أرشيف المقالات

محرِّرة المرأة (أم عُمارة) رضي الله عنها 3/1

مدة قراءة المادة : 20 دقائق .
محررة المرأة: أم عمارة - رضي الله عنها - (1)
 مطالب وحقوق
• محرِّرة المرأة ومجدِّدة التاريخ -رضي الله عنها وأرضاها- حمَلَت الرَّاية النِّسائية في كثير من المواقف والبطولات؛ لتكون منارة تحكي لنا واقعًا عمليًّا لدور المرأة المسْلِمة في المجتمع المدَني والحربي أيضًا.

• كما رفعت لواءً تربويًّا نالتْ به سبْقًا في دور الأُمِّ المسْلِمة، ومدى تأثيرها على بناء الأجيال الناجحة، التي أقَرَّها النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - حين قال لولدها: ((مقام أُمِّك خيرٌ من مقام فلان وفلان))، رَحِمَكم اللهُ أهْلَ البيت.

• خَطَّت مثالاً راقيًا للمرأة الشُّجاعة حينما تكون مسْلِمة، فشكَّلَت نموذجًا تطبيقيًّا متوازِنًا للمسلمات اللَّواتي لا يستطِعْن إخفاء تلك الخصلة إن استحَيْن منها، فكانت المرأة المجاهدة.

• كانت لؤلؤة في عِقْد الصَّحابيات اللَّواتي ترَكْنَ لنا آثارًا هامَّة لحركة التَّلاحم الأُسَري داخل المجتمع الأول.

إنها أُمُّ عمارة، نسيبة بنت كعب المازنيَّة الخزرجيَّة الأنصارية العقَبيَّة البَدْرية رضي الله عنها وأرضاها.

1- دلالة اسمها رضي الله عنها:
ولعلَّ أوَّل ما نتطرَّق إليه اسمها؛ لنهتدي به إلى شيء من شخصيَّتها؛ فنسيبة من "النَّسَب: نسَبُ القَراباتِ، وهو واحدُ الأَنْسابِ...

النِّسْبةُ والنُّسْبَةُ والنَّسَبُ القَرابةُ وقيل هو في الآباء خاصَّةً" ا.هـ؛ "لسان العرب" لابن منظور.

وقرأها ابنُ حجَر: "نُسَيْبة - بالتَّصغير - بنت كعب، أمُّ عمارة في الكنى" ا.هـ؛ "تقريب التهذيب" حرف العين المهملة.

لكننا نقول: إنَّ نسَب العقيدة لا يُضاهيه نسَبٌ، وقد قال الشاعر:

آلُ النَّبِيِّ هُمُ أَتْبَاعُ مِلَّتِهِ °°° عَلَى الشَّرِيعَةِ مِنْ عُجْمٍ وَمِنْ عَرَبِ
لَوْ لَمْ يَكُنْ آلُهُ إِلاَّ قَرَابَتَهُ °°° صَلَّى الْمُصَلِّي عَلَى الطَّاغِي أَبِي لَهَبِ

• فنسيبة بنت كعب هي نَسِيبةٌ عند رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- بتضحياتها المتتالية وبطولاتها الجليَّة.

• كذلك فلقد كانت حَسِيبةً نَسِيبة الأصل؛ حيث أنها أنصارية من بني النجَّار، وهم أخوال عبدالمطلب جَدِّ النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- كما أنَّ مِثْلها يَفْخر ببطولات أزواجهنَّ وأشِقَّائهن المجاهدين مع رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- بل وأبنائهن، فهي نسيبةٌ عند رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- ونسيبة كريمة الأصل رضي الله عنها.


2 - تحت ظلال شخصيتها - رضي الله عنها:
لقد كانت أم عمارة -رضي الله تعالى عنها وأرضاها- نتاج التحوُّل التاريخي في حياة المرأة الجاهلية، وما أسطُرِي هذه إلاَّ وصفٌ صادق لحالها، وظلالٌ خفيفة وُضِعت تحت شخصيتها الفريدة المتوازنة.

لقد كانت -رضي الله عنها- تمتلك شخصيَّة قوية، لكنَّها في الوقت ذاته شخصيَّة تقيَّة، حيث وَظَّفَتْ قُوَّتهَا من أول يوم لخدمة دين الله، وقد استطاعت أن تحقِّق موازنة صعبة ومعادلة عجزت عن استيعابها محافلُ ومؤتمرات المرأة في العصر الحديث؛ فقد جمَعَت -رضي الله عنها- بين الشجاعة والإيمان، وبين القوة والحياء، كما أنَّها استطاعت بمهارة أن تضع حدودًا فاصلة بين أوهام التَّحرُّرية المزيَّفة، وضلالات التقاليد (المخرفة)، أوْ قُل: حدًّا فاصلاً بين تغرير التحرير وغرور العضل والحجر؛ لتتَّضِح بين هذا وذاك وسَطيَّة الإسلام في مواقفها التلقائية، أو قُل: التي بدَتْ تلقائية ذاتية بسبب شفافية السَّرائر، وإخلاصها لله ربِّ العالمين، نحسبها ولا نزكِّيها على الله، حيث برَز من خلال مواقفها -رضي الله عنها- حقوقٌ ذهبيَّة، وهِبَات كالكنوز مُنِحت للمرأة المسْلِمة.

إنه فاصلٌ أرسَتْ به مبادئ؛ لتكون لنا -مَعاشِرَ النِّساء- دستورًا يَبني لنا قواعدَ نعتزُّ بها، بعيدًا عن الإفراط والتفريط.

مطالب الحرية:
1 - ما أرى كل شيء إلاَّ للرِّجال:
ففي شجاعة أدبيَّة تراها تُخاطب رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- وكأنها تتطلَّع إلى حقٍّ جديد، تطمح أن يكون مُخبَّأً بين أسطُرِ الشريعة الغَرَّاء من فيض الحقوق التي انهالت عليها وعلى نساء عصرها من المُهاجِرات والأنصاريات، قائلة له -صلَّى الله عليه وسلَّم-: "ما أرى كلَّ شيء إلاَّ للرِّجال، ما أرى النساء يُذْكَرون في شيء"، فنَزَلت الآيةُ: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [الأحزاب: 35]؛ "الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجَر، ج8.

وقد رُوِيَتْ مثل هذه الرِّواية في سُنن الإمام التِّرمذي وحَكَم عليها بقوله: حديث حسن غريب عن سؤال أمِّ عمارة -رضي الله عنها- للنبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: حدَّثنا ‏ ‏عبْدُ بن حُمَيد،‏ ‏حدَّثنا ‏ ‏محمد بن كثير، ‏ ‏حدثنا ‏ ‏سليمان بن كثير، ‏ ‏عن ‏ ‏حصين، ‏ ‏عن ‏ ‏عكرمة، ‏عن أم عمارة الأنصارية أنَّها أتَت النبي‏ ‏ -صلَّى الله عليه وسلَّم- ‏ ‏فقالت:‏ ‏ما ‏ ‏أرى كلَّ شيء إلاَّ للرِّجال، وما ‏ ‏أرى النساء يُذْكَرن بشيء، فنَزَلت هذه ‏ ‏الآية {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [الأحزاب: 35] الآية ‏ - قال ‏ ‏أبو عيسى: ‏ ‏هذا ‏ ‏حديث حسن غريب؛ "سنن الترمذي" تفسير القرآن عن رسول الله، سورة الأحزاب.

يقول الإمام السَّعْدي في تفسيره للآية:
"[ولَمَّا] كان حُكْمُهن والرِّجال واحدًا، جعل الحكم مشتركًا، فقال: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} [الأحزاب: 35]، وهذا في الشرائع الظاهرة، إذا كانوا قائمين بها، {وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [الأحزاب: 35]، وهذا في الأمور الباطنة، من عقائد القلب وأعماله...".

ويقول: " {أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ} [الأحزاب: 35]؛ أيْ: لهؤلاء الموصوفين بتلك الصِّفات الجميلة، والمناقب الجليلة، التي هي ما بين اعتقادات، وأعمالِ قلوب، وأعمال جوارح، وأقوال لسان، ونفع مُتَعدٍّ وقاصر، وما بين أفعال الخير، وترك الشَّرِّ، الذي مَن قام بهن، فقد قام بالدِّين كُلِّه، ظاهره وباطنه، بالإسلام والإيمان والإحسان" ا.هـ؛ "تفسير السعدي"، سورة الأحزاب، الآية 35.

لقد ساوى الإسلام بهذا التَّشريع بين الرِّجال والنِّساء في الشَّرائع الظاهرة والباطنة والعقائد، وأعمال القلوب والجوارح واللِّسان، فهما متساويان في الخصائص الإنسانية العامَّة، ومتساويان في التكاليف والمسؤولية، ثم ساوى بين الحكم المترتِّب عليهما، فجعله واحدًا، ومن قبل فقد جعل الأفضلية والأولوية في الجزاء لا بالجنس ولا بالعقل، ولكن بالتقوى؛ {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13]، فتساوَيا في الجزاء والمصير.

والملاحَظُ في سؤالها -رضي الله عنها- أنها ما كانت تطمح إلى مطالب دنيوية فانية، ولا إلى أهواء شخصية، لم تكن نظرتها قاصرة على لعاعة من الدنيا؛ لذا فإنَّ طموحاتها لِرُقي بنات جنسها كان حَوْل ما يستحقُّ التَّنافس من أجله، وما هو أبقى عند الله، وأقَرُّ للعين، فكانت استفساراتها -رضي الله عنها- عن زاد المعاد ودار الحيوان.

2 - بيعة المرأة:
وأم عمارة مِن أوائل مَن بايع النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- وذلك في بيعة العقبة الثانية؛ حيث لم يَكْتَف النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- بمبايعة الرِّجال، ولم تَرْكَن -رضي الله عنها- إلى مبايعة النبِيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- لزوجها، لكنَّها حضَرَتْ يوم العقبة، فأَتَت مع زوجها في الثُّلث الأخير من اللَّيل متيقِّظة لتلك اللَّحظات تستخفي مع مَن استخفى للقاء النبي -صلى الله عليه وسلَّم- عند العقَبَة؛ لتبايعه على ما بايعه عليه الرجال.

ومبايعتها للنبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- بِصَوتها -أعني حقَّ التصويت- أعطى طابعًا جديدًا عن مكانة المرأة التي ستكون في المجتمع المدني الجديد، إنه طابَعٌ يَحُوطه الكثير من القِيَم التي سترتقي إليها المرأة الجديدة في المجتمع المدني يحفُّه تعزيز هذه المرأة وإعلاء شأنها؛ لتكون شقيقة الرَّجل بحقٍّ؛ وليكون لها مِثلُ الذي عليها بالمعروف؛ ولتخلع رداء الجاهلية القبيح، والذي لم يذَرْ للمرأة بريقَ ضوء من أمَلٍ في عيش كريم.

يقول د.
أكرم ضياء: "لقد اهتمَّ الإسلام بالمرأة وتربيتها ورعايتها اهتمامَه بالرجل، فهي مُكلَّفة مثل الرجل بتوحيد الله وعبادته، والالتزام بأحكام شريعته، وهي تُبايِع الرَّئيس الأعلى للدَّولة الإسلامية على الطَّاعة، وتشترك في حماية المجتمع عندما يتعرَّض للخطر، وإن لم يفرض عليها القتال" ا.هـ؛ د.
أكرم ضياء العمري، "المجتمع الإسلامي في المدينة المنورة في عصر الرِّسالة".


3- نبل الغاية يوضِّحه نقاء العلاقة:
وفي الوقت نفسه علَّمها النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- كيف تكون نزاهة ونقاء العلاقة التعاملية بين الجنسين وحدودها في هذا المقام؛ كيف يكون احترام المرأة والحفاظ على كيانها الزَّاكي؛ حين اكتفى -صلى الله عليه وسلم- بسماع البيعة منها، ومن كلِّ مَن بايعته بعد ذلك على الإسلام؛ فصَوْت الإسلام كان يقول لهن: "إنَّ رأيك أيَّتها المرأة حقٌّ لكِ أن تعبِّري عنه، وصوتك واجب علينا أن نسمعه منك؛ لأنك جزء من المجتمع، ولكن تظلُّ مكانتكِ في الحفاظ عليك تقيَّة نقيَّة، ترتدين ثوب العِفَّة والحياء، ويَحُوطك هالةٌ من الهيبة والوقار والإكبار، متمثِّلة في حجابِكِ السَّماوي، الأشبه بغلاف ماسَّة ثمينة، يُخشى عليها من المسِّ، وفي تعاملك المحدود والمحسوب مع الغرباء"، وكما قال -صلَّى الله عليه وسلَّم- «إنِّي لا أصافح النِّساء»؛ صحَّحه الألباني.

فقد كان -صلَّى الله عليه وسلَّم- يأخذ عليهنَّ، فإذا أقْرَرْن، قال: «اذهَبْنَ فقد بايعتُكنَّ»؛ "أُسْد الغابة في معرفة الصحابة"، كتاب النِّساء.

وفي رواية البخاري عن عائشة -رضي الله عنها- قول النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- لهن: «انطلِقْنَ، فقد بايعتُكن»، لا والله ما مسَّتْ يد رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- يدَ امرأة قَطُّ، غير أنَّه يُبايعهن بالكلام، قالتْ عائشة: واللهِ، ما أخَذ رسولُ الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- على النِّساء، إلاَّ ما أمره الله، ولا مَسَّتْ كفُّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- كفَّ امرأة قط، وكان يقول لهن إذا أخَذَ عليهن: «قد بايعتُكنَّ كلامًا»؛ (صحيح، أخرجه البخاري في الطَّلاق، ومُسْلم في الإمارة).

نعم، لِتَبقى العلاقة في التعامل بين الجنسين متوازنة، فلا إفراط أو استخفاف برأيها، أو عضل، أو حَجْر لحقوقها، أو استحقار لمكانتها، ولا استغلال لقدراتها وإمكانياتها الخاصَّة في معصية الله، ولا تفريط منها أيضًا في مزاحمَتِها وامتزاجها مع الرَّجل، كما يُريد أدْعِياء التَّحرير.

تقول أُمُّ عمارة -رضي الله عنها- كانت الرِّجال تُصفِّق على يدي رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- ليلة العقبة، والعبَّاس آخذٌ بيد رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- فلمَّا بَقِيت أنا وأُمُّ سبيع نادى زَوْجي غُزَيَّة بن عمرو: يا رسول الله، هاتان امرأتان حضَرَتا معنا يُبايِعْنَك، فقال: «قد بايعتُهما على ما بايعتُكم عليه، إنِّي لا أُصافح النِّساء» ا.هـ؛ "الإصابة" لابن حجر، الجزء الثامن، كتاب النساء، النسخة الإلكترونية، مكتبة الإيمان.

"إن المقصد الأعلى الذي يريد أن يحقِّقه الإسلام من خلال نظامه الاجتماعي هو صَوْن الأعراض، وكَبْح جماح الشَّهوات، وترويضها وضبطها وتقييدها بضوابط أخلاقية تَضْمن استعمالها في خير الإنسان وطهارته، بدل إهمالها أو تضييعها في الفوضى والهمجية" ا.
هـ؛ "عودة الحجاب" د.
إسماعيل المقدم، ج1.

بهذا يَحفظ الإسلام للمرأة حقوقها في وسطيَّة غرَّاء، تحفُّها العفَّة والطُّهر والوقار.

ولا مقارنة بين هذا النِّظام وبين النظام الاجتماعي الغربي، والذي "يرمي إلى الحثِّ على سير التمدُّن بإشراك المرأة والرجل في تدبير شؤون الحياة، وتحَمُّل تَبِعاتها على حدٍّ سواء، واستعمال الشَّهوات في فنون ووسائل تحوِّل متاعب الحياة إلى لذَّات ومسرَّات"؛ ا.هـ؛ نفْس المصدر.

لقد تطوَّر هذا النِّظام الغربي بصورة شرسة في الآونة الأخيرة، حتىَّ أصبح يمثِّل سعارًا صريحًا على القِيَم والمبادئ الإنسانية على المُجمَل، وكلُّ ذلك تحت ستار حرِّية المرأة، فماذا قَدَّموا للمرأة من حُرِّيات؟ "لقد تضمَّن مؤتمر بكين عام 1995م بنودًا تهدِّد البشريَّة جمعاء؛ حيث طالب المؤتمر بحقِّ المرأة والفتاة في التمتُّع بحرِّية جنسيَّة آمِنَة مع مَن تشاء، وفي أيِّ سنٍّ تشاء، وليس بالضرورة في إطار الزَّواج الشَّرعي، مع تقرير الإباحية الجنسيَّة، وإلزام جميع الدُّول بالموافقة على ذلك، مع المطالبة بِسَنِّ القوانين التي يُعاقَب بها كلُّ مَن يعترض على هذه الحُرِّية، حتى ولو كان المعترِضُ أحدَ الوالدين!

وتُطالب الوثيقة بفرض فِكْرة حقِّ الإنسان في تغيير هويَّته الجنسيَّة - مِن ذكَرٍ إلى أنثى، ومن أنثى إلى ذكر، أو أن يَختار أن يكون بينهما - والمطالبة بإدراج حقوقهم الانحرافيَّة ضِمْن حقوق الإنسان، ومنها حقُّهم في الزَّواج المِثْلي وتكوين أُسَر، والحصول على أطفال بالتبنِّي أو تأجير البُطون" ا.هـ؛ "من مقال مؤتمر بكين"، ماجد بن جعفر الغامدي، موقع الألوكة، بتصرُّف يسير.

أهذا ما تُمْلِيه علينا حُرِّيات العصر الحديث؟ وهل هذه هي المرأة الجديدة التي أرادها لنا "قاسم أمين" و"صفية زغلول" و"هدى شعراوي"؟

إنهم يسلبون الأسماء، ويلصقونها ببراعة تحت مسمَّيات في غاية الخطورة على الأمَّة الإسلامية؛ "فـ"المساواة" تُستخدَم للتَّعبير عن إزالة الاختلافات بين الرَّجل والمرأة، حتىَّ ولو كانت اختلافات بيولوجية؛ وذلك لإباحة الشُّذوذ، وتستخدم "التَّنمية" للتَّعبير عن الحرِّية الجنسيَّة والانفلات الأخلاقي، وتستخدم كلمة "السِّلْم" لمطالبة الحكومات بخفض نفقاتها العسكريَّة، وتحويل الإنفاق إلى خُطَط التَّخريب والتدمير للأيديولوجية النسوية الجديدة" ا.هـ؛ (نفس المصدر السابق).

بل وجعل المرأة مجرَّدَ أداة بلا محرِّك ذاتي، ينبع من كيانها وعطائها الشخصي، وجعَلَها صورة بلا روح، وشخوصًا متساوية في الشَّكل والحجم، والمقاس والملامح، ومستوى التفكير، كجَواري السُّلطان، يسيطر عليها كيانٌ مادي متسلِّط يملي عليها قوانينَ للجمال، وأخرى للحرِّية، وثالثة لتوجُّهات المرأة الفكرية، والتي ينبغي ألاَّ تخرج عن إطارها، لم تكن المرأة في ظلِّ الإسلام دُمْية، تتشابه مع عرائس دميمة تُفرز من نفس القالب.

لم تعرف المرأة يومها سِوَى وَحْيِ باريها وفاطرها، فانطلَقَت بحرِّية روحيَّة؛ لتُرِي التاريخ إبداعاتها البنَّاءة نحو التَّغيير الإيجابي، وتنقش آثارها في حِجْر التوحيد.

وكان ذلك كلُّه لَمَّا شعرت بثقة ربَّانيَّة وطُمَأنينة داخلية حَوْل نُبْل الغاية التي كانت تحرِّكها وتَدْفعها بقوَّة إلى الأمام؛ لذا فقد استطاعت بها أن تبني مَجْد المجتمع الأول في نقاء ووفاء.

لكن ما تُصِرُّ عليه محافل التَّحرير الهَشَّة ما هو إلا تغرير بالمرأة، مضاهاة لحضارات أخرى، ليست من لوننا، غير آبهِين بشريعة الله، فيَستنسِخُون من المرأة نُسخًا مطابقة للأصل القبيح، بلا (فَلْترة) تصفية، ولا إعمالٍ للنَّقل ولا العقل، أو تَنْظير للواقع، وقد كان ذلك ولا يزال على حساب العقيدة والدِّين، بل والمناخ العرفي السائد؛ ليتولَّد من هذا النِّتاج مجتمعٌ مهجَّن، مزاجه الغرب والإسلام.

وحينما يكون المُهجَّن نتاجَ تزاوُجِ أصل حسن بأصل قبيح، يخرج في صورة نتاج مُشوَّه، مُذبذب بلا هُوية ولا هدف، فلا إلى العُلَى ارتقى، ولا إلى الكفر انتكس.

وللحديث بقيَّة - إن شاء الله.رحاب حسّان


شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢