(6) الترهيب من ترك الجهاد وشؤم إهماله - الجهاد تأصيل و أحكام - أبو فهر المسلم
مدة
قراءة المادة :
4 دقائق
.
ومتى ترك المسلمون الجهاد وركنوا إلى دنياهم وشهواتهم فقد عرَّضوا أنفسهم لمَقت الله وغضبه، فيسلّط عليهم الذُلّ والهوان، ويَضيع دينهم، وتُستباح حُرماتهم.. لذا تواترت النصوص كتابًا وسُنّة على الترهيب من تركه وإهماله فمن ذلك:
* قوله تعالى: {إِلا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [ التوبة :39].
- قال السّعدي رحمه الله، في تفسيره:
"{إِلا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}: في الدنيا والآخرة، فإن عدم النفير في حال الاستنفار من كبائر الذنوب الموجبة لأشد العقاب فإن المتخلف قد عصى الله تعالى، وارتكب نهيه، ولم يساعد على نصر دين الله، ولا ذَبَّ عن كتاب الله وشرعه، ولا أعان إخوانه المسلمين على عدوهم الذي يريد أن يستأصلهم ويمحق دينهم، وربما اقتدى به غيره من ضعفاء الإيمان ، بل ربما فَتّ في أعضاد من قاموا بجهاد أعداء الله، فحقيقٌ بمن هذا حاله؛ أن يتوعده الله بالوعيد الشديد".
* وأما من السُّنّة: فانظر ما رواه مسلمٌ من حديث أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من مات ولم يَغزُ، ولم يُحدّث نفسَه بالغزو؛ مات على شُعبةٍ من نفاق».
- قال النووي في شرح مسلم:
"والمراد: أن من فعل هذا فقد أشبه المنافقين المتخلفين عن الجهاد، في هذا الوصف، فإن ترك الجهاد أحد شعب النفاق ".
- وقال ابن حجر الهيتمي، في الزواجر:
"ولذلك صار معلومًا ومُقررًا عند الصحابة أنه لا يقعد عن الجهاد إذا كان فرض عين إلا ضعيف معذور أو منافق، وهذا ما يحكيه كعب بن مالك رضي الله عنه حين تخلف عن تبوك: (فكنت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم فطفت فيهم؛ أحزنني أني لا أرى إلا رجلًا مغموصًا عليه النفاق، أو رجلًا ممن عذر الله من الضعفاء) (متفق عليه)".
* بل وتأمَّل ما ورد من الترهيب، عند أحمد، وأبي داود، من حديث ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا تبايعتم بالعِينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد؛ سلط الله عليكم ذلًّا لا يَنزعه، حتى ترجعوا إلى دينكم»
- قال الصنعاني في التنوير: "فجعل الجهاد الدين، وأن الذِّلة لازمة لمن تركه"
- وقال الشوكاني، في نيل الأوطار: "وسبب هذا الذل أنهم لما تركوا الجهاد في سبيل الله، الذي فيه عزّ الإسلام وإظهاره على كل دين؛ عاملهم الله بنقيضه، وهو إنزال الذِّلة، فصاروا يمشون خلف أذناب البقر، بعد أن كانوا يركبون على ظهور الخيل التي هي أعزّ مكان..
وقوله: «حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ»: فيه زجر بليغ؛ لأنه نزَّل الوقوع في هذه الأمور؛ منزلة الخروج من الدين".
- بل أغلظ المناوي في التيسير فقال:
"جعل ذلك بمنزلة الرِّدة، والخروج عن الدين؛ لمزيد الزجر والتهويل".
* واحْذَر هذه فواللهِ إنها لإحدى الكُبَر:
قال ابن تيمية رحمه الله، في الاستقامة :
"وسنامُ ذلك الجهادُ في سبيل الله، فإنه أعلى ما يُحبه اللهُ ورسولُه، واللائمون عليه كثير، إذ كثيرٌ من الناسِ الذين فيهم إيمانٌ يَكرهُونَه، وهُم إما مُخَذِّلُون مُفتِّرون للهِمَّة والإرادة فيه، وإما مُرجفون مُضْعِفون للقوة والقُدرة عليه؛ وإن كان ذلك من النفاق؛ قال الله تعالى: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا} [الأحزاب:18]".
فهلَّا اعتبر المتخاذلون، واتَّعظ المتقهقرون، وأفاق المسلمون؟!