قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد
مدة
قراءة المادة :
5 دقائق
.
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴾قال الله تعالى: ﴿ بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ * وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ * قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ ﴾ [فصلت: 4 - 6].
تضمنت هذه الآيات بحسب سبب نزولها إصرار الكفار على كفرهم بالقرآن، وبالنبي صلى الله عليه وسلم، مع أنه قد ظهر ظهورًا جليًّا أن القرآن ليس بسحر ولا شعر ولا كهانة، وأرادوا الاعتذار عن تمسُّكهم بالباطل، فقالوا: إن قلوبنا قد كسَتها أغطية متكاثفة جعَلتها لا تفقه ما تقوله لنا، وما تدعونا إليه، وإن آذاننا فيها صممٌ يَحول بيننا وبين سماع حديثك، وإن من بيننا ومن بينك حاجزًا غليظًا يَحجب التواصل والتلاقي بيننا وبينك، وما دام حالنا وحالك كذلك، فاعمَل ما شئت فيما يتعلق بدينك، ونحن من جانبنا سنعمل ما شئنا فيما يتعلق بديننا: ﴿ فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ ﴾ [فصلت: 4].
وقد لقَّن الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم الجواب الذي يرد به على أقوالهم الباطلة آنفة الذكر، فقال: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴾ [فصلت 6]، وإليك بيان شُبهاتهم وبيان ما في هذه الآيات من الحكمة في الرد عليها:
1- قال تعالى حاكيًا حالهم حيال القرآن: ﴿ فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ ﴾: بيان لموقف الناس من هذا القرآن المنزَّل من الرحمن الرحيم، والمراد بالأكثر هنا: الكافرون الذين لا ينتفعون بهدايات القرآن الكريم؛ أي: هذا القرآن أنزلناه إليك لتخرج الناس به من الظلمات إلى النور، فأعرض أكثرهم عن هداياته لاستحواذ الشيطان عليهم، فهم لا يسمعون سماع تدبر واتعاظ، وإنما يسمعون بقلوب قاسية، وعقول خالية من إدراك معانيه، ومن الاستجابة له، ونفى سبحانه سماعهم له، مع أنهم كانوا يسمعون من الرسول صلى الله عليه وسلم ومن أصحابه؛ لأنهم لما سمعوه ولم يؤمنوا به، صار سماعهم بمنزلة عدمه.
2- قال تعالى: ﴿ وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ ﴾ [فصلت: 5].
الأكنة: جمع كنان وهو الغطاء للشيء، و﴿ وَقْرٌ ﴾ الصمم الذي يحول بين الإِنسان وبين سماع ما يقال له، والحجاب: من الحجب بمعنى الستر؛ لأنه يمنع المشاهدة، ومنه قيل للبواب: حاجب؛ لأنه يمنع من الدخول.
وهذه الأقوال التي حكاها القرآن عنهم، تدل على أنهم بلغوا أقصى درجات الجحود والعناد، فقلوبهم قد أغلقت عن إدراك الحق، وأسماعهم قد صمت عن سماعه، وأشخاصهم قد أبت الاقتراب من شخص الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يحمل لهم الخير والنور، وما حملهم على ذلك إلا اتباعهم للهوى والشيطان، وصدق الله إذ يقول: ﴿ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [الصف: 5].
3- قوله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴾ [فصلت: 6]؛ أي: قل - أيها الرسول الكريم - لهؤلاء الجاحدين: إنما أنا بشر مثلكم في الصفات البشرية أوجدني الله تعالى بقدرته كما أوجدكم، إلا أن الله تعالى قد اختصني بوحيه ورسالته - وهو أعلم حيث يجعل رسالته - وأمرني أن أُبلغكم أن إلهكم وخالقكم، هو إله واحد لا شريك له، فعليكم أن تخلصوا له العبادة والطاعة.
4- قوله تعالى: ﴿ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ ﴾ [فصلت: 6]؛ أي: فالزموا الاستقامة في طريقكم إليه تعالى بالإِيمان به وطاعته والإخلاص في عبادته.
5- قوله تعالى: ﴿ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ ﴾ [فصلت: 6]، توعدهم تعالى بالويل، وهو شدة العذاب في نار جهنم، الويل: لفظ دال على الشر أو الهلاك، وهو مصدر لا فعل له من لفظه، والمراد به هنا: الدعاء عليهم بالخزي والهلاك؛ أي: فهلاك وخزي وعقاب شديد لهؤلاء المشركين.
هذا وإن تهديد أعداء النبي صلى الله عليه وسلم بمثل هذا فيه نوع من الدفاع عنه، ولون من إراحة قلبه صلى الله عليه وسلم، فلعل ذلك التهديد يرجع إليهم عقولهم ويردهم إلى رشدهم، فيؤمنوا به.