وقف لله تعالى
مدة
قراءة المادة :
3 دقائق
.
وقف لله تعالىللوَهْلة الأولى لهذا العنوانِ قد يظُن البعض أني سوف أسرد جملةً من الآيات والأحاديث النبوية الشريفة في فضل وقف الأوقاف، التي يعود دخلُها ونفعها لخدمة المجتمع الإسلامي بكافة أطيافه؛ من فقراء، ومساكين، وأرامل، وتعليم، وغيرها من وجوه الخير التي لا تُعدُّ ولا تحصى.
ولكن حديثي سوف يختلف قليلًا عن هذا المعنى الذي تعوَّدنا عليه، ويتردَّد على أسماعنا بين الفَيْنة والأخرى، إنني أرمي وأتحدث عن ذلك الرَّحَّالة الذي اختاره الله من بين كل البشر؛ إنه الداعية إلى الله، الذي جعل من نفسه ووقته وماله وقفًا لله تعالى.
كل سَكَناته وحركاته ليس لها سوى هدفٍ واحد، وغاية واحدة: أن تكون لله تعالى.
عندما سئل الإمام أحمد: متى الراحة يا أبا عبدالله؟ قال: عندما تضَع رجلَك اليمنى في الجنة.
وقيل لأحدهم: لقد أتعبتَ نفسك! قال: بل راحتَها أريدُ.
هذه هي روح الداعية، وهذا زاده، وهذا أملُه، وهذه غايته تتوق إلى ما عند الله تعالى.
وإذا كانت النفوسُ كِبارًا ♦♦♦ تَعِبتْ في مرادها الأجسامُ
عندما تعود إلى فراشك لتبيتَ وقد أضناك التعبُ في كافة أعضاء جسمك، وأخذ منك الإرهاقُ مأخذَه، فأنت تسير على طريق الأنبياء، طريق الأصفياء، طريق الأنقياء، إنه طريق أستاذك طريق معلِّمك محمدٍ عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
قد يفوتك حظٌّ من الدنيا، وقد تفوتك مصلحة، وقد يذهب عليك منصبٌ، وقد تغضب منك زوجُك، لا تلتفت إلى كلِّ ذلك النعيمِ الزائل؛ فنفسك التوَّاقة اشتاقت إلى ما هو أسمى وأغلى.
قد هيَّؤوك لأمرٍ لو فطنتَ له ♦♦♦ فاربَأْ بنفسك أن ترعى مع الهَملِ
من أوقف حياتَه لله، فسيعم نفعُه، ويبقى أثره، وسترتقي روحُه إلى مدارج الأفلاك، كما عرج إلى ذلك الفهمِ الدقيق والمعنى الجميل محمد إقبال في قوله:
المسلمُ السهم والأفلاكُ غايتُه ♦♦♦ سرائرُ الروح في المعراجِ فادَّكرِ
نعم عندما ترتقي هذه الروح إلى مدارج الأفلاك، عندها - وعندها فقط - ستكون أيها الداعيةُ الموفَّق وقفًا لله تعالى.
ستجذبك هذه الدنيا بكل أدوات الفتنة فيها، وستتعرض لك في كل موقفٍ ألا تنسى نصيبك من الدنيا، سوف تأتيك وهي متدثِّرة بثوب النصح والإشفاق عليك، إياك إياك أن تنصتَ لها، أو تعطيها شيئًا من اهتمامك.
فكم من داعية قبْلَك طرحَتْه!
وكم من عابد سلخَتْه!
وكم من باذلٍ للخير أقعدَتْه!
كن وقفًا لله تعالى بكل ما تعنيه هذه الكلماتُ من معنًى، حتى تلقى الله تعالى وهو راضٍ عنك، وقد أنزلك منزلًا مباركًا مع الأنبياء والشهداء والصالحين وحسُن أولئك رفيقًا.
﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 162].