أرشيف المقالات

شرح حديث: مررت ليلة أسري بي على موسى بن عمران

مدة قراءة المادة : 18 دقائق .
شرح حديث: مررت ليلة أسري بي على موسى بن عمران
 
• وعن ابْنِ عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَرَرْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عَلَى مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ.
رَجُلٌ آدَمُ طُوَالٌ جَعْدٌ.
كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ.
وَرَأَيْتُ عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ مَرْبُوعَ الْخَلْقِ، إِلَى الْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ، سَبِطَ الرَّأْسِ".
وَأُرِيَ مَالِكاً خَازِنَ النَّارِ، وَالدَّجَّالَ، فِي آيَاتٍ أَرَاهُنَّ الله إِيَّاهُ ﴿ فَلاَ تَكُنْ فِي مِرْيَةً مِنْ لِقَائِهِ ﴾.
• وفي رواية: "عِيسىٰ جَعْدٌ مَرْبُوعٌ".
• وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ.
فَمَرَرْنَا بِوَادٍ.
فَقَالَ: "أَيُّ وَادٍ هٰذَا؟" فَقَالُوا: وَادِي الأَزْرَقِ.
فَقَالَ: "كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مُوسَىٰ وَاضِعاً إِصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ.
لَهُ جُؤَارٌ إِلَى الله بِالتَّلْبِيَةِ.
مَارًّا بِهٰذَا الْوَادِي" قَالَ: "ثُمَّ سِرْنَا حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى ثَنِيَّةٍ.
فَقَالَ: "أَيُّ ثَنِيَّةٍ هٰذِهِ" قَالُوا: هَرْشَىٰ أَوْ لِفَتٌ.
فَقَالَ: "كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى يُونُسَ عَلَىٰ نَاقَةٍ حَمْرَاءَ.
عَلَيْهِ جُبَّةُ صُوفٍ.
خِطَامُ نَاقَتِهِ لِيفٌ خُلْبَةٌ.
مَارًّا بِهٰذَا الْوَادِي مُلَبِّياً".
• وعَنْ جَابِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "عُرِضَ عَلَيَّ الأَنْبِيَاءُ.
فَإِذَا مُوسَىٰ ضَرْبٌ مِنَ الرِّجَالِ.
كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ.
وَرَأَيْتُ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ.
فَإِذَا أَقْرَبُ مَنْ رَأَيْتُ بِهِ شَبَها عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ.
وَرَأَيْتُ إِبْرَاهِيمَ صَلَوَاتُ الله عَلَيْهِ.
فَإِذَا أَقْرَبُ مَنْ رَأَيْتُ بِهِ شَبَها صَاحِبُكُمْ (يَعْنِي نَفْسَهُ) وَرَأَيْتُ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ.
فَإِذَا أَقْرَبُ مَنْ رَأَيْتُ بِهِ شَبَها دِحْيَةُ بْنُ خَلِيفَةَ".
• وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "حِينَ أُسْرِيَ بِي لَقِيتُ مُوسَىٰ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَنَعَتَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: فَإِذَا رَجُلٌ مُضْطَرِبٌ.
رَجِلُ الرَّأْسِ.
كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ.
قَالَ، وَلَقِيتُ عِيسَى فَنَعَتَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: فَإِذَا رَبْعَةٌ أَحْمَرُ كَأَنَّمَا خَرَجَ مِنْ دِيمَاسٍ" (يَعْنِي حَمَّاما) قَالَ: وَرَأَيْتُ إِبْرَاهِيمَ صَلَوَاتُ الله عَلَيْهِ.
وَأَنَا أَشْبَهُ وَلَدِهِ بِهِ.
قَالَ: فَأُتِيتُ بِإِنَاءَيْنِ فِي أَحَدِهِمَا لَبَنٌ وَفِي الآخَرِ خَمْرٌ.
فَقِيلَ لِي: خُذْ أَيَّهُمَا شِئْتَ.
فَأَخَذْتُ اللَّبَنَ فَشَرِبْتُهُ.
فَقَالَ: هُدِيتَ الْفِطْرَةَ.
أَوْ أَصَبْتَ الْفِطْرَةَ.
أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَخَذْتَ الْخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ".
ولمسلم من حديث أنس:"أَتَيْتُ عَلَىٰ مُوسَىٰ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عِنْدَ الْكَثِيبِ الأَحْمَرِ.
وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ".
• عن عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْما، بَيْنَ ظَهْرَانِي النَّاسِ: الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ.
فَقَالَ: "إِنَّ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَيْسَ بِأَعْوَرَ، أَلاَ وَإِنَّ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُمْنَىٰ.
كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ" قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَرَانِي اللَّيْلَةَ فِي الْمَنَامِ عِنْدَ الْكَعْبَةِ.
فَإِذَا رَجُلٌ آدَمُ كَأَحْسَنِ مَا تَرَى مِنْ أُدْمِ الرِّجَالِ.
تَضْرِبُ لِمَّتُهُ بَيْنَ مَنْكِبَيْهِ.
رَجِلُ الشَّعَرِ.
يَقْطُرُ رَأْسُهُ مَاءً.
وَاضِعا يَدَيْهِ عَلَى مَنْكِبَيْ رَجُلَيْنِ.
وَهُوَ بَيْنَهُمَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ.
فَقُلْتُ: مَنْ هٰذَا؟ فَقَالُوا: هَذَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ.
وَرَأَيْتُ وَرَاءَهُ رَجُلاً جَعْدا قَطَطا.
أَعْوَرَ العَيْنِ الْيُمْنَىٰ.
كَأَشْبَهِ مَنْ رَأَيْتُ مِنَ النَّاسِ بِابْنِ قَطَنٍ.
وَاضِعا يَدَيْهِ عَلَى مَنْكِبَيْ رَجُلَيْنِ.
يَطُوفُ بِالْبَيْتِ.
فَقُلْتُ: مَنْ هٰذَا؟ قَالُوا: هٰذَا الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ".
 
ترجمة رواة الأحاديث:
• الحديث الأول والثاني راويهما ابن عباس تقدمت ترجمته في الحديث السابع من كتاب الإيمان.
• والذي يليه جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وتقدمت ترجمته في الحديث الخامس من كتاب الإيمان.
• والذي يليه أبو هريرة رضي الله عنه، وتقدمت ترجمته في الحديث الأول من كتاب الإيمان.
• والذي يليه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وتقدمت ترجمته في الحديث السادس من كتاب الإيمان.
 
تخريج الأحاديث:
• حديث ابن عباس الأول رضي الله عنهما الأول أخرجه مسلم، حديث (165)، وأخرجه البخاري في " كتاب بدء الخلق " " باب إذا قال أحدكم آمين والملائكة في السماء فوافقت إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه" حديث (3239).
• وأما حديث ابن عباس الثاني فأخرجه مسلم حديث (166)، وانفرد به عن البخاري، وأخرجه ابن ماجه في " كتاب المناسك" " باب الحج على الرجل" حديث (2891)
• وأما حديث جابر رضي الله عنه فأخرجه مسلم، حديث (167)، وانفرد به عن البخاري، وأخرجه الترمذي في " كتاب المناقب " " باب في صفة النبي صلى الله عليه وسلم " حديث (3649).
• وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه، فأخرجه مسلم حديث (168)، وأخرجه البخاري في " كتاب أحاديث الأنبياء" "باب قول الله تعالى: ﴿ وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى ﴾...
﴿ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ﴾"، حديث(3394)، وأخرجه الترمذي في " كتاب التفسير" " باب ومن سورة بني إسرائيل" حديث (3130).
• وأما حديث ابن عمر رضي الله عنهما فأخرجه مسلم حديث (169)، وأخرجه البخاري في " كتاب اللباس " " باب الجعد" حديث (5902).
 
شرح ألفاظ الأحاديث:
• (رَجُلٌ آدَمُ): الأدمة في الإنسان هي السمرة.
• (طُوَالٌ): بضم الطاء وتخفيف الواو أي طويل.
• (جَعْدٌ): الجعد قد تطلق على جعد الجسم، وجعد الشعر، فجعودة الجسم اجتماعه واكتنازه، وجعودة الشعر هي القطط أو بين القطط والسبط، والقطط هو الشديد الجعودة الذي إذا قبض امتد، والأقرب أنه بين القطط والسبط ويشهد له حديث أبي هريرة رضي الله عنه وابن عمر رضي الله عنهما أنه عليه السلام "رَجِلُ الشَّعَرِ".
• (مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ): قال النووي رحمه الله: " هي قبيلة معروفة...
قال الجوهري: الشنوءة التقزز وهو التباعد عن الأدناس، ومنه أزد شنوءة، وهو حي من اليمن" [المرجع السابق، وانظر المفهم (1/ 397)].
وكأن وجه الشبه بين موسى عليه السلام ورجال شنوءة ما بدا عليه من الاعتزاز والترفع عن الأدناس والله أعلم.
• (مَرْبُوعَ الْخَلْقِ): قال النووي رحمه الله:" قال أهل اللغة هو الرجل بين الرجلين في القامة، ليس بالطويل البائن ولا بالقصير الحقير" [المرجع السابق].
• (سَبِطَ الرَّأْسِ): قال النووي رحمه الله:" السبط بفتح الباء وكسرها لغتان مشهورتان، ويجوز إسكان الباء مع كسر السين وفتحها على التخفيف...
قال أهل اللغة: الشعر السبط المسترسل ليس فيه تكسر" [المرجع السابق].
• (عِيسىٰ جَعْدٌ مَرْبُوعٌ): قال النووي رحمه الله:" وأما قوله صلى الله عليه وسلم في عيسى أنه جعد، ووقع في أكثر الروايات في صفته سبط الرأس، فقال العلماء: المراد بالجعد هنا الجسم، وهو اجتماعه واكتنازه، وليس المراد جعودة الشعر" [المرجع السابق].
• (فَلاَ تَكُنْ فِي مِرْيَةً مِنْ لِقَائِهِ): قال النووي رحمه الله:" هو من استدلال بعض الرواة، وأما تفسير قتادة فقد وافقه عليه جماعة، منهم مجاهد والكلبي والسدي، وعلى مذهبهم معناه: فلا تكن في شك من لقائك موسى، وذهب كثيرون من المحققين من المفسرين وأصحاب المعاني إلى أن معناها: فلا تكن في شك من لقاء موسى الكتاب، وهذا مذهب ابن عباس ومقاتل والزجاج وغيرهم" [شرح النووي لمسلم (2/ 398)].
وكثير من المفسرين على أن المراد لقاء موسى ليلة المعراج] انظر تفسير الطبري (20/ 194) والقرطبي (14/ 108) وابن كثير (5/ 28) والبغوي 6/ 308)]
• (وَادِي الأَزْرَقِ): وادٍ خلف أمَج، بينه وبين مكة ميل، وأمج قرية ذات مزارع هناك.
• (لَهُ جُؤَارٌ إِلَى الله بِالتَّلْبِيَةِ): قال القرطبي رحمه الله:" (الجؤار) رفع الصوت وهو مهموز ومنه قوله تعالى: ﴿ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ ﴾ (النحل:53)" [المفهم (1/ 396)].
• (أَتَيْنَا عَلَى ثَنِيَّةٍ): الثنية هي العقبة أو طريقها أو الجبل.
• (هَرْشَىٰ): أي أنها ثنية هرشى، بفتح الهاء وإسكان الراء، وهو جبل على طريق الشام والمدينة قريب من الجحفة.
• (خِطَامُ نَاقَتِهِ): الخطام بكسر الخاء هو الحبل الذي يقاد به البعير يجعل على خطمه.
[ انظر المرجع السابق].
• (خُلْبَةٌ): بضم الخاء وفي اللام لغتان الضم والإسكان، وهي الليف.
[ المرجع السابق، وانظر المفهم (1/ 397)].
• (ضَرْبٌ مِنَ الرِّجَالِ): قال القرطبي رحمه الله:" (ضَرْبٌ مِنَ الرِّجَالِ) الذي له جسم بين جسمين ليس بالضخم ولا الضئيل"[ المفهم (1/ 397)].
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه في صفة موسى عليه السلام " رَجُلٌ مُضْطَرِبٌ" والمضطرب هو الطويل غير الشديد، ضعف القاضي عياض رحمه الله رواية " مُضْطَرِبٌ " لمخالفتها رواية "ضَرْبٌ"، قال النووي رحمه الله عن تضعيف القاضي لرواية " مُضْطَرِبٌ ": " لا يوافق عليه، فإنه لا مخالفة بينهما، فقد قال أهل اللغة: الضرب هو الرجل الخفيف اللحم" [شرح مسلم (2/ 401)].
• (أَحْمَرُ كَأَنَّمَا خَرَجَ مِنْ دِيمَاسٍ): الديماس فسره الراوي بالحمام، وقال الجوهري: قوله" خَرَجَ مِنْ دِيمَاسٍ" يعني في نضارته وكثرة ماء وجهه.
جاء وصف عيسى عليه السلام هنا بأنه أحمر، وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما بعده بأنه آدم أي أسمر فكيف الجمع بينهما؟
قال النووي رحمه الله بعدما ذكر رواية أنه أحمر:" ووصفه في رواية ابن عمر رضي الله عنهما بأنه آدم، والآدم الأسمر، وقد روى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه أنكر رواية أحمر، وحلف أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقله، يعني وأنه اشتبه على الراوي، فيجوز أن يتأول الأحمر على الآدم، ولا يكون حقيقة الأدمة والحمرة، بل ما قاربهما" [شرح مسلم (2/ 401)].
قال القرطبي رحمه الله:" كأن الأدمة يسير سواد يضرب إلى الحمرة، وهو غالب ألوان العرب، ولهذا جاء في أخرى في وصف عيسى عليه السلام "إنه أحمر" مكان "آدم" وعلى هذا يجتمع ما في الروايتين" [المفهم (1/ 400)].
قال ابن حجر رحمه الله:" فيمكن أن تكون أدمته صافية ولا ينافي أن يوصف مع ذلك بالحمرة لأن كثيراً من الأدم قد تحمر وجنته" [الفتح (13/ 97)]
• (عِنْدَ الْكَثِيبِ الأَحْمَرِ): الكثيب الرمل المجتمع.
[الفتح (6/ 444)].
• (عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ): أي ذهب ضوؤها.
• (تَضْرِبُ لِمَّتُهُ): اللمة هو الشعر المتدلي الذي جاوز شحمة الأذنين.
[شرح النووي (2/ 402)].
• (رَجِلُ الشَّعَرِ): أي سرح شعره بمشط مع ماء وغيره.
[المرجع السابق] والرجل فوق السبط ودون الجعد.
[المفهم (1/ 400)].
• (جَعْدا قَطَطا): هذا في وصف الدجال والقطط شديد الجعودة، وهو القصير المتردد.
[شرح مسلم للنووي (2/ 403)].
 
من فوائد الأحاديث:
الفائدة الأولى: الأحاديث دليل على فضل وعلو مرتبة النبي صلى الله عليه وسلم حيث عرض عليه بعض الأنبياء والملائكة.
الفائدة الثانية: الأحاديث فيها إثبات صفة موسى وصفة عيسى عليهما السلام الخَلقْية وتقدم بيان معاني الصفات في شرح ألفاظ الحديث، وتحصل منها:
أن موسى عليه السلام: رجل فيه سمرة، طويل جعد الشعر، ليس بالضخم ولا الضئيل رجل ضرب كأنه من رجال شنوءة.
وأن عيسى عليه السلام: رجل فيه سمرة وحمرة، مربوع ليس بالطويل ولا بالقصير، جعد الجسم، سبط الرأس، تضرب لمته بين منكبيه، أقرب الناس به شبها عروة بن مسعود رضي الله عنه.
الفائدة الثالثة: الأحاديث فيها إثبات لرؤية النبي صلى الله عليه وسلم، جبريل عليه السلام وأقرب الناس به شبهاً دحية بن خليفة رضي الله عنه، ومالك خازن النار، وفيه ذكر الملك ووظيفته.
 
الفائدة الرابعة: الأحاديث فيها إثبات شبه النبي صلى الله عليه وسلم بأبينا إبراهيم عليه السلام.
الفائدة الخامسة: حديث أبي هريرة رضي الله عنه دليل على أن الخمر سبب من أسباب الغواية والهلاك، قال ابن حجر رحمه الله:" ويؤخذ من قول جبريل عليه السلام (غَوَتْ أُمَّتُكَ) أن الخمر ينشأ عنها الغي ولا يختص ذلك بقدر معين" [الفتح (11/ 74)].
 
الفائدة السادسة: حديث ابن عباس رضي الله عنهما دليل على فضل التلبية واستحباب رفع الصوت بها.
الفائدة السابعة: حديث ابن عمر رضي الله عنهما فيه إثبات المسيح الدجال وتقدم قريباً الكلام عن صفاته، وجاء في حديث الباب أنه أعور العين اليمنى كأن عينه عنبة طافية، شديد جعودة الشعر، أشبه الناس به ابن قطن، ولم يذكر الرواة اسم ابن قطن وكذا كثير من الشراح وهي العادة في استحسان الإبهام في مثل هذه المواطن.
 
فإن قيل في الحديث أنه رأى الدجال يطوف بالبيت، فكيف الجمع بينه وبين الأحاديث الدالة على أن الدجال ممنوع من دخول مكة والمدينة؟
قال شيخنا ابن عثيمين رحمه الله:" الجواب على ذلك من وجهين:
الوجه الأول: أن المسيح الدجال لا يدخل مكة ولا المدينة إذا أرسل وبعث، أما قبل ذلك فقد يكون.
الوجه الثاني: أن يقال الرؤيا - وإن كانت حقاً إذا كانت من الأنبياء - لكنها ليست كاليقظة، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه في المنام ولا يمكن أن يراه في اليقظة" [التعليق على مسلم (1/ 569)].
 
الفائدة الثامنة: حديث ابن عمر رضي الله عنهما فيه إثبات صفات الكمال لله تعالى، واستدل أهل السنة بهذا الحديث على أن الله جل وعلا له عينان اثنتان وليس له أكثر من ذلك، لأنه لو كان له أكثر من ذلك لبينه النبي صلى الله عليه وسلم في المفارقة كما بيَّن أنه ليس أعور.
 
الفائدة التاسعة: الأحاديث فيها عبادة الأنبياء وأن النبي صلى الله عليه وسلم رآهم يتعبدون، حيث رأى موسى عليه السلام يصلي عند الكثيب الأحمر، ورأى موسى ويونس عليهما السلام يلبيان، فإن قيل كيف يصلون ويحجون ويلبون وهم في الدار الآخرة التي ليست دار عمل؟
فالجواب: أن العلماء أجابوا على هذا من عدة أوجه:
الوجه الأول: أنهم كالشهداء، بل هم أفضل، والشهداء أحياء عند ربهم، فلا يبعد أن يحجوا ويصلوا ويتقربوا إلى الله بما استطاعوا
وقيل وهو الوجه الثاني: أن عمل الآخرة ذكر ودعاء، قال تعالى: ﴿ دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ ﴾ [يونس:10].
والوجه الثالث: أن هذه رؤية منام في غير ليلة الإسراء، أو في بعض ليلة الإسراء، كما في رواية ابن عمر رضي الله عنهما:" بينا أنا نائم رأيتني أطوف بالكعبة " وفي رواية" أَرَانِي اللَّيْلَةَ فِي الْمَنَامِ عِنْدَ الْكَعْبَةِ"
والوجه الرابع: أنه صلى الله عليه وسلم أري أحوالهم التي كانت في حياتهم، ومثلوا له في حال حياتهم كيف كانوا، وكيف حجهم وتلبيتهم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:" كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مُوسَىٰ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى عِيسَى، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى يُونس" عليهم السلام.
والوجه الخامس: أن يكون قوله صلى الله عليه وسلم خبر عما أوحي إليه صلى الله عليه وسلم من أمرهم وما كان منهم، وإن لم يرهم رؤيا عين" [شرح النووي لمسلم (2/ 399)].
 
مستلة من إبهاج المسلم بشرح صحيح مسلم (كتاب الإيمان)

شارك الخبر

المرئيات-١