هموم
مدة
قراءة المادة :
9 دقائق
.
همومإن الإسلام دائمًا لديه رؤية صالحة ومفيدة لكل مشكلات الإنسانية في كل زمان ومكان، ومن خلال التأمل والتدبُّر للقرآن الكريم وسيرة النبي الكريم لا يملك العقل البشري إلا أن يطمئن إلى أن لديه في كل أمور حياته الدنيا الحلَّ الأمثلَ لكل ما يواجهه من مشكلات، وأن تصريف أموره الحياتية يسهل مع الحل الإسلامي، وصدق الله إذ يقول: ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [هود: 6]، ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾ [الحديد: 22، 23].
والنبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى الدنيا مشغولًا بمعرفة الله؛ بل كان ذلك هَمًّا كبيرًا يشغله؛ فكان يتعبَّد بأكثر من ثلاثة أيام في الغار, وبقليل من إعمال للعقل، يجب علينا تربية أنفسنا بالأدب مع الله، يجب أن يزداد لدينا بأن يكون لدينا يقين مطلق أنه سبحانه أوجدنا لعبادته ويسَّر لنا أحوالنا لمعرفته هو، وأن نكون مستعدِّين ومتأهِّبين لحقِّ الله علينا وكرمه لنا بأن جعلنا أحياءً في يوم جديد بشمس جديدة، فالإنسان هو محور الكون، فقد سخَّر الله له كل الكائنات، وأرسل الله سبحانه الرسل من أجل هدايته، وأنزل وحيَ السماء في اتِّجاه الإنسان ومخاطبته، والقرآن الكريم إما يتحدث عن الإنسان أو عن أمور متعلقة بأحواله وحياته وسلوكه، أو قصص له أو عنه أو به، والمسلم إنسان له رأس مال، ورأس مال الإنسان هو يومه، وأيام المسلم كلما مرَّتْ اقترب من القبر والحساب، وبعد عن الدنيا، وأوجبت عليه أن يعمل صالحًا، وأن يتزوَّد من العمل الصالح، وألا يُضيِّع أيامه فيما لا فائدة منه؛ حيث إنه سيندم حيث لا ينفع الندم، وعلى المسلم أن يجعل يومه خيرًا من أمْسِه، وغدَه أفضلَ من يومِه، وبتدبُّرنا للقرآن الكريم وجدنا موضوعينِ تحدَّثا عن الإنسان؛ ففي سورة المؤمنون آية [99-100] قال تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ﴾ [المؤمنون: 99، 100]؛ حيث عند دنوِّ الأجل والاحتضار يتنصَّل الإنسان من دنياه محاولًا إصلاح ما أفسده، ويتدارك ما فاته، ويكون الرد في قوله تعالى في سورة المؤمنون: ﴿ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [المؤمنون: 100]، ويُوضِّح لنا القرآن نفس الموقف في سورة االمنافقين [10 و11] ﴿ وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [المنافقون: 10، 11]، ووضَّح لنا القرآن موقفًا آخر في سورة الأنعام [27،28].
﴿ وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾ [الأنعام: 28-28] عندما يقف الإنسان على النار.
أخي المؤمن اعمل على (نفسك) أن تزيد من الخير في كل لحظات حياتك؛ من صلاة وزكاة وصيام وذكر وصدقة.
أخي الحبيب أختي في الله، استثمروا رأس مالكم لكم ولأولادكم وآبائكم وأبنائكم وادعوا الله أن يبارك لكم في أعمالكم ويتقبَّلها منكم، وأن يكون الصلاح والتقوى والبر والأخلاق هم أصل كل الأعمال ليرزقك الله حُسْن الخاتمة والحياة الأبدية في جنة النعيم المقيم، فاللهم ارزُقْنا وإياكم من العمل ما يرضيه عنا، وأن يجعل خير أعمالنا آخرها، وخير أعمارنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم لقائه.
الأحبة في الله تربَّوا بالدِّين وازدادوا إيمانًا بربِّ العالمين، وتأكدوا أنه سبحانه الخالق، وأيقن بسعة قدرة الله سبحانه، وأنه سبحانه يُعطي مَن يشاء، ويمنع عمَّن يشاء، ويُعِزُّ مَن يشاء، ويُذِلُّ مَن يشاء؛ لحكمة لا يعلمها إلا هو سبحانه، قال تعالى: ﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [آل عمران: 26، 27].
ونبيُّنا محمد هو نبي كل العالمين، قائد نور الحق، ويقضي الله به على نير الخرافات والأوهام، ومن خلال ذلك تقع على عاتق أمَّتِنا الإسلامية في زمننا مسئولية عظيمة وأمانة كبيرة؛ هي أننا كمسلمين نرتقي بمعرفة الله سبحانه وعبادته على ما جاء في القرآن وسنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لنسعد في الدارين، وليكن لدينا رؤية وفتح من الله لندرك أننا نتَّبِع النبي البشري محمدًا صلى الله عليه وسلم المرتقى المقرب من ربِّه، المصطفى المرفوع الذكر المكرم، ولم لا أتبعه وأقتفي أثره وأتَّبع منهجه؟! فقد صبر على الأذى فما غيَّرَ ولا بَدَّل؛ بل اتجه للسماء بهمه، ولنا فيه صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة، فنحن في زماننا نتحدَّث كثيرًا عن الغلاء والبلاء والهموم المحيطة بنا من كل جانب؛ نقص المال، وقلة الزاد، فهل تعلمت من نبيِّك أن تكون همومُك سماوية باللجؤ لله، فنبيُّك كان فقيرًا يتيمًا وعرَف الله، وأحبَّ الله، وسخَّر كل حياته لله، وذكر وشكر وصبر حتى وصل للمكانة العليَّة، إن حلَّ أي هم، الوسطية في كل شيء؛ في التصوُّر والاعتقاد، وفي التعبُّد والتنسُّك، وفي القيم والأخلاق، وفي العمل والسلوك، وفي التشريع والتنظيم، وفي السياسة والاقتصاد، وفي العلاقات كلها داخلية وخارجية، لا تهمل المادة لحساب الروح، ولا الروح لحساب المادة، ولا يضخم الفرد فيطغى على المجتمع، ولا المجتمع فيطغى على الفرد؛ وإنما يعطي لكل جانب حقه، ويطالبه بواجبه في غير طغيان ولا إخسار، كما قال تعالى: ﴿ أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ * وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ ﴾ [الرحمن: 8، 9]، وهذا معنى قوله تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ﴾ [البقرة: 143] وقوله جل شأنه: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ [آل عمران: 110].
فأنت يا صديقي المسلم أخرجك الله لكي تكون هاديًا وداعيًا ومرشدًا لكل الناس، مبعوثًا من خلال نبيِّك للعالمين برحمة ويُسْر لا بالقسوة والعسر، وقد خاطبك الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: ((إنما بُعثْتُم مُيسِّرينَ ولم تُبْعَثُوا مُعسِّرين))، وعبَّر عن ذلك ربعي بن عامر في مواجهة رستم قائد الفرس، محددًا مهمة المسلم في عبارات بليغة موجزة: "إن الله ابتعثنا لنُخرِج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام".
قال صلى الله عليه وسلم: ((الصلاةُ معراجُ المؤمنِ))؛ أي: صلاتك هي طريقك إلى القرب من ربِّك، فكن مع الله، وحياتك كلها لله، وأعمالك بصفاء النوايا لله، وعلى منهج القرآن وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم تكن من السعداء دنيا وآخرة، ويفرج أي هم.
أسأل الله أن يُوفِّق جميع المسلمين لما فيه الخير والسداد، وأن يُبعد عنهم كل البلاء والوباء، وأن يستعملهم ولا يستبدلهم، وأن يتمسكوا بكتاب الله وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يقينا جميعًا سوء الفتن، وأن يُصلِح أحوال المسلمين في كل مكان، وأن يُوفِّقَهم لما يحبُّ ويرضى، وأن يأخذ بنواصيهم للبِرِّ والتقوى، وأن يجعلنا هُداةً مُهتدين غير ضالِّين ولا مُضلِّين، إنه سميع مجيب، وصلى الله على نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.