القطاع الخيري ودعاوى الإرهاب
مدة
قراءة المادة :
24 دقائق
.
قراءة في كتاب
القطاع الخيري ودعاوى الإرهاب
إعداد: عبد الله حسن
هذا الكتاب هو أحد إصدارات مجلة البيان، الطبعة الأولى.
تأليف: الدكتور محمد بن عبد الله السلومي.
حجم الكتاب: 618 صفحة، من القطع المتوسط.
* قضية الكتاب:
يعالج الكتاب أحد الجوانب الخطرة للحملة على الإرهاب التي تقودها الإدارة
الأمريكية، وهو دعوى الربط بين المؤسسات الخيرية الإسلامية والإرهاب؛ بزعم
مساندتها للمنظمات والأعمال الإرهابية، ويحاول المؤلف الكشف عن حقيقة تلك
الحملة وأهدافها من خلال مناقشتها وتفنيدها.
ولم تكن تلك مهمة سهلة أمام المؤلف؛ لأن طبيعة (معركة المؤسسات) قوية
سياسياً وإعلامياً، وواسعة تنوعاً وجغرافياً، ولا يجدي في مثل هذه القضايا مجرد
البيانات أو التصريحات كما يقول المؤلف.
* خطة الكتاب:
قسم المؤلف الكتاب إلى خمسة أبواب:
الأول: الإرهاب مفاهيم وتاريخ.
الثاني: الإرهاب داخل الولايات المتحدة.
الثالث: فلسطين ومنظمات الإرهاب الإسرائيلي.
الرابع: إرهاب ما بعد 11 سبتمبر.
الخامس: الجذور التاريخية والخلفيات العقائدية.
وسبق هذه الأبواب الخمسة فصلان تمهيديان:
الأول: المنعطف التاريخي.
والثاني: ما قبل الفصول.
وختم الكتاب بالفصل الأخير، وهو مجموعة مهمة من الرسائل والملاحق
المتعلقة بالموضوع.
قد يرى القارئ للوهلة الأولى وهو يتصفح أبواب الكتاب وفصوله أن بعض
الموضوعات خارج نطاق الكتاب، كحديث المؤلف مثلاً عن الإرهاب الأمريكي
والإسرائيلي، ولكن بعد قراءة تلك الفصول والأبواب سيرى القارئ مدى أهميتها
وأصالتها، حيث ساقها المؤلف دعماً لكشف المحاضن الحقيقية للإرهاب، ولمعرفة
من هو الراعي الرسمي له.
وقد تعمد المؤلف خلال فصول الكتاب التركيز على إبراز القوة الدينية
والأصولية الأمريكية، والأدوار والأقوال المتطرفة لرجال الدين النصارى، مع
إبراز نمو وتكاثر المناهج والمدارس والجامعات الدينية في أمريكا.
كما أثرى الكتاب بجانب من جوانب ثقافة مؤسسات القطاع الخيري لدى الأمم
الأخرى وخاصة في أمريكا وإسرائيل، وانعكاس ذلك على دعم الإرهاب ومنظماته
في كلا البلدين.
وأبرز حقيقة واقع المؤسسات الدولية التي تمارس (السياحة على الكوارث) ،
و (الرقص في الأزمات) ؛ لأن ذلك يساعد في كشف الازدواجية الغربية، ولا
سيما الأمريكية، في قولها عن المؤسسات الإسلامية بالباطل ما لم تقل به بالحق عن
غيرها من المنظمات الدولية وتجاوزاتها الكبيرة.
* فصلان تمهيديان:
بدأ المؤلف بإلقاء الضوء على المنعطف التاريخي لأحداث الحادي عشر من
سبتمبر 2001م، وكيف أنها نتاج صناعة تقف وراءها أيد خفية، فرضت روايات
تمت صناعتها بإتقان، وبالتالي فإن كل ما اعتبر وسُمي بـ (تداعيات) هو بحق
صناعات جديدة لا تقل عن صناعة الحدث نفسه، ومن ذلك الدعاوى التي صدقها
بعض الناس حول صلة المؤسسات الخيرية بالإرهاب.
ويتساءل المؤلف: (كيف يتم القبول بالنتائج للحدث والتعامل أو التفاعل معها
قبل أن يتم ما هو أهم، وهو تشخيص الحدث ومعرفة من وراءه؟) .
وفي سياق تحليله عمن وراء الحدث؛ ذكر أن التحليلات السياسية والإعلامية
العالمية تكاد تنحصر في ثلاثة أقوال: أن أحداث 11 سبتمبر كانت رد فعل
لممارسات الحكومة الأمريكية وظلمها، أو أنها كانت بترتيب فئة ذات مصالح
خاصة، ولا تعبأ بمصالح أمريكا، فافتعلت خصماً جديداً، أو أن الحدث تم احتواؤه
من قِبَل تجار السلاح والنفط، من خلال افتعال الخصوم والحروب والأزمات،
لتكون تلك التداعيات، ومنها الغارة على المؤسسات الخيرية الإسلامية ودولها، بل
ودول العالم.
ثم أخذ المؤلف يورد أقوال الآخرين وآراءهم، وخاصة من الأمريكان، والتي
تقلب إلى حد كبير الروايات الرسمية رأساً على عقب.
فتحت عنوان (إشارة تاريخية) ساق ما يدل على تجربة صناعة الأحداث،
وهي فضيحة (كذبة خليج تونين) ، حيث اتفق الرئيس الأمريكي جونسون مع
القيادات العسكرية الأمريكية لمهاجمة الأسطول الأمريكي ليلاً بالطائرات الأمريكية،
وإيقاع بعض الخسائر والضحايا، وفي اليوم التالي تقدم إلى مجلس النواب والشيوخ
مدعياً أن الطائرات الفيتنامية هي التي قامت بالغارة، فكان أن أعطي الصلاحيات
المطلقة لتأديب الفيتناميين! وبالرغم من ذلك لم يرتفع صوت واحد في فضح هذه
الكذبة الكبرى، لماذا؟ لأن جونسون هو أول رئيس أمريكي أجاز للأمريكان تزويد
إسرائيل بالمعدات العسكرية المباشرة!
وتحت عنوان: (أمريكا خططت ونفذت هجمات 11 سبتمبر) ، أورد
المؤلف كلاماً مهماً لـ (مايك روبرت 49 سنة) ، هو مسؤول أمني أمريكي سابق،
حاصل على مرتبة الشرف في العلوم السياسية من جامعة كاليفورنيا، حيث ألقى
محاضرة بهذا الخصوص، واشتملت على عرض للوثائق المتصلة بهجمات سبتمبر،
وقد بدأ محاضرته برهان بمبلغ ألف دولار لمن يستطيع أن يبرهن على أن
مصادره غير موثوق بها، أو أنه قدم معلومات مغلوطة، وخلال المحاضرة قدم
أكثر من 40 معروضاً بصرياً تؤكد اشتراك الحكومة الأمريكية وعلمها المسبق
بالهجمات.
وزادت حرارة الجمهور وغضبه حينما قدم مايك مقتطفات من كتاب (طاولة
الشطرنج الكبيرة) الذي أصدره في عام 1997م برجنسكي مستشار الأمن القومي
في إدارة الرئيس كارتر، وتشير تلك المقتطفات إلى فكرة الحرب ضد أفغانستان،
وأنها قيد التخطيط منذ أربع سنوات على الأقل!
وكانت المحاضرة حافلة بالإثباتات والوثائق التي تؤكد أن أحداث سبتمبر
صناعة داخلية أمريكية، لدرجة أن الجمهور انفعل وأجهش بعضهم بالبكاء!
وحول مسوغات الحرب على الإرهاب ذكر المؤلف تحت عنوان: (الحرب
الخفية للسيطرة على العالم.. المنافسون الجدد) أن ألفن توفلر، وهو كاتب سياسي في صحيفة لوس أنجلوس تايمز الدولية، أكد في رؤيته للأحداث أن هذه الحرب كانت ضرورية، ولا بد من افتعال حدث أو أحداث كبيرة تسوّغ مشروعية برنامج السيطرة على العالم، حيث ظهر منافسون جدد في الساحة العالمية، يطلق عليهم خبراء السياسة الخارجية مصطلح (أطراف لا تخضع لهيكل الدولة) ، ويقول توفلر إن من بينهم: الإسلام، والأديان العالمية الأخرى، وشبكات الجريمة والمخدرات العابرة للحدود، والشركات الكبرى متعددة الجنسيات، والمنظمات العالمية غير الحكومية التي تنتشر بسرعة! ثم يعلق المؤلف: ولماذا لا تكون (حرب الإرهاب) من أهدافها تقليص المنافسين الجدد، ومنهم الأمم المتحدة ومنظماتها أو المنظمات القوية في الساحة العالمية؟ إن أمريكا أصابها الهلع من المنظمات الخيرية الإسلامية، حيث تتعارض أعمالها مع الهيمنة الأمريكية العالمية، وبرامج العولمة والتغريب. أما فصل (ما قبل الفصول) ، فقد خصصه المؤلف للحديث عن العمل الخيري وأهميته، ودور المؤسسات الخيرية. فمؤسسات العمل الخيري من أهم مقومات نجاح الإدارة للدولة الحديثة، حيث أصبح العمل الخيري عند دول الشمال وبعض دول الجنوب والأمم المتحدة القطاع الثالث من قطاعات التنمية، وهي أحد خطوط الدفاع الأولى للدول والأمم، والإجهاز على هذا الخط الدفاعي يعتبر إجهازاً على أهم قوة من القوى المساندة لأي دولة ولأي مجتمع. ويتأسف المؤلف لعدم وجود مجالس أو هيئات عليا خيرية أهلية قوية على مستوى العالم العربي أو حتى دول الخليج، تدافع عن المؤسسات الخيرية، على غرار المجلس الأوروبي للعمل الخيري، أو على غرار مجلس الرابطة الأمريكي لتنمية الموارد والوقف الخيري وغيرها من المجالس واللجان العليا. ثم عرض المؤلف لبعض البرامج والمشروعات التي تقوم بها المؤسسات الخيرية الإسلامية، من بناء المساجد، وتنفيذ المشروعات التعليمية، والمنح الدراسية، وإعانات الطلاب، والإغاثة الإنسانية، والمخيمات الطبية ومعالجة المرضى، وحفر الآبار، وتوفير مياه الشر، وإفطار الصائمين، وتوزيع لحوم الأضاحي، وإنشاء مراكز الخدمات الاجتماعية. الباب الأول: الإرهاب مفاهيم وتاريخ: يهدف المؤلف من هذا الباب إلى كشف حقيقة الإرهاب، لمعرفة من ينطبق عليه هذا الوصف، ففي الفصل الأول بحث تعريف الإرهاب بمقارنة التعاريف الواردة في كل من الموسوعة الأمريكية، والموسوعة العربية، حيث بين كيف تجاهلت الموسوعة الأكاديمية الأمريكية الجماعات والمنظمات الإرهابية الأمريكية السابقة واللاحقة، وكذا إرهاب الحكومة الأمريكية نفسها، في حين انفردت الموسوعة العربية بأن مطالبة بعض الشعوب أو الأقليات بحريتها من حكومة قائمة أو سلطات احتلال لا تدخل في دائرة المنظمات الإرهابية. ثم ذكر تعريف المجمع الفقهي الإسلامي، حيث إن الإرهاب بمفاهيمه الحديثة قد تم ربطه بالإسلام والمسلمين، وقد عرفه المجمع بأنه: العدوان الذي يمارسه أفراد أو جماعات أو دول بغياً على الإنسان، دينه، دمه، ماله، عقله، عرضه، ويشمل صنوف التخويف والأذى والتهديد والقتل بغير حق. وفي الفصل الثاني: (إرهاب ما قبل 11 سبتمبر، نبذة تاريخية) ، تكلم عن حقائق الإرهاب الأمريكي، وذلك من خلال أصوات غربية، ك (جون جيراسي) ، و (روبرت فيسك) ، و (ديفيد ديوك) ، و (آرثر لوري) ، و (آندي مارتن) . الباب الثاني: الإرهاب داخل الولايات المتحدة الأمريكية: يعرض المؤلف في هذا الباب صور الإرهاب الحقيقي من داخل الولايات المتحدة نفسها، وذلك في فصلين، حيث بدأ في فصل (نماذج من المنظمات الإرهابية) بيان أخطر وأشهر تلك المنظمات، ومنها مركز SOA وهو الاسم القديم لمنظمة «وسك» ، ومنظمة «بناي بيرث» اليهودية الأمريكية، ومنظمة «ميجا» الأمريكية الإرهابية، ومنظمة «الأغلبية الأخلاقية» ، ومؤسسات «بات روبرتسون» ، والمنظمات النصرانية للقدس. وتأتي أهمية عرض تلك المنظمات من خلال كشف الواقع الأمريكي، حيث يتم في أمريكا ميلاد وتفريخ واحتضان الإرهاب الذي يمكن أن يُصنف أنه غير رسمي، وهذه المنظمات تحصل على الدعم من أعضائها المنتمين، ومن قِبَل المؤيدين كذلك. وقد كشف تقرير بريطاني معلومات مهمة عن مراكز تدريب في أمريكا تخرّج إرهابيين متخصصين، نفذوا عشرات العمليات التي فاقت ضحاياها في العدد والوحشية ضحايا 11 سبتمبر، وتفجيرات السفارتين الأمريكيتين في إفريقيا، لكن دون أن يتحدث عنها أحد. وفي الفصل الثاني ذكر نماذج من الميلشيات العسكرية الإرهابية، وهي ميلشيات في كل من ولاية أريزونا، وكولورادوا، وفلوريدا، وأيداهو، وميتشيجان، وغيرها. ونقل المؤلف عن الدكتور غازي القصيبي قوله في كتاب (أمريكا والسعودية؛ حملة إعلامية أم مواجهة سياسية؟) : (يقدر مركز من مراكز البحث عدد الميلشيات المسلحة الإرهابية في أمريكا بما بين 40 و 100 ميلشيا، وتدعي هذه الميلشيات أنها تضم 3 ملايين منتسب، بينما تذهب التقديرات المحايدة إلى أن أعضاءها في حدود 25000 عضو، وهذه الميلشيات تنشط في أكثر من 30 ولاية، وفي تكساس بالذات، وعتاد هذه الميلشيات يتكون من أسلحة يدوية وبنادق ومتفجرات ورشاشات وقنابل، ولدى بعضها مخازن مليئة بالأسلحة، وتمول الميلشيات أنشطتها بطرق غير قانونية كالتحايل على الضرائب، والسطو على البنوك) ص 115. الباب الثالث: فلسطين ومنظمات الإرهاب الإسرائيلي: يكشف المؤلف عن حقيقة الإرهاب وعمقه داخل الكيان الإسرائيلي كمنظمات، وحركات، ثم عن دوائر التعليم الرسمي والديني، والديني المتخصص (المدارس التوراتية) . يوجد في داخل الأرض المغتصبة (فلسطين) الآن نحو 120 جماعة وتنظيماً تصنف في داخل إسرائيل نفسها بمنظمات متطرفة، ومن هذه الجماعات ما لا يقل عن 25 جماعة ومنظمة، تسعى لهدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه؛ بوصفه هدفاً أساسياً لهم. ثم ذكر أبرز تلك المنظمات، ومنها: منظمة «آيل» ، ومنظمة «كاخ» ، وحركة «كاهانا حي» وفروعها، ومنظمة «سيف داود» ، ومنظمة «السيكريكين» ، ومنظمة «جوش أمونيم» ، وحركة «بيت المقدس» السرية. وعن جباية المال والمساعدات لتمويل تلك المنظمات الإرهابية، يقول المؤلف: (لقد أصبحت اليوم جباية المال من قِبَل اليهود في أمريكا جيدة التنظيم عالية الاحتراف، ونشاطها مركّز في أولويته على دعم حاجات إسرائيل، وتشتمل شبكة الجباية على نوعين من المنظمات: الأول: يجمع المال من المساهمات المعفاة من الضرائب، وتضم النداء اليهودي، والنداء الإسرائيلي، ولجنة التوزيع المشترك. والنوع الثاني: يجتذب الاستثمارات المالية إلى إسرائيل) . ثم يتساءل المؤلف: كم لدى كل دولة عربية من منظمة عسكرية، أو ميلشيات إرهابية على غرار ما لدى اليهود في فلسطين؟ وما حجم ما تتلقاه من دعم مالي من حكوماتها العربية إن وجدت؟ ولبيان مدى الدور الذي تقوم به هذه المنظمات الإرهابية؛ ذكر المؤلف أن نسبة العمليات الإرهابية خلال السنوات الخمسين الماضية، والتي قامت بها هذه المنظمات ضد الفلسطينيين، هي 73.9%، في حين كانت نسبة العمليات على يد الجيش الإسرائيلي هي 26.1%. الباب الرابع: إرهاب ما بعد 11 سبتمبر حقائق ونماذج من الحملات الإعلامية على المؤسسات الخيرية: يقدم المؤلف في هذا الباب صوراً من الحملة الإعلامية والميدانية على المؤسسات الخيرية، ليكشف بعد ذلك عن حقيقة الدوافع والأهداف بين القرائن والنتائج. بدأ في الفصل الأول بالتنبيه إلى أن (التلازم بين دعوى الإرهاب والمؤسسات الخيرية ليس رد فعل لما حدث لأمريكا، كما سيتضح في هذه الدراسة، ولكن الأحداث ضاعفت منها وعجلت بها؛ لأن هذه الدعوى استراتيجية طويلة الأجل، إضافة إلى أن التصنيف الأمريكي ركز في هذه الفترة على المؤسسات الخيرية الداعمة والمعالجة لمشكلتي فلسطين وأفغانستان بشكل أكثر، رغم أن الإرهاب الأمريكي سيطال معظم المؤسسات الداخلية والخارجية، إن لم يكن كلها، في أي من مناطق الصراع القادم) . ثم عرض المؤلف صوراً متنوعة من الحملات الإعلامية والميدانية على النحو التالي: أولاً: الاتهامات الأمريكية للدول والمؤسسات والأفراد داخل أمريكا (نماذج) . فعلى مستوى الإجراءات الأمريكية الداخلية، شكلت لجنة عالية المستوى لوضع الأولويات الاستراتيجية للجبهة المالية، ترأسها وزير المالية الأمريكي ونائبه كينيث دام، والذي شرح لمجلس الشيوخ الأمريكي أن التعامل مع هذه المشكلة يتم على عدة أصعدة: 1 - وقف تدفق الأموال؛ من خلال تجميد أرصدة المؤسسات الخيرية التي تدعم المجموعات الإرهابية. 2 - التحقيق في أعمال إساءة استخدام المؤسسات الخيرية. 3 - العمل مع دول العالم للمساعدة في رفع مستوى معايير الرقابة والمحاسبة الخيرية. ثانياً: بعض الإجراءات والقرارات والمطالب الأمريكية، ففي إطار سعيها لـ (تجفيف) مصادر تمويل المنظمات الإرهابية قدمت السلطات الأمريكية طلباً رسمياً إلى عدد من المنظمات الخيرية والمؤسسات التجارية في الكويت، عبر وزارة الخارجية الكويتية، للحصول على وثائق وبيانات مالية وقيود حسابات؛ بسبب الاشتباه في كون المبالغ التي تجمعها وتوزعها تساهم في تمويل أنشطة منظمات إرهابية، ويتابع هذه الوثائق فريق أمريكي مختص للاطلاع والتدقيق! ومن على رأس تلك المؤسسات جمعية إحياء التراث الكويتية، بل حددت الولايات المتحدة المكتب الباكستاني والأفغاني للجمعية كهيئة داعمة للإرهاب، وكذلك فعلت مع مكتب مؤسسة الحرمين الإسلامية في الصومال والبوسنة. وفي أمريكا جمدت أموال مؤسسة الأراضي المقدسة للإغاثة والتنمية، والتي تصف نفسها بأنها أكبر مؤسسة خيرية في الولايات المتحدة، وكذلك «صندوق الرشيد» ، ومؤسسة «وفا» الإنسانية، و «أمة تعمير النور» . وفي إطار الإجراءات الأمريكية ضد المؤسسات الخيرية منعت أمريكا أعضاء 46 منظمة من دخول الولايات المتحدة، وطالبت العرب بإلغاء التعليم الديني، وطلبت من الدول الأوروبية تجميد أموال 12 سعودياً بدعوى تمويل القاعدة. ثالثاً: التحركات الأمريكية لمحاصرة المؤسسات الخيرية الإسلامية خارج أمريكا، وقامت الولايات المتحدة في هذا الإطار بجهود مكثفة، منها على سبيل المثال: ذهاب وفد أمريكي إلى الخليج لوضع آلية الإشراف على الجمعيات الخيرية، ومداهمة المخابرات الأمريكية والباكستانية مكاتب منظمة الإغاثة في بيشاور، وحضور وزير الخزانة الأمريكي إلى الخليج لمناقشة التمويلات الخيرية، وبدء حملة أوروبية لملاحقة الجمعيات الفلسطينية في ألمانيا. رابعاً: مواقف بعض الدول والمؤسسات الخيرية من الحملة الأمريكية. وتتمثل في إجراءات إغلاق ومراقبة للحسابات ومراجعة وإيقاف. وفي الفصل الثاني: أخذ المؤلف يناقش حقيقة الدوافع والأهداف بين القرائن والنتائج، حيث أكد أن الأهداف الحقيقية للحملات تتضح من خلال الوسائل المتعددة المشهودة والنتائج المتنوعة الملموسة، وجميعها يشير إلى أن الهدف المعلن غير الحقيقة. وأول دليل هو فقدان الدليل، وهل إدانة أي مؤسسة جانحة يتطلب كل تلك الحملات الإعلامية؟ ألا يكفي لإدانتها إبراز الأدلة للمحاكم أو الحكومات المعنية؛ أم أن الحملات تشكل غارات مقصودة لذاتها؟ فالإغلاق هو الهدف، والسبب يسهل تدبيره، كما يلاحظ عدم التفريق في هذا المطلب بين الجمعيات العاملة بالداخل والعاملة بالخارج، الداخل كما حدث في اليمن، والخارج كما في السعودية والكويت. ألا يمكن بعد هذه النماذج أن يكون الهدف الحقيقي من الحملة الأمريكية غير الهدف المعلن؟ ثم ساق المؤلف عدداً من القرائن الدالة على حقيقة الأهداف، مثل إضعاف المقاومة الفلسطينية، والنيل من الإسلام عقيدة وأمة، وتكريس التنمطيات المزيفة عن الإسلام والمسلمين، وتصفية الحسابات السياسية، والمحاسبة على الجهاد بأثر رجعي. والنتائج المحتمة لهذه الحملة الظالمة على المؤسسات الخيرية، تتمثل في انكشاف حقيقة تلك الحملات، وتراجع العمل الخيري الإسلامي إلى حدوده الدنيا، وكشف الازدواجية، وفقدان المصداقية والعدالة والنزاهة، وزيادة قوة البدائل من المؤسسات الدولية الأخرى، وانحسار الدعم المالي والمعنوي للمؤسسات الخيرية الإسلامية. وفي الفصل الثالث، يبرز المؤلف صورة من صور الإرهاب الأمريكي المتنوع، بين التصفية الدموية، والاعتقالات الظالمة، والقضاء على الأعمال الخيرية الإسلامية، وذلك في بلد واحد وهو أفغانستان. أما الفصل الرابع والأخير في هذا الباب، فهو بعنوان: (الإعلام والدين) ، وركز فيها على مواكبة الحملة على المؤسسات الخيرية للحملة الإعلامية على التعليم الديني الإسلامي، حيث شنت الولايات المتحدة وغيرها من الجهات الصهيونية حملة إعلانية واسعة على السعودية ولا تزال قائمة، وقد أورد المؤلف إحصائيات قامت بها مؤسسة كير الإسلامية الأمريكية في دراسة لها، ومما جاء فيها: متوسط عدد المقالات التي نشرت عن السعودية شهرياً في عام 1999م كان 272 مقالاً في الشهر مقارنة بـ 235 مقالاً في الشهر عام 2000م، أما في عام 2001م فقد وصل متوسط المقالات شهرياً إلى ما يزيد عن 1300 مقال شهرياً؛ أي بزيادة تبلغ أكثر من 4 أضعاف الأعوام السابقة. بلغ عدد المقالات عن الإسلام في السعودية أكثر من 14639 مقالاً خلال عام 2001م، مقارنة بما يقرب من 2900 مقال في العام السابق؛ أي بزيادة تتعدى 400%. يقول المؤلف: (إن هذا الحجم من المقالات في الإعلام الأمريكي، والتي تم حصرها في فترة وجيزة، يعتبره البعض بحق (إعلان حرب) على الإسلام ومن يمثله من دول أو مؤسسات خيرية وعلمية) . ثم ألقى الكاتب الضوء على أحد المصادر لتلك الحملات على المؤسسات الخيرية، وهي القوة الإعلامية الدينية في أمريكا، والتي تزداد يوماً بعد يوم. الباب الخامس: الجذور التاريخية والخلفيات العقائدية: وإذا كان هذا هو موقف الإدارة الأمريكية من المؤسسات الخيرية الإسلامية والدين الإسلامي، فما حقيقة الدوافع؛ أهي الدين أم السياسة؟ وهل ما تفعله الولايات المتحدة مع المؤسسات الخيرية هو ما تفعله مع المنظمات الربحية في أمريكا؟ وما هو حال المنظمات الإنسانية الدولية؛ ألا يقع منها تجاوزات تستلزم مثل هذه الحملة والغارة التي تشنها أمريكا وغيرها على المؤسسات الخيرية الإسلامية؟ يقدم المؤلف في هذا الباب الإجابة الموثقة عن هذه الأسئلة، حيث يؤكد في الفصل الأول (حقيقة الدوافع) وجود الترابط والتلازم بين الدين والسياسة معاً في الحملة الإرهابية.
فينقل عن واشنطن بوست: (بوش ينتمي إلى طائفة المسيحيين الصهاينة التي تؤمن بعقيدة: كل شيء من أجل إسرائيل) ، وقالت: (الطائفة تضم 90 مليون أمريكي، وتدعو إلى بناء هيكل سليمان في القدس تمهيداً لعودة المسيح) . وذكرت الصحيفة أن هذه الطائفة تعدها الكنائس العالمية الثلاث (الأرثوذكسية والكاثوليكية، والبرتستانتية) فرعاً مارقاً عن الكنيسة المسيحية على وجه الإجمال. وفي الفصل الثاني، يكشف المؤلف إمكانات المنظمات غير الربحية في أمريكا وحجمها، ومدى ما تتمتع به من حرية في تلقي الأموال والتبرعات والهبات، ومدى تأثيرها، وقوة نشاطها، يقول عن تلك المنظمات: إنها (تشكل ما يزيد عن مليون ونصف المليون جمعية ومنظمة كلها معفاة من الضرائب، كما أن لها حق الحصول على نسبة كبيرة من الضرائب المستحقة على الشركات والأفراد والمنشآت، وإسرائيل تحصل على نصيب كبير من هذا الدعم غير الحكومي من قِبَل المنظمات الأمريكية غير الربحية) .
ثم يقول: (يستغرب المطَّلع على الحجم الكبير للعمل الخيري الأمريكي، وتزداد الغرابة حينما تتم مقارنة حجم العمل الخيري العربي بنظيره في أمريكا، حيث إن المنظمات الخيرية في كل أقطار العالم العربي لا تتجاوز مجموع المنظمات الخيرية في ولايتين فقط من الولايات المتحدة الأمريكية) . وفي الفصل الثالث، يعرض المؤلف صوراً من تجاوزات المنظمات الإنسانية الدولية، والتي وصلت إلى استغلال الإغاثة في تغيير الدين والثقافة، وتوزيع الأطعمة والأدوية الفاسدة، والفساد الإداري والمالي، وتقديم الغذاء مقابل الجنس، وذلك بالوثائق، والأخبار الواردة في الصحف العالمية. ثم يتساءل: أين العقوبات؟ وأين قوة الحملات وصرامة الإجراءات؟ وهل تم تجميد تلك المؤسسات العالمية الكبيرة أو الصغيرة منها؟ وهل تم تصنيفها مع منظمات الإرهاب والاستغلال؟ ثم يخصص المؤلف الفصل الرابع للدروس والعبر التي ينبغي أخذها من هذه الحملة والغارة على المؤسسات الخيرية الإسلامية. ومن أهم الدروس التي ذكرها المؤلف: - على مؤسسات القطاع الخيري الإسلامي، ومن ورائها الشعوب والدول الإسلامية، أن تنتبه إلى أن قضية فلسطين هي القضية الأولى، وعلى الجميع أن يعمل على إيجاد مؤسسات متخصصة بشتى أنواع الاحتياجات لفلسطين. - ضرورة وأهمية التخصص للعمل الخيري في العالم العربي والإسلامي. - العمل الخيري المؤسسي يوفر المناخ الآمن نفسياً واجتماعياً، كما أنه يشكل مزارع وقنوات لاحتضان وحماية وتنمية العمل الإيجابي والإنتاج السليم؛ بالوقاية والمعالجة للجهل والفقر والمرض ورفع الظلم بأنواعه عن الأفراد والمجتمعات. - أن هذا الحجم الكبير من ممارسة الإرهاب قد ظهر واضحاً على المؤسسات الإسلامية الخيرية فقط، وهي التي لا تمتلك الحد الأدنى مما تملكه إحدى المؤسسات غير الربحية في أمريكا. - لا بد أن تكون هذه فرصة سانحة لتلاحم أكثر بين المؤسسات والجمعيات مع القطاع الحكومي والقطاع الخاص. كما يجب أن تكون الأحداث نقطة تحول في المراجعات وليس التراجعات، وانطلاقة جديدة في التنوع والتخصص. ومن وسائل تجاوز الأزمات: الدعاء الصادق، والتضرع المخلص، والتوكل والتفاؤل بوعد الله تعالى. - لا بد من إحباط المخططات المعنية بالفصل بين المؤسسات الإسلامية وحكوماتها، حيث إن المؤسسات الخيرية خاصة من دول مجلس التعاون الخليجي قد ساهمت بشكل كبير في كسب الشعوب والأمم والدول الإسلامية، ولا بد من الحذر أن تحقق الحملة أهدافها بالإجهاز على تلك المكتسبات، وحتى لا تتطور الحملة إلى تحديد أنواع البر والتدخل بمصارف الزكاة! - على المؤسسات والحكومات أن تعمل على تصحيح مفهوم العمل الخيري، والارتقاء بواقعه من كونه خاصاً بالفقراء والمحتاجين، فالفقر في مجال الفكر والثقافة والترفيه والتأهيل والتدريب على العطاء والإنتاجية داخل المجتمع. ثم خصص المؤلف فصلاً للعمل الخيري في العراق، حث فيه على فتح الأبواب له في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها من حروب سابقة ولاحقة. وفي الخاتمة: كان للمؤلف عدة وقفات من بينها: - الشعب الأمريكي واقع تحت ظلم اليمين المتطرف والصهيونية المتمكنة، والحملة على المؤسسات الخيرية الإسلامية ليست مقبولة لدى شرائح هناك، ويبقى توجيه الخطاب لهم والاستفادة مما عندهم لتواصل للمؤسسات الخيرية رسالتها. - أن العمل الخيري في الإسلام كان قوة للأمة وسنداً للدولة، وقد يصل إلى كونه القطاع الأول والثاني، كما أنه في الإدارة الحديثة قطاع ثالث من قطاعات التنمية للدولة. ثم يأتي الفصل الأخير في هذا الباب والكتاب أيضاً، ويحوي ثلاث رسائل: واحدة إلى الحكومة الأمريكية، والثانية للحكومات العربية والإسلامية، والأخيرة إلى رجال المال والأعمال.