خارطة المخاوف الصهيونية في سوريا تتسع
مدة
قراءة المادة :
12 دقائق
.
على الرغم من أن قلة فقط اهتموا بما جاء في الكلمة التي ألقها بني غانز، رئيس هيئة أركان الجيش الصهيوني أمام مؤتمر "مركز أبحاث الأمن القومي"، إلا أن نظرة متفحصة تدلل على أنها تضمنت وصفاً لخارطة المخاوف "الإسرائيلية" مما يحدث في سوريا .
ولقد كان من اللافت جداً أن غانز أقر بأن كل السيناريوهات التي ستنتهي إليها الأحداث في سوريا ستكون مؤلمة للكيان الصهيوني.
لكنه أوضح بشكل لا يقبل التأويل أن أكثر ما يثير إحباطه هو تعاظم دور الحركات الجهادية في سوريا، رغم الحديث عن الخلافات والاقتتال بينها، حيث أنه بات في حكم المؤكد أن عقارب الساعة لن تعود للوراء، بحيث أن الأيام لن تشهد إلا اقتراب الخطر لحدود "إسرائيل" مع سوريا، التي كانت هادئة ووادعة لأكثر من 40 عاماً.
ساحة انطلاق للعمليات: اللافت أن مراكز التفكير في الكيان الصهيوني باتت تعتني كثيراً بدراسة الواقع في سوريا وترسم سيناريوهات بشأنه.
وفي هذا الإطار يمكن الإشارة لدراسة أعدها "مركز بيغن السادات للدراسات الاستراتيجية"، التابعة لجامعة "بارإيلان"، حيث توقعت الدراسة أن تتحول سوريا إلى ساحة مهمة لانطلاق عناصر الحركات الجهادية في طريقهم لتنفيذ عمليات ضد إسرائيل، في حال سقط نظام الأسد.
وأشارت الورقة التي أعدها الجنرال شاؤول شاي إلى أن تواجد "الجهاديين" في كل من سوريا والعراق ولبنان سيمثل تهديداً لا يقل خطورة عن تهديد البرنامج النووي الإيراني، واصفة التهديد الجديد بـ "الهلال السلفي"، نظراً للزيادة الكبيرة على أنشطة الحركات التي تتبنى منطلقات السلفية الجهادية في كل من سوريا والعراق ولبنان.
وتوقعت الورقة التي نشرت على موقع المركز أن تحرص "الحركات الجهادية" على بناء قواعد عسكرية ومعسكرات تدريب في سوريا، مما سيزيد من فاعلية أنشطة الجهاديين في مناطق أخرى، سيما في سيناء، مما يعني فتح جبهة جديدة على الحدود الجنوبية لإسرائيل.
وبخلاف رأي دوائر صنع القرار في تل أبيب، فأن الورقة تنتقد تركيز إسرائيل على البرنامج النووي الإيراني، داعية إلى بلورة استراتيجية للتعامل مع الحركات الجهادية تقلص من قدرتها على استهداف إسرائيل مستقبلاً في حال سقط نظام الأسد.
وحدة هدف ومصالح مع حزب الله: اللافت أن الصهاينة باتوا يدركون أن أهم شريك لهم في الحرب ضد الحركات الجهادية هو حزب الله، وهذا ما بات تعبر عنه النخبة الصهيونية بشكل واضح وبدون مواربة.
فالمعلق الصهيوني آفي سيخاروف، معلق الشؤون العربية في موقع "وللا" الإخباري يشير إلى أن التقاء مصالح بين إسرائيل وحزب الله في مواجهة الحركات الجهادية العاملة في كل من سوريا ولبنان، بات أمراً واضحاً ومفهوماً.
ولكي يدلل على مظاهر التقاء المصالح بين حزب الله وإسرائيل، يكشف سيخاروف النقاب عن أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تملك معلومات حول محاولات لنشطاء الحركات الجهادية في لبنان ضرب أهداف لكل من إسرائيل وحزب الله.
ونوه سسيخاروف إلى أنه حسب هذه المعلومات، فأن الحركات الجهادية العاملة في سوريا تقوم بتزويد "مجموعات جهادية" في لبنان بالأسلحة والصواريخ لكي تستخدم ضد أهداف حزب الله و"إسرائيل".
وحسب سيخاروف، فإن المحافل الأمنية "الإسرائيلية" ترى إنه على الرغم من أن المجموعات الجهادية العاملة في لبنان توجه جل أنشطتها حالياً ضد حزب الله، إلا أنه من غير المستبعد أن تتحول لتوجيه كل طاقتها ضد إسرائيل مستقبلاً.
وفيما يمثل دفاعاً صهيونياً عن حزب الله وتبرئة له، حذرت المحافل من أن "الجهاديين" قد يحاولون توريط حزب الله في مواجهة مع إسرائيل من خلال إطلاق الصواريخ على إسرائيل من جنوب لبنان، مستدركاً أن كلاً من حزب الله وإسرائيل غير معنيين بهذه المواجهة.
يستميتون من أجل الإبقاء على الأسد: في ظل هذا الواقع، فأنه لا خلاف داخل إسرائيل على أن أهم وأفضل سيناريو يضمن تحقيق المصالح الصهيونية هو الإبقاء على نظام الأسد في الحكم، مع العلم أن هناك إجماع بين النخب الأمنية والسياسية على أهمية بقاء هذا النظام، وهذا الموقف يتفق مع مصالح الولايات المتحدة.
ومن المفارقة، أنه في الوقت الذي يتحدث فيه وزير الخارجية الأمريكي جون كيري عن ضرورة إخراج بشار الأسد من المشهد السياسي، فأنهم في "إسرائيل" واثقون أن الولايات المتحدة ستحرص تحديداً على الإبقاء على هذا النظام، خدمة للمصالح الصهيونية.
وهذا ما يوضحه يرون فريدمان، رئيس قسم الدراسات الشرقية في جامعة "تل أبيب"، الذي يرى أن أن حرص الولايات المتحدة على مصالح "إسرائيل" سيدفعها لعدم التحرك بشكل فعلي لإسقاط نظام الأسد، على اعتبار أن إسقاطه يعني تمكين الحركات الإسلامية "المتطرفة" من السيطرة على سوريا، مما يشكل تهديداً مباشراً للأمن "الإسرائيلي".
وفي مقال نشرته النسخة العبرية لموقع صحيفة "يديعوت أحرنوت" يوضح فريدمان أن تحول "الإسلاميين المتطرفين إلى رأس الحربة" في مواجهة النظام، حول الأسد إلى الخيار الأقل سوءاً في نظر الغرب وإسرائيل".
وقد وصلت الأمور إلى حد أن المعلق الصهيوني البارز بن كاسبيت يجزم بأن "إسرائيل" باتت تنظر إلى نظام الأسد كـ "ذخر إستراتيجي من الطراز الأول".
وحسب كاسبيت، فإن دوائر صنع القرار في تل أبيب باتت ترى إن بقاء نظام الأسد يمنع تحول سوريا إلى ساحة لانطلاق العمليات العسكرية ضد "إسرائيل"، مشيراً إلى أن سقوط نظام الأسد يعني تفرغ عناصر الحركات الجهادية للانشغال في تخطيط وتنفيذ العمليات ضد "إسرائيل".
وفي مقال نشره موقع "يسرائيل بلاس"، نوه كاسبيت إلى أن الانطباع السائد لدى دوائر صنع القرار في "إسرائيل" أنه لا يمكن مراكمة الردع في مواجهة الحركات الجهادية، التي لا تملك مؤسسات دولة، وبالتالي لا يمكن لإسرائيل ردعها عبر ضرب مؤسساتها.
ويلفت كاسبيت الأنظار إلى تحول مهم في المنطق الإستراتيجي الصهيوني، حيث أنه يؤكد أن "إسرائيل" لم تعد تخشى"محور الشر الشيعي"، الذي ضم كلاً من إيران وسوريا وحزب الله، والذي كان يمثل تهديداً لإسرائيل"، حيث أنها ترى أن هذا المحور لم يعد قائماً.
ولكي يدلل على صدقية حسابات الكيان الصهيوني، يشير كاسبيت إلى أن سوريا كدولة وجيش قد "تبخرت تقريباً"، ولم تعد ذات صلة بميزان القوى، في حين طرأ ضعف كبير على حزب الله من ناحية عسكرية وسياسية، مشيراً إلى أن قوة الحزب استنزفت إلى حد كبير بسبب دوره في الحرب الدائرة في سوريا.
وفي سياق متصل، وفيما يمثل أوضح مثال على تراجع الخطر الذي يمثله الجيش السوري على "إسرائيل"، كشف النقاب في تل أبيب أن الجيش قرر نقل الفرقة المدرعة "36"، والتي يطلق عليها "جاعش"، من هضبة الجولان إلى قلب "إسرائيل، مع العلم أن هذه الفرقة تمركزت في الهضبة منذ العام 1973 وحتى الآن.
وذكرت إذاعة الجيش الإسرائيلي أن قيادة الجيش باتت تدرك أنه لا يوجد أدنى خطر أن تفاجأ إسرائيل من ناحية هضبة الجولان عبر استخدام المدرعات، بعد أن شارف الجيش السوري على التفكك وتراجعت قوته إلى حد كبير.
وأشارت الإذاعة إلى أن قيادة الجيش قررت في المقابل جلب فرقة عسكرية من المشاة متخصصة في تأمين الحدود ومنع عمليات التسلل، في مؤشر على تعاظم مخاطر مثل هذه العمليات في المستقبل.
حزام أمني برعاية عربية: لا تكتفي إسرائيل بالتحذيرات، بل تعكف على العمل وإعداد البدائل من أجل تقليص مصادر الخطر المنبعثة من سوريا، بالتعاون مع أطراف عربية، سيما الأردن.
فقد أبدت إسرائيل ارتياحها الكبير تجاه دور الأردن في منع انتقال الحركات الجهادية للتمركز في جنوب سوريا، مما حافظ على الأوضاع الأمنية شبه هادئة في هضبة الجولان.
ونقلت قناة التلفزة "الإسرائيلية" الثانية عن مصادر رسمية في تل أبيب قولها إن التعاون الذي أبداه الأردن نجح في عدم تمكن الحركات الجهادية من إيجاد قواعد في جنوب سوريا يمكن أن تستخدم مستقبلاً في الانطلاق لتنفيذ عمليات ضد قوات جيش الاحتلال المتمركزة في هضبة الجولان.
وأوضحت المصادر أنه لو تواجد عناصر الحركات الجهادية في جنوب سوريا كما هو الحال في شمالها فإن الواقع الأمني سيكون مختلفاً عما هو عليه الآن.
ويذكر أن ألوف بن محرر صحيفة "هارتس" قد كشف النقاب في تقرير نشره في الصحيفة بتاريخ 15-4-2013 النقاب عن أن كلاً من "إسرائيل" والأردن والولايات المتحدة بحثا سبل إقامة حزام أمني على طول الحدود بين الجولان السوري والجولان المحتل، بحيث يتولى الأردن توظيف علاقاته مع مجموعات من الثوار لإبعاد الحركات الجهادية عن الحدود مع "إسرائيل".
وفي ذات السياق، أكد يهود يعاري، معلق الشؤون العربية في قناة التلفزة الإسرائيلية الثانية أن لإسرائيل مصلحة واضحة في عدم تمكين الحركات الجهادية، سيما "جبهة النصرة" من الحصول على موضع قدم لها على الحدود.
ونقل موقع "جيروسلم بوست" عن يعاري قوله إن إسرائيل تقدم على خطوات غير معلنة في سعيها لمنع الحركات الجهادية من التمركز على طول الحدود.
ونوه يعاري إلى دور مهم يقوم به الأردن في تنظيم ميليشيات قريبة منه، ذات بعد قبلي، على الحدود، وتوظيفها في منع الحركات الجهادية من الاقتراب من الحدود.
وأوضح يعاري أن نظام الأسد لا يركز كثيراً على مناطق الجنوب السورية، في حين يوجه معظم طاقته العسكرية لمواجهة الثوار في وسط وشمال سوريا.
ويذكر أن الجنرال عوزي ديان، رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي الأسبق قد دعا دوائر صنع القرار في تل أبيب إلى المساعدة على الإعلان عن دولة درزية في الجولان والتحالف معها، على اعتبار أن مثل هذه الدولة ستسهم في تأمين الحدود.
وأضاف ديان في مقابلة أجرتها معه الإذاعة العبرية بتاريخ 25-11-2013 أن وجود دولة درزية على الحدود مع سوريا سيقلص حاجة إسرائيل إلى شن حملات عسكرية داخل سوريا لمواجهة التنظيمات الإسلامية التي يمكن أن تستهدف العمق الإسرائيلي في حال سقط نظام الأسد أو ضعف بشكل كبير.
إضفاء شرعية على ضم الجولان: من المفارقة أن هناك في الكيان الصهيوني من يدعو لاستغلال الواقع في سوريا من أجل تكريس واقع جديد ومحاولة اقناع العالم بقبول الخطوة التي أقدمت عليها إسرائيل بضم الجولان.
فقد دعا وزير المالية الصهيوني يئير لبيد إلى استغلال الأوضاع في سوريا من أجل إضفاء شرعية على فرض السيادة الإسرائيلية عليها، حيث يرى لبيد أنه يتوجب استغلال وضع نظام بشار الأسد في تبرير مطالبة العالم بالاعراف بضم هضبة الجولان لها.
وحث لبيد حكومته إلى أن تبلغ الإدارة الأمريكية أنه لا يمكن لتل أبيب تقديم تنازلات في الضفة الغربية ما لم تعترف الولايات المتحدة ومن خلفها المجتمع الدولي بضم إسرائيل لهضبة الجولان.
خلاصة: خارطة المخاوف والمصالح الصهيونية في سوريا باتت واضحة تماماً، وليس المستغرب أن تسعى إسرائيل لتحقيقها، بل المستهجن أن يتجند بعض الطرف لمساعدتها في ذلك.
صالح النعامي