(364) سورة فصلت (5) - تدبر - محمد علي يوسف
مدة
قراءة المادة :
3 دقائق
.
{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا الله..} [فصلت:30].البداية كانت في المعتقد، في التوجه الإيماني والمعرفة الراسخة: (ربنا الله).
إنها جملة قصيرة لكنها تلخص معانٍ عظيمة، ينبغي أن تتجذر أصولها في القلوب لتؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، وأول أكلها الاستقامة ..
{..ثُمَّ اسْتَقَامُوا..} [فصلت:30].
يا لها من كلمة تحمل مدلولات عميقة ووقعًا خاصًا
الاستقامة: إنها كلمة تساوي حياة كاملة، حياة لا زيغ فيها ولا اعوجاج، ولا تعرجات أو روغان كروغان الثعالب، إنها ثمرة المعرفة الصحيحة ونتيجتها المفترضة، إنها ما يحلو للبعض تسميته بالالتزام أو التنسك أو التسنن..
تتعدد الأسماء والمسمى واحد، والفكرة واحدة ومهمة: {ثُمَّ اسْتَقَامُوا}.
لم يقل فاستقاموا بالفاء التي تقتضي الترتيب والتعقيب، ولم يقل واستقاموا بالواو التي توحي بالاتباع القريب ولكن (ثم).
تلك اللفظة التي تعطي إيحاء بالترتيب مع بعض التراخي اليسير..
ذلك لأن الاستقامة الحقيقية عمل حياة وطريق معايشة، لا يأتي فجأة كماله، ولكنه يتراكب ويتراكم تدريجيًا، ويوغل فيه السالك برفق حتى يصل إلى مقام: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} [هود من الآية:112].
لكن تظل البداية صحة المعتقد والعلم بالله علمًا يورث عملاً وحركة على الجوارح..
حركة مستقيمة تشابه استقامة الصراط: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ...} [الأنعام:153].
فالصراط مستقيم، وسالكه مستقيم، وأقرب مسافة بين نقطتين: الخط المستقيم..
فإذا ما سلك ذلك المستقيم ذاك الصراط المستقيم باستقامة واعتدال كان الوصول، وكانت الطمأنة وعدم الخوف مما هو آت، وعدم الحزن على ما فات..
{...تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت:30].