خواطر حول سورة الفاتحة - سهام علي
مدة
قراءة المادة :
6 دقائق
.
الفاتحة هى أعظم سورة فى القرآن الكريم وقد جعلها الله ركنا من أركان الصلاة، فلا تصح الصلاة بدونها، ومن فضل الفاتحة أن أطلق عليها أم القرآن وأم الكتاب، ومسميات أخرى كثيرة منها الشافية والكافية والوافية وغيرها. والمتأمل في سورة الفاتحة يجد أنها قد جمعت كل أسس العقيدة كما يلحظ الترابط البديع بين آياتها بدءًا من البسملة حتى النهاية وهنا نسوق بعض الخواطر حول هذه المعاني بادئين بما بدأ الله به.
{بسم الله الرحمن الرحيم } [الآية:1]
التبرك باسم الله تعالى واختياره للبدء لأن كل عمل يبدأ باسم الله فهو مبارك، كما أن البركة تنزع عندما لا يذكر اسم الله، أما لفظ الجلالة (الله) فهذا الاسم علم على الذات الإلهية إشارة لألوهية لا يشاركه فيها أحد، ودخل فى البسملة كمقدمة دالة على تقديس الذات الإلهية وتنزيهها مما الصق بها فى الديانات المحرفة، مما جعل لها وقعًا نافذًا فى قلوب وعقول من دخلوا الإسلام .
{الرحمن الرحيم} [من الآية:1]:
تعيين الرحمة من صفات الله تعالى لأن الإنسان بضعفه وتجرده من الحول والقوة فى أمس الحاجة إلى رحمة الله فى الدنيا والآخرة، رحمته المتمثلة فى إمداده بالنعم والعون والحفظ والرعاية.
{الحمد لله رب العالمين } [الآية:2]
الحمد هو المدح المطلق الذى يدل على كمال ذات الله وصفاته وأفعاله وتنزيهه عن كل صفات النقص بشكل مطلق كذلك، وتخصيصه وحده بهذا الأمر، وهو كذلك تعبير عن شكر العبد لربه فى كل الأحوال، لأن الحمد نوع من الشكر لكن فى السراء والضراء إيمانًا من العبد أن الله منزه عن الخطأ والشر فيما يقدر له ويختار.
والحمد لله والثناء عليه هو المقدمة الفطرية الطبيعية عند الدعاء ،وخاصة أن دعاءه مشتمل جامع مانع؛ جامع لكل أنواع الخير مانع لكل أنواع الشر، وهذا أمر متسق تمامًا مع مكانة من يدعوه فهو رب العالمين أى مالك الملك كله بما فيه ومن فيه، القائم على أمره والمدبر لكل ما يقع فيه والمتحكم فيه وحده.
كذلك فإن حمد الله كما هو نتيجة لرحمة الله ولكل خير فهو سبب لطلب مزيد من الرحمة ولكل خير، ولذا فحمده وجب قبل الرحمة وبعدها.
{الرحمن الرحيم} [الآية:3]
عودة أخرى لصفة جمال تطمئن بها النفس بعد أن انخلع القلب مهابة لاستحضار عظمة ربوبية الله المتمثلة فى تحكمه فى هذا الكون ومطلق قدرته فى خلق ما يشاء وإفناء ما يشاء.
وتكرار صفات الرحمة للتأكيد من ناحية، وتعدد أشكال وأنواع هذه الرحمة فهى ذاتية كصفات لله فهو الرحمن؛ ورحيم بأفعاله مع الخلق، ومن واسع رحمته أنها امتدت للمؤمن والكافر فى الدنيا فهو رحمن لكل خلقه، ورحيم بالمؤمنين فى الآخرة.
{مالك يوم الدين} [الآية:4]
تذكرة جديدة بعظمة الله ولفتة لأمورعديدة منها: إشارة إلى يوم الجزاء الذى لا يدل على العدل فحسب؛ بل الرحمة كذلك لأن المؤمن كلما حاول الشيطان العبث به وتسليطه على إخوانه من بنى البشر تذكر هذا اليوم فكف أذاه عنهم وعن كل المخلوقات، وهذه هي علاقة الرحمة بيوم الين، فلولا هذا اليوم لأطلق البشر لأنفسهم العنان لتحصيل مصالحهم العاجلة مادام ليس هناك آجلة؛ بل هناك آجلة، يوم يتخلى فيه كل بنى آدم عن أوهامهم فى منازعتهم لله فى الملك كما كانوا يتخيلون فى الدنيا ويعرف الأمر على حقيقته، وهو أن الملك لله وحده.
{إياك نعبد} [من الآية:5]
نتوجه لك بالعبادة يا من تملك هذه العظمة المطلقة ونذل إليك ذلاً نستشعر معه اللذة والاستمتاع لأنه ذل إلى كريم يعطى بسخاء، ويمنح الولاية والتمكين والعزة والقوة ولذا بك وحدك نستعين.
{وإياك نستعين} [من الآية:5]
لنحصل على كل أسباب العزة فى الدنيا والفوز فى الآخرة، نستعين بك على طاعتك وعلى النصر على أعدائك، نستعين بك فى كل صغيرة وكبيرة، لأننا نؤمن بأنك رب الأسباب فنعتمد عليك وليس على الأسباب ولأن الأمر كله بيدك فنسألك الهداية.
{اهدنا الصراط المستقيم } [الآية:6]
طريق الفلاح والنجاح والتوفيق الذى اختاره المولى سبحانه للمؤمن، طريق الحق الذى إذا ما سلكه المؤمن ثبته الله على الصراط يوم القيامة حيث النجاة والسلامة.
{صراط الذين أنعمت عليهم} [من الآية:7]
الذين أكرمتهم واصطفيتهم فعاشوا النعمة والنعيم مرتين؛ مرة فى الدنيا بالأنس بك فيها من خلال ذكرك وعبادتك وطاعتك والتزام الصحبة الطيبة التى تكافئ بها عبادك باستمرارها فى الآخرة، ومرة فى الآخرة حيث النعيم المقيم، والنعيم الإضافى من خلال صحبة من هم أعلى منزلة فى الجنة ، ثم يبلغ النعيم ذروته عند النظر إلى وجهك الكريم .
وهذا الدعاء الجماعى بضمير الجماعة يجعل لكل مسلم نصيبا من دعاء إخوانه المسلمين في كل مكان.
{غير المغضوب عليهم } [من الآية:7]
ولا تجعلنا من الذين غضبت عليهم بأي درجة من درجات الغضب، وليس فقط الغضب بسبب الكفر ولكن ما دون ذلك أيضا؛ فالمؤمن طموحه أكبر أن يناله أى قدر من غضب الله أو سخطه وخاصة أن الغضب قرين الذنب المتعمد رغم معرفة الحق.
{ولا الضالين} [من الآية:7]
الذين ضلوا عن طريق الحق فى دينهم ومعبودهم بدايًة، أوأى درجة من درجات الضلال بسبب الجهل، فمن من أهل الضلال والفسق من يحسب نفسه من المسلمين وهو يتبع سبيل الكافرين شبرا بشبر، بل منهم من يصلي إلى القبلة ويصوم رمضان وهو يتبع أهل البدع في معتقداهم وشعائرهم وممارساتهم ويدعو إليها بكل كيانه منكرا على أهل السنة أنهم لا يحذون حذوه.
نسأل الله السلامة.