الغُلوّ في تناول نصوص الملاحم وأشراط الساعة !! - أبو فهر المسلم
مدة
قراءة المادة :
4 دقائق
.
كثيرون هم الذين لا يُحسنون التعامل مع نصوص الكتاب والسنة، وأقوال سلف هذه الأمة؛ الواردة في أبواب الفتن والملاحم وأشراط الساعة، ويَغلو أحدهم في إسقاطها، غلُوًّا كبيرا !فتجدهم قد بلغوا من التكلُّف غايته، ومن التعسُّف منتهاه؛ في إسقاط جملةٍ هائلة من نصوص تلك الأبواب، على وقائع مُعيّنة، ونوازل حادثة ..
بل على أشخاص وأعيان بذواتهم وصفاتهم !
وهم في ذلك كلّه ..
مُتعجّلون، مُتسرّعون، سَطحيّون جدًّا !
قد غلبَ على كثيرٍ منهم؛ الهَوى، والعصبيّة، والتحيُّز إلى فئة !
وهذه الظاهرة ليست مجرد تأويلاتٍ عابرة، ولا اجتهاداتٍ سائغة ..
بل هي من أخطر مايكون !
وذلك ..
لأنها تجرُّ إلى مفسدتين عظيمتين :
الأولى: أن أصحاب هذه التنجيمات؛ يبنون عليها مستقبلًا ما لايكون إلا من علم الله، ويجزمون بتحديد أقضيةٍ وأقدار؛ وكأن عندهم أمّ الكتاب!
فيرجمون بالغيب، ويتكهنون بما ليس لهم به علم، ويتكلّفون التلفيق العلمي والشّرعي ..
فيحصدون الهلاك والخسار، والضلال والإضلال !
لأنهم إما أن يستبشروا بالغيب القادم الذي أمّلوه ..
وساعتها يُعجبون ويتواكلون، وغالبًا يجلسون قعودًا حتى يكون !
وإما أن يتشاءموا به وما سيكون من جرّائه ..
وساعتها يُقعدهم ذلك ويُثبّطهم، ويصدّهم عن كلّ سعيٍ وحركة !
الثانية: تضييع الحقّ وتلبيسه بما ليس منه ..
حيث إن كل حزبٍ وجماعة، أو طائفة وفرقة؛ تسارع إلى توظيف النص في خدمة حدثٍ معين؛ يخدم طريقتها ومذهبها، حسب ماتَهوى ويَحلو لها !
فتقع الفتنة في الناس، ويلتبس الحقّ عليهم، ممّا يحدو بهم إلى الحيرة والتخبّط، والتّيه والتّشتّت !
فليتق اللهَ ربَّه ..
امرءٌ متكلِّف، صاحب هوًى لاحُجة، يلوي نصوص الوحي المُنزَّل؛ بالجهل والهوى المُتأوَّل !
يتكلّف التنزيل ..
ويتعسّف التدليل ..
ويتشدّق بالقِيل ..
لِيُضِلّ الناس عن السّبيل !
ولْكن اعلموا أيها الكرام :
أن مَن تأول مثل ذلك، وكان أهلًا للاجتهاد والتأويل، طالبًا الحقّ والهُدى، لا مُنجّمًا بغيبٍ أو رُؤى؛ فمِثلُه بين أجرٍ وأجرين، ولا يُردّ اجتهاده بإطلاق، لا سيّما وإن دلّل على اجتهاده بما تقوم به الحُجّة، وليس مجرد خبط عشواء !
لكنه كذلك لا يَعدو أبدًا كونه للاستئناس والعمل، لا دافعًا إلى التثبيط والكسل !
وهو كذلك لا يَعدو كونه ظنًّا ..
وإن الظنّ لا يُغني من الحقّ شيئًا !
ولِتعلمَ صدقي فيما ذكرتُ لك وإحقاقي، وأنه ليس من كِيسي وادعائي ؛
فأرسلْ طرْفك، وأعمِل فِكرك، في كل مَن كان قبلك وسبَقك !
كيف أنه تجهَّم مثلك وادَّعى ..
وتكلَّف التأويل بالهوى ..
وأنزل مثل نَصِّك في حدَثهِ وانتهى ..
فلم يجْنِ إلا الضلال لا الهدى !
فلا التأويلَ وقع، ولا المسكين انتفع !
وذاك أنموذج لِما ظُنّ وُقوعه ولم يكن وقَع ..
فتدبّره :
( عن ليثٍ عن طاوس قال: ليُقتلنَّ القُرَّاء قتلًا، حتى تبلغَ قتلاهم اليمنَ !فقال له رجل: أوليس قد فعل ذلك الحَجاجُ ؟!! قال: ما كانت تلك بعدُ ).
مُصنّف ابن أبي شيبة
فالْزم الحقّ متى حُقَّ ..
ودُر مع الدليل حيث دَلَّ ..
وكُن مع النّصّ حيث نَصَّ ..
واسْتبشِر بالخير واعْمَل ..
واحْذَر الشرَّ ولا تَكسل !
{ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا }.