هل تعلم أول من تسعر بهم النار يوم القيامة؟ - هبة حلمي الجابري
مدة
قراءة المادة :
4 دقائق
.
أبنيت يوما قصرا رائعا من الرمال، بنيته بجد وإتقان بالغ ثم جاءت موجة عظيمة فجعلته كأن لم يكن؟وهل جمعت كومة عالية من رماد في يوم عاصف فطار كل ما جمعته يمنة ويسرة وضاع كل مجهودك؟
أم كنت في يوم شديد الحر في أشد الحاجة إلى الماء، فإذا بك تبصره فتركض نحوه فلا تجده إلا سرابا؟
رغم الحسرة والألم الذي يعتريك في هذه الحالات فهي ليست بشيء حين تأتي بأمثال الجبال من الأعمال الصالحة وأثناء الحساب تجدها أصبحت هباء منثورا لم يبقَ لك منها شيء!
لا تتعجب فهذا حال الكثير ممن فقد أحد ركني قبول العمل وهو " الإخلاص "؛ فقبول العمل يتوقف على ركنين أساسين كجناحي طائر لا يقبل العمل إلا بهما معا " الإخلاص مع المتابعة"
يقول ابن مسعود رضى الله عنه : " لا ينفع قول وعمل إلا بنية، ولا ينفع قول وعمل ونية إلا بما وافق السنة " .
ويقول ابن القيم رحمه الله: "العمل بغير إخلاص ولا اقتداء؛ كالمسافر يملأ جرابه رملاً، يثقله ولا ينفعه".
وهنا لابد من وقفة صادقة لنحاسب النفس ونراجع نياتنا؛ في ذلك اليوم حين دخل علي فلان هل حسنت من صلاتي بعد دخوله ليراني خاشعا مطيلا في صلاتي محسنا لها؟
وتلك النصيحة أو الخطبة أو المحاضرة التي أعددتها كانت خالصة لوجه الله ابتغاء ماعنده أم ليشار إليَّ بالبنان والعلم وقوة الإيمان ؟
ويوم ذهبت مع زملائي لدور المسنين والأيتام هل شاركتهم لأنهم دعوني إلى ذلك، فذهبت حياء وخجلا أن أكون الوحيد بينهم الذي لم يذهب، أم كان ذهابي خالصا لوجه الله، ولأمسح دمعة لهم، وارسم ابتسامة على شفاههم، ولأدخل السرور إلى قلوبهم؟
ويوم كذا وكذا وكذا، هل أعمالي كلها خالصة لوجه الله، أم كان للرياء منها نصيب؟
يا من سعى لمدح الناس له، ونسي لمن يجب أن يكون عمله، هل تعلم أول من تسعر بهم النار يوم القيامة ؟
يقول صلى الله عليه وسلم:
«إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد، فأُتى به، فعرَّفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، قال: كذبت، ولكنك قاتلت لأن يقال جريء، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل تعلم العلم وعلَّمه، وقرأ القرآن، فأُتي به فعرَّفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم، وقرأت القرآن ليقال هو قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار.
ورجل وسَّع الله عليه، وأعطاه من أصناف المال كله، فأُتى به فعرَّفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي في النار» [رواه مسلم ] .
فكن لقلبك محاسبا، وعلى عملك رقيبا، وابن سياجًا وسورًا منيعا يحميك من ذلك الشرك الخفي ، فإن باغتك وأفلت من السور فبادر إلى نزعه، وطهر قلبك وعملك من شوائب الرياء ، واحرص على الدعاء الذي وصاك به نبيك : «اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم » .
اللهم ارزقنا الإخلاص في القول والعمل