع بالقنا | يُبَادِرْنَ قُدّامَ السّيُوفِ التّرَاقِيَا |
ويرسل في الأقرانِ كن خفية | تَخَالُ بهَا طَيراً مِنَ الرّيحِ هَافِيَا |
ويثني جواداً من دم الطعن ناعلا | وَيُزْجي نَجيباً من وَجى السيرِ حافِيَا |
تَسَافَهُ في الغَارَاتِ أشداقُ خَيلِها | على اللجمِ حتى تكرع الماء دميا |
عظيم على غيظِ الرجال محسّد | غلوب إذا ما جاذبوه المعاليا |
تغاديه إلاَّ في حرام مغامرا | وَتَلْقَاهُ إلاّ عَنْ نَوَالٍ مُحَامِيَا |
وما قصبات السبق إلا لماجد | سعى فاحتوى دون الرجال المساعيا |
أيا علم الإسلام والمجد والعلا | رضيناك مهديّاً لدين وهاديا |
وَمَا حَمَلَتْكَ الخَيلُ إلاّ رَدَدْتَها | عَنِ الرَّوعِ حُمراً بالدّماءِ قَوَانِيَا |
وشعث النواصي يتخذن دم الطُّلى | دِهَاناً وَأطْرَافَ العَوَالي مَدارِيَا |
وَغَيرُكَ يَقْتَادُ الجِيَادِ لِغَارَة ٍ | وَيُرْجِعُهَا مُلْسَ الجُلُودِ كما هِيَا |
وما الخيل إلاّ أن تكون سوابقاً | وَمَا الأُسدُ إلاّ أن تَكونَ ضَوَارِيا |
وتترك صبح الجهل يغبّر ضوءُه | ونقعك أخَّاذٌ عليه الضواحيا |
بِيَوْمِ طِرَادٍ يَصْطَلي القَوْمُ تَحتَهُ | بنار الحنايا والقنا والمواضيا |
وجرد يناقلن الرماح عوابساً | وَيَرْمِينَ بالعَدْوِ القَطَا وَالحَوَامِيَا |
خَوَارِجَ مِنْ ذَيْلِ الغُبَارِ كأنّها | أنَامِلُ مَقْرُورٍ دَنَا النّارَ صَالِيَا |
بكل سنان لا يرى الدرع جُنَّة | وكل حسام لا يرى البيض واقيا |
ولا سلم حتى يخضب الحرب أرضها | وَيَغدُو فَمُ البَيداءِ بالنّقعِ رَاغِيَا |
إذا ما لَقيتَ الجَيشَ أفنَيتَ جُلّهُ | رَدًى وَرَدَدْتَ القَافلينَ نَوَاعِيَا |
وَمَا كُلّ مَنْ أوْمَى إلى العِزّ نالَهُ | وَدونَ العُلَى ضَرْبٌ يُدَمّي النّوَاصِيَا |
إلى كَمْ أُمَنّي النّفسَ يَوْماً وَلَيلَة ً | وتعلّمني الأيام أن لا تلاقيا |
وَكَمْ أنَا مَوْقُوفٌ عَلى كُلّ زَفرَة ٍ | عليل جوى لو أنَّ ناساً دوائياً |
أيسنح لي روضاً وأصبح عازباً | ويَعرِضُ لي مَاءً وَأُصْبحُ صَادِيَا |
وما أنا إلاّ أن أراك بقانع | وَإنْ كُنْتَ جَرّاراً إليّ الأعَادِيَا |
تركت إليك الناس طراً وكلهم | يَتُوقُ إلى قُرْبِي وَيَهوَى مَقامِيَا |
وَفَارَقْتُ أقْوَاماً كِرَاماً أكُفُّهُمْ | وما ضقت عنهم في البلادِ ملاقيا |
وَيَمنَعُني مِنْ عادَة ِ الشّعرِ أنّني | رأيت لباس الذلّ بالمالِ غاليا |
إذا لمْ أجِدْ بُدّاً مِنَ السّيفِ شِمتُه | وَفَقدِ ذَلُولٍ أرْكَبُ الصّعبَ ماشِيَا |
فإنْ كنت لا أعلو على عودِ منبر | فلستُ ألاقي غير مجديَ عاليا |
عَلَيْكَ سَلامُ اللَّهِ إنّي لَنَازِعٌ | إلَيكَ، وَإنْ لمْ أُعْطَ مِنكَ مُرَادِيَا |
وَدُمتَ دوَامَ الشّمسِ وَالبَدرِ في الدُّنا | يجدد أياماً وينضو لياليا |