أرشيف المقالات

كل حديث في صحيح البخاري معروف بين المحدثين السابقين للبخاري

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
سلسلة الردّ المجمل على الطاعنين في أحاديث صحيح البخاري (1)
كلُّ حديثٍ في صحيح البخاري معروفٌ بين المحدثين السابقين للبخاري
 

يدعي بعض الطاعنين في أحاديث صحيح البخاري أنَّ الأمة قبل مجيء الإمام البخاري كانت لا تملك غير نُسخٍ من القرآن الكريم، ثم إنَّ البخاري ابتدع لهم هذه الأحاديث التي لا يعرفون مصدرها، وصَرَّح أحدهم بأن صحيح البخاري أكبر بدعةٍ في تاريخ الإسلام، وهذه الشبهة السخيفة لا يمكن أن يصدقها عاقل يحترم نفسه، فتوجد كتب حديث من قبل أن يولد البخاري عام 194هـ، فكيف يكون هو أول من كتب الحديث؟!
 
ألا يعلم هؤلاء المفترون أنَّ تدوين السنة قد بدأ في زمنه صلى الله عليه وسلم، فقد دَوَّنَ بعض الصحابة بعض الأحاديث، ومن هؤلاء: عبد الله بن عمرو بن العاص، وسمرة بن جندب، وابن عباس، وأنس بن مالك، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالكتابة لبعض الوفود، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (اكْتُبُوا لِأَبِي شَاهٍ).
رواه البخاري (2434)، ومسلم (1355).
 
وممن كتب بعض الأحاديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال البخاري رحمه الله: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: ((مَا عِنْدَنَا شَيْءٌ إِلَّا كِتَابُ اللهِ وَهَذِهِ الصَّحِيفَةُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَائِرٍ إِلَى كَذَا، مَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ، وَقَالَ: ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ، فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ، وَمَنْ تَوَلَّى قَوْمًا بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ)).
رواه البخاري (1870) ومسلم (1370).
 
وتتابع العلماء على كتابة السنة النبوية، وكان أشهر تدوين رسمي للسنة بإشراف الخليفة عمر بن عبد العزيز وواليه على المدينة النبوية أبي بكر بن حزم رحمهما الله، وممن تولى شرف هذه المهمة العظيمة حينها الإمام الزهري رحمه الله.
 
وممن كان لهم شرف تدوين السنة قبل أن يولد البخاري:
همام بن منبه اليماني المتوفى سنة (131هـ)، وابن جريج المتوفى سنة (150هـ)، ومعمر بن راشد البصري المتوفى سنة (153هـ)، وسعيد بن أبي عروبة المتوفى سنة (156هـ)، والربيع بن صبيح المتوفى سنة (160هـ)، وحماد بن سلمة المتوفى سنة (176هـ)، ومالك بن أنس المتوفى سنة (179هـ)، وعبد الله بن المبارك المتوفى سنة (181هـ)، وغيرهم رحمهم الله ممن دونوا الحديث النبوي.
 
وهناك بحوثٌ عديدةٌ أثبتت كتابة الصحابة والتابعين وتابعيهم للسنة النبوية، مثل رسالة الدكتوراه (دراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه) للدكتور محمد مصطفى الأعظمي، ورسالة الدكتوراه (إحكام الذريعة إلى أحكام الشريعة للحافظ السرمري الحنبلي، مع دراسة لمراحل تدوين السنة) للدكتور حاكم المطيري.
 
فالبخاري لم يكن أول من كَتَبَ وصَنَّفَ في الحديث النبوي، لكنه أول من جمع أصح الأحاديث في كتاب، فتميّز كتابه بأنه أنقى كتب الحديث وأصحِّها، فالأمّة لم تنتظر البخاري حتى يجمع السنة، بل جمعتها حفظاً في الصدور وفي السطور من وقت الصحابة، واستمرت كتابة الحديث وروايته مع امتداد العصر الإسلامي، وتولَّى هذا الجمع كبار الأمة في جميع أقطار العالم الإسلامي، من طبقة شيوخ البخاري، وشيوخ شيوخه، وشيوخ شيوخ شيوخ البخاري.
 
وهذه قائمةٌ بكتب الحديث القديمة جداً المطبوعة التي دُوِنَتْ في القرن الثاني الهجري قبل أن يولد البخاري:
1- صحيفة همام بن منبه اليماني، المتوفى في صنعاء سنة (131هـ)، وعدد أحاديث هذه الصحيفة (138) حديثاً، يرويها همام مباشرة عن شيخه الصحابي أبي هريرة رضي الله عنه بلا واسطة.
2- جامع معمر بن راشد البصري ثم الصنعاني، المتوفى في صنعاء سنة (153هـ)، وعدد أحاديثه (1645).
3- موطأ مالك بن أنس اﻷصبحي الحميري ثم المدني، المتوفى في المدينة النبوية سنة (179هـ)، وعدد أحاديث الموطأ (3000) تقريباً، مع اﻵثار عن الصحابة والتابعين.
4- مسند عبد الله بن المبارك التركي ثم المروزي، المتوفى سنة (181هـ)، وعدد أحاديث مسنده (272).
5- جامع عبد الله بن وهب المصري، المتوفى سنة (197هـ)، فيه أحاديث نبوية وآثار عن الصحابة والتابعين عددها (717) حديثاً وأثراً.
 
ويوجد غير هذه الكتب، وهذه كلها موجودة إلى يومنا هذا، وهي مطبوعة ومتداولة بحمد الله.
ثم جاء بعد هؤلاء أئمة آخرون من علماء الحديث؛ كالشافعي، وأبي داود الطيالسي، وعبد الرزاق الصنعاني؛ وكل واحد من هؤلاء لهم كتب مطبوعة في زماننا، تجد فيها نفس الأحاديث التي رواها همام ومعمر ومالك وابن المبارك وابن وهب وغيرهم.
 
ثم جاء بعدهم أحمد بن حنبل والبخاري ومسلم والترمذي وأبو داود وابن ماجه والنسائي، وصنفوا كتبهم العظيمة المشهورة التي جمعوا فيها كل اﻷحاديث التي يرويها شيوخهم عن مشايخهم عن التابعين عن الصحابة، ورووا كل ذلك بأسانيدهم المعروفة.
ويلاحظ قارئ كتب الحديث أنه يجد مثلاً حديثاً رواه البخاري في كتابه الصحيح، ويجد نفس الحديث في كتاب أحمد بن حنبل وعبد الرزاق الصنعاني، ويجده أيضاً في كتاب الشافعي والطيالسي، ويجده أيضاً في موطأ مالك.

شارك الخبر

المرئيات-١