من أقوال السلف في تلقي العلم عن العلماء
مدة
قراءة المادة :
9 دقائق
.
من أقوال السلف في تلقي العلم عن العلماءالحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبيِّنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فأهَمُّ طريقةٍ لتلقِّي العلم: الأخذ عن العلماء والمشايخ، قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: أقول لكم عن نفسي: إن العلم الحقيقي الذي أدركته هو العلم الذي قرأته على المشايخ، وإن كنت استفدت من الجامعة في فنون أخرى؛ لكن العلم الراسخ المبارك هو ما يدركه الإنسان عند المشايخ...ولذلك أنا أحثُّ الطلاب على ألا يقتصروا على مواد الجامعة إذا كان لديهم وقت وقدرة.
فينبغي أن يحرص طالب العلم على تلقِّي العلم عن العلماء الثقات، قال الإمام مالك رحمه الله: إن هذا العلم دين فانظروا عمَّن تأخذون دينكم.
للسلف أقوال في تلقِّي العلم عن العلماء، يسَّرَ الله الكريم فجمعتُ بعضًا منها، أسأل الله أن ينفع بها الجميع.
الأصل أن طلب العلم يؤخذ من العلماء:
• قال العلامة العثيمين رحمه الله: الطريقة المُثْلى أن يُتلقَّى العلم على المشائخ.
• قال العلامة صالح بن فوزان الفوزان: العلم لا يُؤخَذ من الكتب مباشرة، إنما الكتب وسائل، أما حقيقة العلم فإنها تؤخذ من العلماء جيلًا بعد جيل، والكتب إنما هي وسائل لطلب العلم.
• قال العلامة بكر بن عبدالله أبو زيد رحمه الله: الأصل في الطلب أن يكون بطريق التلقين والتلقِّي عن الأساتيذ، والمثافنة للأشياخ، والأخذ من أفواه الرجال لا من الصُّحُف وبطون الكُتُب.
من لم يدرس على أهل العلم فسيُخطئ كثيرًا:
• قال العلَّامة ابن باز رحمه الله: المعروف: أن من كان شيخه كتابه فخطؤه أكثرُ من صوابه، هذه هي العبارة التي نعرف، وهذا صحيح: أن من لم يدرس على أهل العلم، ولم يأخذ عنهم، ولا عرَف الطُّرُق التي سلكوها في طلب العلم، فإنه يخطئ كثيرًا، ويلتبس عليه الحق بالباطل؛ لعدم معرفته بالأدلة الشرعية، والأحوال المرعية التي دَرَج عليها أهل العلم، وحقَّقوها وعملوا بها.
يؤخذ العلم عن العالم العامل بعلمه:
قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: لقيت مشايخ أحوالهم مختلفة، يتفاوتون في مقاديرهم في العلم، وكان أنفعهم لي في صحبته: العامل منهم بعلمه، وإن كان غيرُه أعلمَ منه.
لقيت عبدالوهاب الأنماطي فكان على قانون السلف، لم يسمع في مجلسه غيبة، ولا كان يطلب أجرًا على سماع الحديث.
وكنتُ إذا قرأتُ عليه أحاديث الرقائق بكى واتَّصَل بكاؤه، فكان – وأنا صغير السن حينئذٍ – يعمل بكاؤه في قلبي.
ولقيت الشيخ أبا منصور الجواليقي فكان كثير الصمت، شديد التحرِّي فيما يقول، مُتقِنًا مُحقِّقًا، وربما سُئل المسألة الظاهرة التي يبادر بجوابها بعضُ غلمانه، فيتوقَّف فيها حتى يتيقَّن، وكان كثيرَ الصومِ والصمْتِ، فانتفعتُ برؤية هذين الرجلين أكثر من انتفاعي بغيرهما، ففهمتُ من هذه الحالة أن الدليل بالفعل أرشد من الدليل بالقول.
ورأيت مشايخ كانت لهم خلوات في انبساط ومزاح، فراحوا عن القلوب، وبدَّد تفريطهم ما جمعوا من العلم، فقَلَّ الانتفاع بهم في حياتهم، ونُسُوا بعد مماتهم، فلا يكاد أحد أن يلتفت إلى مصنفاتهم.
النظر إلى سَمْتِ العالم قبل طلب العلم عنده:
• قال مالك لسفيان بن عيينة: إنك امرؤ ذو هيئة وكُبر، فانظر عمَّن تأخذ.
وقال لرجل: اطلب هذا الأمر عند أهله.
• عن إبراهيم قال: كانوا إذا أتوا الرجل ليأخذوا عنه، نظروا إلى صلاته، وإلى سمته وإلى هيئته، ثم يأخذون عنه.
• قال أبو العالية: كنتُ أرحل إلى الرجل مسيرة أيام لأسمع منه، فأول ما أفتقد منه صلاته، فإن أجدهُ يقيمها أقمتُ، وسمعتُ منه، وإن أجدهُ يُضيِّعُها رجعتُ، ولم أسمع منه، وقلتُ: هو لغير الصلاة أضْيَعُ.
• قال الحسن بن صالح: كنا إذا أردنا أن نكتب عن الرجل، سألنا عنه، حتى يُقال لنا: أتريدون أن تزوِّجوه؟
أخذ العلم ممَّن مهر فيه:
• قال الإمام النووي رحمه الله: أخذ العلم عمَّن كان عنده، ولو كان الآخذُ أفضلَ من المأخوذ عنه، كما أخذ عمر عن هذا الأنصاري.
• قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
أخذ العلم عن أهله، وإن صغرت سِنُّ المأخوذ عنه عن الآخذ، وكذا لو نقص قدره عن قدره.
العالم الكبير قد يخفى عليه بعضُ ما يدركه مَن هو دونه؛ لأن العلم مواهب، والله يؤتي فضله من يشاء.
• قال العلامة السعدي رحمه الله: تعلم العالم الفاضل، للعالم الذي لم يتمهر فيه، ممن مهر فيه، وإن كان دونه في العلم بدرجات كثيرة.
أخذ العلم عن الأكابر والأمناء:
• عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: لا يزال الناس بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم، وعن علمائهم وأمنائهم، فإذا أخذوه من صغارهم وشرارهم هلكوا.
اجتناب الأخذ ممن لم يظهر أثر علمه عليه:
• قال عبدالله بن أحمد: قلتُ لأبي: لِمَ لم تكتب عن الوليد بن صالح؟ قال: رأيته يُصلِّي في مسجد الجامع يسيء الصلاة فتركته.
• بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة...قال أحمد بن بشير: أتيت البصرة في طلب الحديث، فأتيت بهزًا فوجدته يلعب بالشطرنج مع قوم، فتركته ولم أسمع منه.
أهمية وفوائد طلب العلم على الشيوخ والعلماء:
قال العلَّامة ابن القيم رحمه الله: سمعتُ شيخنا أبا العباس ابن تيمية يقول: يستحيل دخول "لام العاقبة" في فعل الله، فإنها حيث وردت في الكلام، فهي لجهل الفاعل بعاقبة فعله؛ كالتقاط آل فرعون لموسى، فإنهم لم يعلموا عاقبته، أو لعجز الفاعل عن دفع العاقبة؛ نحو: لِدُوا للموت وابنُوا للخَرَاب، فأمَّا في فعل من لا يعزبُ عنه مثقال ذرَّة، ومن هو على كل شيءٍ قدير، فلا يكون قط إلا "لام كي"، وهي لام التعليل.
ولمثل هذه الفوائد التي لا تكادُ توجد في الكُتُب يُحتاج إلى مجالسة الشيوخ والعلماء.
لا يُؤخَذ العلم من أربعة:
قال الإمام مالك رحمه الله: لا يُؤخَذ العلم من أربعة: لا يُؤخَذ من سفيه، ولا يؤخذ من صاحب هوى يدعو الناس إلى هواه، ولا من كذَّاب يكذب في أحاديث الناس وإن كان لا يتهم على أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا من شيخ له فضل وصلاح وعبادة إذا كان لا يعرف ما يحدث.
عدم الأخذ عن أهل البدع والأهواء أو حضور مجالسهم:
• قال إسماعيل بن أبي أويس: سمعت خالي مالكًا: إن هذا العلم دين، فانظروا عمَّن تأخذون دينكم.
• قال العلامة بكر بن عبدالله أبو زيد رحمه الله: الحذر (أبا الجهل) المبتدع، ويقال لهم أيضًا "أهل الشُّبُهات" و"أهل الأهواء".
فيا أيها الطالب، كن سلفيًّا على الجادَّة، واحذر المبتدعة أن يفتنوك.
• قال العلامة صالح بن فوزان الفوزان: أصحاب الضلال في الغالب عندهم تزويق للعبارات، وتنميق في خطبهم، وفي محاضراتهم، وفي كتبهم، فإذا سمعها أو قرأها الإنسانُ الجاهلُ انطلت عليه وتمكَّنَت من القلب؛ فلذلك يحذر من مطالعة كُتُب أهل البدع، والاستماع إليهم في دروسهم أو محاضراتهم أو برامجهم، يحذر الإنسان من الاستماع إليهم إلا على وجه يريد الإنكار عليهم وهو يقدر على ذلك، ويعرف الحقَّ من الباطل.
• سُئِل الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ عن الأخذ عن شيخ عنده بِدَعٌ؟ فأجاب: ما يصحُّ، المبتدع ما تتحمَّل عنه، ولا كرامة لستَ بحاجةٍ إليه، تجد غيرَه، ثم مسائل الإسناد والإجازات في القرآن أو في السُّنَّة، في الحديث فيها نوعُ تلذُّذٍ، وفيها نوع ممن يعتني بها نوع تكاثر، وليست كلها عن حاجة شرعية، فتجلس معه وتأخذ منه، ثم يقع في قلبك محبَّتُه، وما من معلم يُفيدك إلا وسيقع في قلبك محبَّتُه، تُعرِّض نفسك للخطر، إذا ما وجدت من يُعلِّمك الواجب إلا هو، فهذا أمرٌ آخَرُ.