معاناة علاقة محرمة!.. - خالد روشة
مدة
قراءة المادة :
6 دقائق
.
كثير من الناس لديه ذنب يصاحبه، يكاد أن يدمنه منذ فترة طويلة، يصاحبه في حله وترحاله، يكثر من الوقوع فيه بشكل متكرر متتابع!.. القلوب اللاهية لا تتأثر بذلك الذنب الملاصق، ولا تتألم له، ولا تعاني من وجوده، بل قد تتمادى فيه، وقد تضم إليه غيره من المعاصي، حتى تفسد عليه حياته!
فمن الناس من أدمن الفساد، وارتاحت له نفسه، فصار يغلق عينيه عن رؤية الفساد، ولو رآه لبرره، واحتج بكونه ضعيف لايقوى على رفضه، ثم تراه يصبح ترسًا في منظومته، ومشجعًا عليه، ويصير وصوليًا مداحًا للفاسدين، ساكتًا عن كلمة الحق، مخروسًا عن نقد الباطل والفساد...
فتصير حياته كلها فساد!
والبعض قد أدمن الظلم ، فصار يظلم أبناءه فلا يقوم بحقهم، ويظلم زوجته فيؤذيها ويؤلمها وويهملها، ويظلم أخواته فيغصب حقهن في الميراث ، ويظلم العاملين عنده فيضيع حقهم ويقتص منه، ويماطل في أجورهم، ويظلم الناس فلا يؤدي دين من أقرضه مع غناه، ولا يرد الأمانة لمن ائتمنه...
ومنهم من قد أدمن الرشوة، فصار يستبيحها في عمله بشكل يومي دائم، بل تطور الأمر به أنه يطلبها مباشرة، بل تطور به حتى إنه ليمتنع عن أداء العمل لمن لم يعطيه الرشوة، وصار طعامه حرامًا وشرابه حرامًا!...
آخرون قد أدمنوا الربا ، فصاروا لايبالون عن أموالهم من أين اكتسبوها، مادامت تزيد أمامهم، بل صاروا يصمون آذانهم عن فتاوى حرمة الربا، بل عن آيات القرآن في محاربة آكل الربا، وصارت حياتهم كلها ربا، متعرضون لحرب من الله ربهم.
وغيرهم قد أدمنوا العري، ووجدوا أنفسهم في رؤية العري، ومتابعته، والنظر إليه، بل والسعي نحوه، وتركوا أنفسهم نهبة للشهوات، فنهارهم لهاث نحو النساء وليلهم سقوط في حمأة الذنب!
كل واحد من هؤلاء وأمثالهم قد يفاجئ -مع مرور الوقت - بجبال من آثام قد واقعها استهانة بهذا الذنب، ثم يرتطم بجدران عازلة بينها وبين التوبة منه، وبضعف متناه في القدرة على البعد عنه، وربما قهره هذا الذنب، فظل يصاحبه حتى آخر رمق وآخر لحظة وآخر لفظة من الحياة، فيلقى ربه عليه...
إدمان الذنب سببه الضعف في لحظة الوقوع فيه، وعدم القدرة على الصمود أمام بريقه، وتراجع مستوى يقين القلب في مواجهته، والاستسلام أمام دعوة الشيطان لتكراره، وتذكر لذة حدوثه، وعدم اتخاذ خطوات تنفيذية في طريق تركه وإبعاده.
بعض مدمني الذنوب قلوبهم طيبة، ونفوسهم مؤمنة، لكنها عاصية، تضعف أمام ذلك الذنب، وتنكسر أمامه، فيمثل لها ذلك الذنب العقدة الثقيلة، والعقبة الكؤود.
هؤلاء الطيبيون يعانون معاناة تلك العلاقة المحرمة بينهم وبين الذنب، وتنغص عليهم حياتهم، فهم يرتجون الإقلاع عنه لكنهم لايفعلون، ويتمنون التوبة منه لكنهم لاينجحون!...
إن حياة المؤمن كلها عبارة عن صراع بين الحق والباطل، ومنازعة بين الطاعة والإثم، فليس ثم لحظة راحة، ولا توجد ساعات هدنة، إلى أن يلقى ربه، يعبر عن ذلك ما يروى عن الإمام أحمد في لحظاته الأخيرة يغشى عليه ثم يقول: ليس بعد، فيسألونه عن ذلك، فيقول يأتيني الشيطان فيقول لي: أفلت مني يا أحمد، فاقول له: ليس بعد..
ليس بعد.
الشيطان، لطول صحبته للإنسان يعرف نقائصه، ويترصد لسقطاته، ويبحث عن ثغراته للولوج له والوسوسة له، والتأثير عليه.
والحقيقة أنه ليس هناك مؤمن عديم الذنب، بل الجميع مخطىء، ومسيىء، ومقصر في جنب ربه سبحانه، لكن هناك من ينجح في مواجهة الشيطان، والفوز عليه في مباراة المنازعة بين الطاعة والمعصية، ومنهم من يستسلم له فينهزم ويحمل ذنبًا بعد ذنب وخطيئة تلو خطيئة.
البداية يجب أن تكون من القلب، فهو المركز المؤثر، البداية من هنا بالفعل، هذا القلب يجب أن يمتلىء بحب ربه سبحانه، وحب رضاه، وحب توحيده، وأن يسعى أن يستشعر بلذة العبودية، وطعم الإيمان ، وحلاوة التوبة من الإثم.
ثم عليه أن يقنع نفسه إقناعًا بخطر ذلك الإثم وسوء أثره عليه، وعقوبته المؤلمة إن هو تهاون فيه، فيندم عليه ندمًا يحرق حلاوة المعصية التي يجدها، ويذكر نفسه أنه عليه أن يلبي نداء ربه في التوبة النصوح من كل إثم والمسارعة إليها، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّـهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا} [التحريم:8].
ثم يوقظ في نفسه القدرة على الإيجابية والمبادرة والمجاهدة، والبدء يخطوات تنفيذية حقيقية في سبيل تغيير حياته ونفسيته، ويستبدل ضعفه ثباتًا ويقينًا وقوة قلب ويستصحب الخوف من الله سبحانه، ويذكر نفسه بعذابه وعقابه {قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم:6].
ثم يجب أن يقوم المؤمن بعملية أشبه بالعملية الجراحية لإستئصال ورم خبيث، فيقطع الأوردة التي تغذي هذا الورم، ويقطع الحبال التي توصله بالذنب، ويسد الطرق التي يسير فيها إليه، ويفارق أماكنه، والذين يسهلونه له، ويضع العقبات في سبيله إذا هو أراد العودة إليه.
وهو في كل ذلك يستعين بالله الرحيم اللطيف الخبير سبحانه، ويحسن الظن به سبحانه، بأنه سيتوب عليه ويغفر له، ويكثر من دعاء ربه بالتوفيق للتوبة منه.
الحقيقة أن هذه العملية المركبة في مطاردة الذنوب، ينبغي أن تكون دائمة طوال حياة الإنسان، كما ينبغي أن تكون متابعة مع كل ذنب ينتبه المؤمن أنه قد عاوده.
لكن لا ينبغي أن يؤثر ذلك على حياته وإنجازاته وإيجابيته في مسايرة خطواته الفعالة في سبيل نجاحه وإصلاحه لحياته ومجتمعه، فالتوبة عملية دائمة، والإصلاح أيضًا هو عملية دائمة، والإنجاز في الحياة عملية موصولة مع كل خطوة من خطوات المؤمن.
فعليك إذن أن تخطو نحو الأمام في حياتك، وتتابع قلبك وتطهره وتنقيه من آثار الخطايا، وترجو ربك وتدعوه بالتوفيق...
كله معًا.