أرشيف المقالات

تأملات في قوله تعالى: {فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف....}

مدة قراءة المادة : 3 دقائق .
تأملات في قوله تعالى:
﴿ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ....

 
تأمل قول الله تعالى: ﴿ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ....
[النساء: 11]، مع قول الله تعالى في آخر السورة: ﴿ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ....
﴾.
[النِّسَاءِ: 176]، وإياك أن تتوهم أن في القرآن شيئًا زائدًا، أو تظن أن اختلاف الصيغتين فقط لتلوين الخطاب، الأمر أكبر من ذلك بكثير، ولِمَ لا وهو كلام الملك تبارك وتعالى؟
 
ونقول: في الآية إعجاز بلاغي وإعجاز تشريعي، وذلك أن الله تبارك وتعالى ذكر أحكام المواريث في كتابه في ثلاثِ آياتٍ: آيتين في صدر سورة النساء، وآية في آخرها، وهذا غاية الإيجاز، مع ما تحويه من المعاني الغزيرة، والأحكام الكثيرة، وترابطت هذه الآيات برباط وثيق، واقترن بعضها ببعض؛ ليستنبط منها الراسخون في العلم ما لا يظهر إلا بالمقارنة بينها.
 
فقد استفدنا من الآية الأولى أن البنت لها النصف، وأن البنات إذا كنَّ أكثر من اثنتين فلهنَّ الثُّلُثَانِ، ولم تنصَّ الآية الأولى على نصيب البنتين، أيلحق بنصيب البنت فيكون لهما النصف؟ أم يلحق بنصيب الجمع من البنات فيكون لهما (أعني البنتين) الثلثين؟
 
واستفدنا من الآية الأخيرة أن الأخت لها النصف، وأن الأختين لهما الثُّلُثَانِ، ولم تنصَّ على ما فوق الأختين إذا انفردنَ بالتركة.
 
وهنا يظهر لنا جليًّا اقتران الآيتين، ليُعملَ العلماء عقولهم في استنباط المعاني من كلام الله تبارك وتعالى؛ قال العلماء: إِذَا وَرِثَ الْأُخْتَانِ الثُّلُثَيْنِ، وهما أقل رتبةً في القرابةِ من البنتين، فمنْ بابِ أولى تَرِثُ الْبِنْتَانِ الثُّلُثَيْنِ.
 
ولم يذكر حكم ما زاد على الأختين في آخر السورة، وَوَرِثَ ما زاد على البنتين الثُّلُثَيْنِ، فلا يأخذ ما زاد على الأختين فوق الثلثين، أرأيت كيف جمعت كلمات قليلة المبنى، أحكامًا غزيرة المعنى! وصدق الله تبارك وتعالى إذ يقول: ﴿ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ﴾ [هُودٍ: 1]؛ أي: أُحْكِمَتْ أَلْفَاظُهُ وَفُصِّلَتْ مَعَانِيهِ.

شارك الخبر

المرئيات-١