عزت السلاموني نبيل الشعراء وفقيد النبلاء - حسن الخليفة عثمان
مدة
قراءة المادة :
6 دقائق
.
يا من تحكم في بلادي باطشًا بالمؤمنين *** وسياطه نهشت ظهور الطائعينوكلابه وذئابه تعوي بوجه الساجدين *** أتظن أن الخلد لك، أملكت ناصية السنين؟
عجبًا لطين قد تناسى أصله *** أنسيت أنك نطفة الماء المهين؟
أتظن نار القهر تثني عزمنا؟ *** أَوَهِمت أنّا قد نلين؟
أتظن إنْ غيبت أسدًا في السجون *** ستفرّط الأشبال يومًا في العرين؟
قد خاب ظنك يا ظلوم *** وستحصد الخسران والخزي المبين
أنسيت كم عقرت كلابك من شباب طاهر *** كانوا حداة الركب قبطان السفين؟
فدماؤهم صارت منارًا للفدى *** قد أثمرت فينا الثبات مع اليقين
والأرض زال مواتها بدمائهم *** قد أنبتت آلاف آلاف الأُباة الثائرين
هذي خيول الحق تطرد بالقنا *** والنقع فوق العاديات الضبح لاح
وجِنان عدن قد تنادت حورها *** وكتائب الرحمن تجتاز البطاح
كانت تلك كلمات من ديوان الشاعر النبيل -أو نبيل الشعراء- الراحل الكبير فضيلة الشيخ (عزت السلاموني) من ديوانه (في سجون مبارك) من قصيدة (ارحل)، والذي فاضت روحه الطاهرة إلى بارئها يوم السبت الماضي أول أغسطس في معتقل طرة بسجون الانقلاب العسكري بمصر.
الحديث عن الشيخ عزت السلاموني القيادي بالجماعة الإسلامية وعن تاريخه ونضاله، ومسيرته الحافلة بالعطاء، هذا يوفيه حقه وصفًا غيرنا ممن هم من جيله ورفاق مسيرته، لكنني أكتب اليوم مقالتي هذه عن المعتقل السياسي النبيل عزت السلاموني رحمه الله الذي أحسبه على خير ولا أزكيه على الله.
ذلك الذي قضى أكثر من خمسة عشر سنة معتقلًا سياسيًا غير مدانٍ ولا محكومٍ عليه بحكم قضائي، أيًا كان نوع هذا القضاء، ورأينا فيه وقد كان من تقدير الله أن يكون جزء من هذه السنوات الطوال في غرفة بجوار غرفتي في معتقل العقرب بطرة في مصر ، وقفنا فيها على باطن حاله وعلى أهدافه في الحياة وغاياته، وسبرنا أغواره وبلونا أخلاقه.
ذلك الإنسان الذي لا تراه إلا طليق الوجه، بسّام المحيا، لا تسمع أذنك منه إلا طيبًا حسنًا، أول لقاء يلقاك فيه كأنك التقيت خلًا حميمًا طالت عنك غيبته واشتد شوقك إليه، عبقري في صناعة البسمة على وجوه المنكسرين، وديع هادئ أسد مغوار، ذليل لا تعرف الشدة على المؤمنين طريقًا إليه، عزيز لا يفارق الاستعلاء على الظالمين رحاله، رفيع الذوق، مرهف الحس، كان يطربه الاستماع إلى أنشودة البردى بصوت عبدالعظيم العطواني، كان هائما بحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أتعب التواضع من تواضعه، وهذا ما كنا شهودا عليه، وتلك السجية هي التي كانت مفتاحه للقلوب..
إذا أردت أن تنظر طفلًا بريئًا في صورة من ناهز الخمسين من العمر نظرت إليه وإلى نظراته التي يرسلها إليك حبًا ومودة وبراءة ولطفًا، أكثر ما كان يشغله في هذه الفترة كيف يدخل السعادة على قلوب الشباب الصغار الذين حوله، شاهدته بنفسي يعمل خادمًا متفانيًا باذلًا ما يملك ليتم أمر زواج شابين مرافقين له في السكن من فتاتين مسلمتين قبلتا الارتباط والزواج بهذين المعتقلين ككثير من الحالات في هذا الوقت .
فوالله لقد شاهدت الرجل يشمر عن سواعد المروءة كأنهما ولداه، أو كأن الزواج له، وقد كانت سعادته لا توصف بعد أن تم هذا الأمر وتكلل بالنجاح، لقد كان الشيخ عزت السلاموني رحمه الله خير نموذج لفئام من الناس، وإن لم أكن واحدًا منهم لكني كنت شهيدًا -بما قدره الله عليّ من ابتلاء في بدني ولزومي للفراش طوال حياتي- على مدى إنسانية ونبل ومروءة هؤلاء الناس مع مخالفيهم قبل متابعيهم..
وكنت شهيدًا على رجولتهم التي أشهد بالله أني ما رأيت مثلها عند غيرهم من الكيانات والتنظيمات الموجودة بالساحة الإسلامية، رأيتهم وهم يُساقون إلى مقاصل الإعدام فكأنما يزفّون إلى زوجاتهم في ليالي عرسهم، ورأيتهم ركعًا سجدًا بين يدي الله في جوف الله رهبانًا كما كانوا بالنهار فرسانًا، رأيت أناسًا بفطرتهم يتزاحمون ويتقاتلون عند الفزع، ويُعدمون ويهربون عند الطمع، يعشقون المغارم ويتعففون عن المغانم.
بعد أن دالت الأيام دولتها على جماعة الإخوان المسلمين، والذين كان منهم في حق أبناء وقيادات الجماعة الإسلامية ما كان؛ وقفت بنفسي وكنت شاهدًا على ما كان يمكن أن يغنموه من عرض لو أنهم قبلوا أن يخلوا بين العسكر والإخوان المسلمين، ويخذلوا الإخوان في موضع لم يكن من المروءة فيه أن يتركوا الإخوان، ولو كلفهم ذلك الموقف أن يدفعوا أرواحهم ثمنًا لها في سجون من كان يصطف في صفه الإخوان عليهم يومًا ولا يرى لهم حقًا.
حين قال السيد الرئيس محمد مرسي فك الله أسره: "الشرعية ثمنها حياتي، حياتي أنا".
كان لا بد أن يكون من المسلمين من خلفه من يصدقونه وينصرونه قولًا وعملًا، فاضت روح العالم والشاعر والقيادي فضيلة الشيخ (عزت السلاموني) وهو على ذمة قضية تحالف دعم الشرعية ليلقى ربه يوم القيامة وقد كتب ميثاق صدقه ووفاءه لمبادئه وقيمه وثوابته بروحه وعمره، نسأل الله أن يتقبله في الشهداء وأن يجعل الجنة نزله ومثواه.
بقيت كلمة أوجهها للنبلاء من حزب البناء والتنمية في مصر وخارج مصر: إن مصابكم هو مصاب كل حر وصاحب مبدأ في هذا العالم، ولن نُعدم الخير في أمة شهداءها زعماءها، وقربانها نبلاءها.