أرشيف المقالات

{ولا تتبعوا من دونه أولياء}.. {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون}

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
﴿ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ﴾ [الأعراف: 3]
﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾ [يوسف: 106]

 
تطالعنا يوميًّا وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي بأخبار تهز وجدان البشرية، وتقشعر منها جلود الذين آمنوا، فهذا يذبح الفتاة ذبح الخراف أمام أبواب الجامعة، وفي جمع غفير من الناس، مستعرضًا مهاراته البهلوانية التي يقلد فيها أحد ما يسمى بالفنانين المشهورين، وهذا يقتل زوجته وأولاده، وهذه تقتل زوجها، وأخرى تقتل أبناءها، وهذا يقتل آباءه، وآخر يسرق أموال البنك ويهربها ويهرب بها إلى الخارج.
 
إنها شهوات الجنس والشهرة، والمال والسلطان، وغيرها من الشهوات الطينية الحيوانية التي يزينها شياطين الإنس والجن للبشرية، ويخرجها عن إنسانيتها وتكريم خالقها لها.
 
﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴾ [الإسراء: 70].
 
ولكن الإنسان يرتكس بسلوكياته الحيوانية إلى الحضيض، إن المجتمعات التي تسود فيها القيم والأخلاق والنزعات الحيوانية، لا يمكن أن تكون مجتمعات متحضرة، مهما تبلغ من التقدم الصناعي والاقتصادي والعلمي.
 
ففي المجتمعات التي تسمى "الحديثة" ينحسر المفهوم الأخلاقي؛ بحيث يتخلى عن كل ما له علاقة بالتميز الإنساني عن الحيوان، ففي هذه المجتمعات لا تعتبر العلاقات الجنسية غير الشرعية - ولا حتى العلاقات الجنسية الشاذة - رذيلة أخلاقية، والكتاب والصحفيون والروائيون وكل أجهزة التوجيه والإعلام في هذه المجتمعات تقولها صريحة للفتيات والزوجات والفتيان والشبان: إن الاتصالات الجنسية الحرة ليست رذائل أخلاقية!
 
مثل هذه المجتمعات مجتمعات متخلفة غير متحضرة من وجهة النظر الإنسانية، وبمقياس خط التقدم الإنساني، وهي كذلك غير إسلامية؛ لأن خط الإسلام هو خط تحرير الإنسان من شهواته، وتنمية خصائصه الإنسانية، وتغلبها على نزعاته الحيوانية.
 
إن شباب المسلمين ينبهرون بسلوكيات هذه المجتمعات ويتبعونهم في ذلك.
 
فعلى كل كاتب أو صحفي، أو روائي أو إعلامي، أو من يدَّعي الفن والتحضر أن يتقوا الله في أبناء وشباب العالم والأوطان والبشرية جميعًا، ولا يكونوا عونًا للشيطان لتدمير الإنسانية.
فالقضية في صميمها هي قضية الاتباع.
 
أصبح أهل الإسلام يلهثون وراء الغرب الكافر يقلدونهم في كل شيء، ولا يعبؤون إن كان هذا الشيء محرمًا أم لا، وكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيٌّ بيننا يصف ما تحياه الأمة وصفًا دقيقًا معبرًا.
 
فعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لتتبعُنَّ سَننَ مَن كان قبلكم شبرًا بشبر، وذراعًا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضبٍّ تبعتموهم))؛ [البخاري].
هذه هي قضية هذا الدين الأساسية.
إنه إما اتباع لما أنزل الله فهو الإسلام لله، والاعتراف له بالربوبية، وإفراده بالحاكمية التي تأمر فتُطاع، ويتبع أمرها ونهيها دون سواه.
 
لقد جاء هذا الدين ليغير وجه العالم، وليقيم عالمًا آخر، يقر فيه منهج الله وحده، ويُبطل سلطان الشياطين، عالمًا يُعبَد فيه الله وحده، ولا يعبد معه أحد من العبيد، عالمًا يُولَد فيه الإنسان الحر الكريم النظيف، المتحرر من شهوته وهواه، تحرره من العبودية لغير الله.
 
﴿ اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [الأعراف: 3].
 
وإما اتباع للأولياء من دونه فهو الشرك، وهو رفض الاعتراف لله بالربوبية الخالصة، وكيف والحاكمية ليست خالصة له سبحانه؟!
 
والواجب على المسلم أن يلتزم شرع الله تعالى، وأن يتبع سبيل المؤمنين، ويترك مشابهة الكافرين، وأن يعلن الولاء للإسلام وأهله، وأن يتبرأ من الكفر وأهله.
 
وقد نهانا الله أن نقع في هذا الشرك؛ شرك في الدينونة لقوة غير قوة الله، شرك في رجاء يتعلق بغير الله من عباده على الإطلاق، شرك في تضحية يشوبها التطلع إلى تقدير الناس، شرك في جهاد لتحقيق نفع أو دفع ضر ولكن لغير الله، شرك في عبادة يلحظ فيها وجه مع وجه الله؛ لذلك يقول رسول الله: ((الشرك أخفى في أمتي من دبيب النمل على الصَّفا في الليلة الظلماء، وأدناه أن تحب على شيء من الجور، أو تبغض على شيء من العدل، وهل الدين إلا الحب في الله، والبغض في الله؟ قال الله تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ﴾ [آل عمران: 31]))؛ [الجامع الصغير].
 
وهناك من يقع في الشرك الواضح الظاهر، وهو الدينونة لغير الله في شأن من شؤون الحياة، أو في تقليد من التقاليد كاتخاذ أعياد ومواسم يشرعها الناس ولم يشرعها الله، أو زيٍّ من الأزياء يخالف ما أمر الله به من الستر، ويكشف أو يحدد العورات التي نصت شريعة الله أن تستر، هذا أمر خطير.
 
ومن ثم يقول الله: ﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾ [يوسف: 106].
فالخوف علينا أن نقع في ذلك.
 
فالإيمان الخالص يحتاج إلى يقظة دائمة تنفي عن القلب أولًا بأول كل خالجة شيطانية.
 
نحن نحتاج إلى يقظة في تصوراتنا وأفكارنا، وقيمنا وأخلاقنا، وعاداتنا وتقاليدنا، ونظمنا وأوضاعنا، واجتماعنا واقتصادنا، وروابطنا بالله، وبالكون، وبالناس؛ لتكون محققة لقول الله: ﴿ اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [الأعراف: 3].
 
فعلى الجميع تقوى الله واتباع منهجه؛ لإنقاذ أنفسنا وأولادنا وبلادنا والبشرية جميعها من عبث شياطين الإنس والجن، الذين يسعَون في الأرض فسادًا، تحت مسميات "التحضر، والفن، والإنسانية، والحرية، والمساواة"، بل ويقولون: إنهم هم المصلحون.
 
﴿ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [البقرة: 12].
 
أيها المسلم قل موقنًا بالله:
﴿ إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ ﴾ [الأعراف: 196].
 
إن المؤمن بالله - في كل زمان وفي كل مكان - لن يبلغ شيئًا إلا بمثل هذه الثقة، وإلا بمثل هذه العزيمة، وإلا بمثل ذلك اليقين.

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢