نواقض الوضوء - عبد الله بن حمود الفريح
مدة
قراءة المادة :
11 دقائق
.
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين.قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى في منهج السالكين: "وهي: الخارج من السبيلين مطلقًا، والدم الكثير ونحوه، وزوال العقل بنومٍ أو غيره، وأكل لحم الجَزُورِ، ومسُّ المرأة بشهوة، ومسُّ الْفَرْجِ، وتغسيل الميت، والرِّدَّةُ: وهي تحبط الأعمال كلها.
لقوله تعالى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [المائدة من الآية:6].
وسُئِلَ النبي صلى الله عليه وسلم:"أَنَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ اَلْإِبِلِ؟" فقال: «نَعَمْ» (رواه مسلم).
وقال في الخُفَّيْنِ: «وَلَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ» (رواه النسائي والترمذي وصححه)".
الشرح:
نواقض الوضوء : مفسداته التي إذا طرأت عليه أفسدته وأوجبت عليه الوضوء.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:" والنواقض نوعان:
الأول: مجمع عليه، وهو المستند إلى كتاب الله تعالى وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم.
الثاني: فيه خلاف، وهو المبني على اجتهادات أهل العلم رحمهم الله وعند النزاع يجب الرد إلى كتاب الله تعالى وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم" (الممتع: [1/286]).
نواقض الوضوء هي:
أولًا: الخارج من السبيلين:
والسبيلان: هما الطريقان، والمقصود بهما القبل والدبر.
الخارج من السبيلين لا خلاف أنه ناقض.
والخارج من السبيلين على أنواع:
1- البول والغائط: ويدل على ذلك:
أ.
قوله تعالى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ} [المائدة من الآية:6].
ب.
وحديث صفوان بن عسّال رضي الله عنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا سفرًا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيّامٍ ولياليهن، إلا من جنابةٍ ولكن من غائط وبول ونوم" (رواه الترمذي برقم: [96]، رواه النسائي برقم: [127]).
وكذا لو خرج من أحد السبيلين دم، فيعتبر ناقضًا قليلًا كان أو كثيرًا.
2- الريح:
لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ فِي بَطْنِهِ شَيْئًا فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ أَخَرَجَ مِنْهُ شَيءٌ أَمْ لاَ؟ فَلاَ يَخْرُجْ مِنَ الْمَسْجِدِ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا» (رواه مسلم برقم: [362]).
3- المذي والودي:
لحديث علي رضي الله عنه قال: كنت رجلًا مذاءً، فاستحييت أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته مني، فأمرت المقداد فسأله، فقال صلى الله عليه وسلم: «يَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَيَتَوَضَّأُ» (رواه البخاري برقم: [178]، رواه مسلم برقم: [303]).
المذي: هو ماء رقيق ليس له رائحة المني، ويخرج بدون دفق عند الشهوة وعند فتورها.
الودي: عصارة تخرج بعد البول، وهو نقط بيضاء في آخر البول.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "أما الودي فله أحكام البول من كل وجه".
ويدخل في الخارج من السبيلين: المني، ودم الحيض ، والنفاس، وهي توجب الغسل بعد الطهر.
وستأتي أبحاثها -إن شاء الله- في باب الغسل وباب الحيض.
ثانيًا: الدم الكثير:
على قول المؤلف رحمه الله في المتن أن الدم الكثير ينقض الوضوء، والقول الراجح -والله أعلم- أن الدم لا ينقض الوضوء إن كان من غير السبيلين؛ لعدم الدليل على ذلك -وسبقت المسألة في باب إزالة النجاسة-.
وأن هذا القول هو الذي رجحه المؤلف في موضع آخر.
ثالثًا: زوال العقل:
زوال العقل نوعين:
1- زوال العقل بالكلية كالجنون مثلًا والإغماء.
فهذا ناقض للوضوء يسيره وكثيره.
2- زوال العقل لفترة معينة للإنسان فيه إرادة كالنوم.
وهذا ينقسم إلى قسمين:
أ- النوم المُستغرق الطويل:
وهذا ناقض للوضوء لحديث صفوان بن عسّال رضي الله عنه السابق: "وَلَكِنْ مِنْ غَائِط وِبَول وَنوْم" (رواه الترمذي برقم: [96]، رواه النسائي برقم: [127]).
ب- النوم غير المُستغرق الخفيف:
وهذا لا ينقض الوضوء لحديث أنس رضي الله عنه قال: "كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينامون ثم يصلون ولا يتوضؤون".
ضابط النوم الذي لا ينقض الوضوء:
وهو النوم الذي لا يذهب معه شعور الإنسان، بحيث يحسّ بمن حوله.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه: "النوم ينقض الوضوء إذا كان مستغرقًا قد أزال الشعور، أما النعاس فلا ينقض الوضوء لأنه لا يذهب معه الشعور".
رابعًا: أكل لحم الإبل:
ويدل على ذلك:
1- حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه : أن رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَنَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الإِبِلِ؟ ".
قال: «نَعَمْ، تَوَضَّأْ مِنْ لُحُومِ الإِبِلِ» (رواه مسلم برقم: [360]).
2- حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تَوَضَّئُوا مِنْ لُحُومِ الإِبِلِ» (رواه أبو داود برقم: [184]).
ويدخل في معنى اللحم: الكرش، والقلب، والمصران، والكبد، والكلية، والطحال، واللسان وما أشبهها على القول الأحوط.
وأما: المرقة واللبن فلا تنقض الوضوء؛ لأن النص في اللحم، وهي ليست كذلك ولا في معنى اللحم.
خامسًا: مس المرأة:
الصحيح أن مس المرأة لا ينقض الوضوء مطلقًا بغير شهوة أو بشهوة، إلا أن يخرج منه شيء كالمني والمذي.
• ومن الأدلة على أن مس المرأة لا ينقض الوضوء: حديث عائشة رضي الله عنها وعن أبيها قالت: "فَقَدْت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الفراش فالْتَمَسْتُهُ فوضعت يدي على باطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان" (رواه مسلم برقم: [486]).
وعنها قالت:"كنت أنام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلاي في قِبْلَته فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي" (رواه البخاري برقم: [382]، رواه مسلم برقم: [512]).
وأما قوله تعالى: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [المائدة من الآية:6] فالمراد باللمس هنا: الجماع ، كما صح ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما.
سادسًا: مس الفرج:
ويدل على ذلك: حديث بسرة بنت صفوان رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» (رواه أبو داود برقم: [181]، رواه الترمذي برقم: [82]).
قال البخاري رحمه الله تعالى عن هذا الحديث: "هو أصح شيءٍ في الباب".
وجاء حديث عن طلق بن علي رضي الله عنه مرفوعًا: الرجل يمس ذكره أعليه الوضوء؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا هُوَ بَضْعَةٌ مِنْكَ» (رواه أبود داود برقم: [182]، رواه الترمذي برقم: [85]).
فدل هذا الحديث على أن مس الذكر لا ينقض الوضوء، والجمع بين الحديثين أن يقال: مس الذكر لا ينقض الوضوء، والوضوء منه مستحب؛ لحديث بسرة فهو ينزل منزله الاستحباب، والصارف عن الوجوب حديث طلق بن علي رضي الله عنه، واختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية وشيخنا ابن عثيمين رحمهما الله، ولو توضأ المسلم فهذا أحوط له، والأخذ بحديث بسرة رضي الله عنها أحوط، ورجح ابن القيم رحمه الله حديث بسرة على حديث طلق بن علي من سبعة وجوه كما في تهذيب السنن.
• المقصود بمس الذكر: أن يكون مباشرة بدون حائل، أما مع حائل فلا يعد لمسًا.
• الذي ينقض الوضوء مس الذكر، لا ما حوله سواء ببطن الكف أو بظهرها.
• الحكم عام في الرجال والنساء للرواية الثانية عند أحمد والنسائي: «مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» (رواه النسائي برقم: [444]، رواه أحمد: [21689]).
• المقصود بالفرج هو: القبل والدبر، قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمة الله عليه في: "ومس الدبر داخل في عموم الفرج" (الممتع: [1/292]).
سابعًا: تغسيل الميت:
الصحيح: أن تغسيل الميت لا ينقض الوضوء.
والدليل: عدم الدليل على النقض؛ لأن النقض يحتاج إلى دليل شرعي يرتفع به الوضوء الثابت بدليل شرعي، ولا دليل من كتاب ولا سُنَّة ولا إجماع.
وهذا قول جمهور العلماء .
ثامنًا: الردة:
هي: الارتداد عن الإسلام بتركه إلى الكفر.
اختصت الردة بأنها تحبط الأعمال كلها ومنها الوضوء، لقوله تعالى: {وَمَن يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [ المائدة من الآية:5].
وقوله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [ الزمر من الآية:65].
وقوله تعالى: {وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَـٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ وَأُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة من الآية:217].
مستلة من بداية المتفقهين في شرح منهج السالكين (كتاب الطهارة ).