int(46) array(0) { }

أرشيف المقالات

وصية أحمق: اطمئن فالسفينة تغرق!

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
وصية أحمق: اطمئن فالسفينة تغرق!

إنَّ الحمدَ لله تعالى، نستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَن يهدِه الله فلا مضلَّ له، ومن يضلِلْ فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومَنْ تَبِعَه بإحسان إلى يوم الدين.
 
الحكمة: وصية أحمق: (اطمئن يا هذا، فالموت يأتي بغتة)!

معنى الحكمة اصطلاحًا: قال أبو إسماعيل الهروي رحمه الله: (الحِكْمَةاسم لإحكام وضع الشيء في موضعه)، قال الله تعالى: ﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 269].
 
الأحمق: قليل العقل وفاسد الرأي.
بغتة: فجأة.
 
بين يدي المقال:
بعض الدعاة في هذا الزمان غريبٌ أمرُهم، فهم يتساهلون في أمر الدعوة إلى الله، ولا يعطون قيمةً ولا قدرًا لوعظهم ونصحهم، فتراهم يكثرون من دروس الترغيب في واقع تكثر فيه انتشار المعاصي والذنوب لدرجة يبيت العبد لهول عواقبها يدعو الله بقلب خائف وجل؛ بل تجد منهم من يتساهل حتى في أمر العقيدة، وحينما يتكلَّم عن عواقب الأمم الكافرة والظالمة وحديثه عن النار والعذاب لا يحرك ساكنًا، وكأنه أمر سهل هيِّن لا يحتاج إلى خشية قلب وتحريك نفس وذرف دموع، كما كان عليه حال سلفنا الصالح رضوان الله عليهم.
 
المعنى العام للحكمة:
قليل الفهم وضعيف العقل لا يصلح أن يكون ناصحًا ولا واعظًا، وإذا حدث وكان كذلك فليحذر الناس من كلامه وما يصدر عنه من حديث؛ لقلة عقله وفقهه وفهمه، فقد يخلط في حديثه بين ما هو صالح للترهيب فيأتي بدله بالترغيب كما في هذه الوصية، وقد يؤدي ذلك إلى استحسان الناس بعض ما هو منهي عنه شرعًا، وقد يسبب لهم ذلك شقاء الدنيا والآخرة.
 
ففي الحقيقة أنه لا أمان ولا اطمئنان في هذه الحياة؛ لأن الموت يأتي العبد بغتةً من حيث لا يدري ولا يعلم، وهذا أمر يستوجب الحذر، فقد يأتيه وهو فيما لا يرضي الله، فيتحسَّر ويندم، وحينها لا ينفع الندم، قال الله تعالى: ﴿ بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ ﴾ [الأنبياء: 40].

﴿ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ ﴾: ولا يُمْهلون لاستدراك توبة واعتذار، أو ولا هم يُؤَخَّرون حتى يتوبوا فتنالهم الرحمة والمغفرة.

وهنا ينبغي المبادرة والمسارعة في الأعمال الصالحة ليلًا ونهارًا؛ عسى الله أن يختم لصاحبها بخير، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أرادَ اللهُ بعبدٍ خيرًا استعملَه"، فقيل: كيف يستعملُه يا رسولَ اللهِ؟ قال: "يوفِّقُه لعمَلٍ صالحٍ قبلَ الموتِ"؛ رواه الترمذي رحمه الله.
 
مضمون الحكمة:
ينبغي لمن ينصح ويقدم الوعظ من الأئمة والمصلحين والمرشدين أن يكون نصحهم في محله، والاستشهاد بالآيات والأحاديث وأقوال الصالحين وغيرها تكون في مكانها المناسب، فإذا ذكَّروا الناس بالموت وما بعده من حساب وعقاب، ينبغي أن يكون في كلامهم نوع من التأثير والتخويف والترهيب، فربما بلغت هذه الموعظة قلب من هو مقبل على فعل معصية أو ارتكاب خطيئة فردعته، وخاف من عقابها فكفَّ عن ارتكابها.
 
عن جابر بن عبدالله قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرَّت عيناه، وعلا صوته، واشتدَّ غضبه، حتى كأنه منذر جيش يقول:صبحكم ومساكم،ويقول:"بُعِثْتُ أنا والساعة كهاتين"ويقرن بين إصبعيه السبابة والوسطى؛ رواه مسلم رحمه الله.

أي: صبحكم الجيش، ومساكم، ينذرهم منه؛ أي: قد أزف وقرب مجيئه، ونزوله بساحتكم، فبادروا إلى الحذر والاستعداد، وهذا يكون أبلغ في الموعظة وأنفع للنفوس.
 
ملحوظة:
ويختلف الأمر إذا كان ترغيبًا فيجب اختيار عبارات وكلمات ترغب النفوس وتبعث فيها روح الأمل والمبادرة في العمل لتسارع في الخير وتبادر فيه.
 
الخلاصة:
يجب العلم بأمانة التبليغ ومسئولية الدعوة إلى الله، فهي مهمة عظيمة، وهي رسالة الأنبياء والرسل، فمَنْ تحمَّلها فعليه بالتسلُّح بسلاح الحكمة والعلم والفقه والفهم، قال الله تعالى: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ﴾ [النحل: 125].
 
وإذا كان الداعية محدود العلم والفقه، فعليه بمجاهدة النفس ومخالطة العلماء والصالحين وقراءة كتبهم والاستماع لدروسهم وخطبهم ومواعظهم، ولا يقدم على الخوض فيما لا علم له ولا دراية فيكون فساده خطيرًا وشرُّه مستطيرًا، عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: خرَجْنا في سفَرٍ فأصابَ رجلًا منَّا حجَرٌ فشجَّهُ في رأسِهِ، ثمَّ احتَلمَ فسألَ أصحابَهُ، فقالَ هل تَجِدونَ لي رخصةً في التَّيمُّمِ، فَقالوا: ما نجِدُ لَكَ رُخصةً وأنتَ تقدرُ علَى الماءِ، فاغتسَلَ فماتَ، فلمَّا قدِمنا علَى النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ أُخْبِرَ بذلِكَ، فقالَ: "قَتلوهُ قتلَهُمُ اللَّهُ، ألا سألوا إذْ لَم يعلَموا، فإنَّما شفاءُ العيِّ السُّؤالُ، إنَّما كانَ يَكْفيهِ أن يتيمَّمَ ويعصرَ - أو يعصبَ شَكَّ موسَى- علَى جرحِهِ خرقةً، ثمَّ يمسحَ عليها، ويغسِلَ سائرَ جسدِهِ"؛ رواه أبو داود رحمه الله.
 
وليعلم من جهة أخرى أن التبليغ والدعوة إلى الله من أعظم أسباب الرضوان ورحمة الرحمن ونيل الجنان، قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [فصلت: 33].
 
عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي رضي الله عنه: "والله لئن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خيرٌ لك من حُمْر النَّعَم"؛ متفق عليه.
 
اللهم إنا نسألك علمًا نافعًا، وقلبًا خاشعًا، وعملًا متقبلًا، اللهم اجعلنا هداة مهديين غير ضالين ولا مُضلِّين.

شارك المقال