الاستشكال: لماذا توجد نصوص متشابهة تشكل على البعض؟
مدة
قراءة المادة :
6 دقائق
.
الاستشكاللماذا توجد نصوص متشابهة تشكل على البعض؟
الشبهة الثانية:
لماذا نجد أحاديثَ في سنة النبي صلى الله عليه وسلم فيها إشكالٌ، وقد تُحير عقولَ كثيرٍ من الناس، ما أسباب هذا الاستشكال؟ وهل له حكمة؟
الجواب:
أولًا: هنالك أحاديث كثيرة من الأحاديث المشكلة لا يثبت صحتها عند أهل الحديث.
ثانيًا: لا بد أن تعلم أن الاستشكال كما تجده في السنة، فهو موجود في القرآن؛ قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذي أَنزَلَ عَلَيكَ الكِتابَ مِنهُ آياتٌ مُحكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذينَ في قُلوبِهِم زَيغٌ فَيَتَّبِعونَ ما تَشابَهَ مِنهُ ابتِغاءَ الفِتنَةِ وَابتِغاءَ تَأويلِهِ وَما يَعلَمُ تَأويلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرّاسِخونَ فِي العِلمِ يَقولونَ آمَنّا بِهِ كُلٌّ مِن عِندِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلّا أُولُو الأَلبابِ ﴾ [آل عمران: ٧].
قال الإمام السعدي رحمه الله: القرآن العظيم كله محكم؛ كما قال تعالى ﴿ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ﴾ [هود: 1]، فهو مشتمل على غاية الإتقان والإحكام والعدل والإحسان، ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [المائدة: 50]، وكله متشابه في الحسن والبلاغة وتصديق بعضه لبعضه، ومطابقته لفظًا ومعنى، وأما الإحكام والتشابه المذكور في هذه الآية، فإن القرآن كما ذكره الله ﴿ منه آيات محكمات ﴾؛ أي: واضحات الدلالة، ليس فيها شبهة ولا إشكال، ﴿ هن أم الكتاب ﴾؛ أي: أصله الذي يرجع إليه كل متشابه، وهي معظمه وأكثره، ﴿ و ﴾ منه آيات ﴿ أخر متشابهات ﴾؛ أي: يلتبس معناها على كثير من الأذهان: لكون دلالتها مجملة، أو يتبادر إلى بعض الأفهام غير المراد منها، فالحاصل أن منها آيات بينة واضحة لكل أحد، وهي الأكثر التي يرجع إليها، ومنه آيات تشكل على بعض الناس، فالواجب في هذا أن يرد المتشابه إلى المحكم والخفي إلى الجلي، فبهذه الطريق يصدق بعضه بعضًا، ولا يحصل فيه مناقضة ولا معارضة، فكما ترى - رحمني الله وإياك - الاستشكال مقصود وجوده في كتاب الله، وكذلك في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم: (واعلم أن الناس تختلف مداركهم وأفهامهم وآراؤهم، ولا سيما في ما يتعلق بالأمور الدينية والغيبية، لقصور علم الناس في جانب علم الله تعالى وحكمته، ولهذا كان في القرآن آيات كثيرة يستشكلها كثيرٌ من الناس، وقد أُلفت في ذلك كتب، وكذلك استشكل كثير من الناس كثيرًا من الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، منها ما هو من رواية كبار الصحابة، أو عدد منهم كما مر، وبهذا يتبين أن استشكال النص لا يعني بطلانه.
ووجود النصوص التي يستشكل ظاهرها لم يقع في الكتاب والسنة عفوًا، وإنما هو أمر مقصود شرعًا ليبلو الله تعالى ما في النفوس ويمتحن ما في الصدور، وييسر للعلماء أبوابًا من الجهاد العلمي يرفعهم الله به درجات)؛ العلامة المعلمي في (الأنوار الكاشفة) (ص223).
أسباب الاستشكال:
وأمَّا أسباب استشكال النصوص فكثيرة، ونُجملها فيما يَلي:
أولًا: غرابة الألفاظ.
ثانيًا: اشتباه المعنى بغيره.
ثالثًا: وجود شُبهة في نفس الإنسان، تَمنعه من معرفة الحق.
رابعًا: عدم التدبُّر التام، وإعمال الفهم.
خامسًا: قلة العلم وعدم توفُّر مخزون علمي كافٍ.
سادسًا: عدم الآلة، وفَقد القُدرة على الاستنباط.
سابعًا: عدم الجمع بين النصوص.
ثامنًا: الجهل بأسباب النزول، وموارد الحديث والأخبار، وعلل الأحكام وغيرها كثير من الأسباب، وليس شرطًا أن تجتمع كلُّها في الرجل، ولكن الناس يَتفاوتون في مثل ذلك، وهُم بين مُقِل منها ومُستكثِر.
قاعدة متينة في استشكال النصوص لأبي فهر من موقع طريق الإسلام، وللاستشكال حكمة، بل حكم منها:
ليبلو الله ما في النفوس ويمتحن ما في الصدور.
لييسر الله للعلماء أبوابًا من الجهاد العلمي يرفعهم الله به درجات.
ليكل الناس الأمر لله تبارك وتعالى، فقد تنغلق بعض الفهوم ولو كانت لعلماء عن فهم بعض الاستشكالات، وذلك ليوقن الناس أن علمهم ليس بشيءٍ بجانب علم الله، وليوقنوا بكلام ربهم
﴿ وَما أوتيتُم مِنَ العِلمِ إِلّا قَليلًا ﴾ [الإسراء: ٨٥].
﴿ وَالرَّاسِخونَ فِي العِلمِ يَقولونَ آمَنّا بِهِ كُلٌّ مِن عِندِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلّا أُولُو الأَلباب ﴾ [آل عمران: ٧].
ما يعقب إجابة الاستشكال وإزالة الشبهة من ثمار طيبة ونتائج عجيبة منها:
أ- إقامة الحجة ليهلك من هلك عن بينة ويحيا مَن حيَّ عن بينة.
ب- زيادة اليقين لدى المستشكل والمجيب.
ج- ثقة المستشكل بهذا المجيب بعد إجابته، ولربما لازمه فكان سببًا في ثباته وزيادة يقينه، بل ربما صار المستشكل بعد ذلك أحد المدافعين عن دين رب العالمين.
د- ازدياد شعور المجيب بمنِّة الله تعالى عليه؛ إذ لولا منته لما أجاب؛ مما يزيده تواضعًا وبحثًا واجتهادًا ريثما يلقى ربه المنعم سبحانه.
ه_ ما يحصله المجيب من علوم وفوائد ونكات من جراء بحثه وتجميعه للإجابة على هذه الاستشكالات، سواء كانت هذه الفوائد خاصة بنفس الموضوع أو بغيره، ولا بد أن تفهم رعاك الله أن نسبة المستشكل إلى الواضح والمشتبه إلى المحكم صغيرة جدًّا، فينبغي عليك دائمًا رد المتشابه إلى المحكم.
أرجو أن أكون وضَّحت لك ما تريد بيانه.