أرشيف المقالات

فمن وجد من ذلك شيئا فليقل: آمنت بالله

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
فمن وجد من ذلك شيئًا فليقل: آمنت بالله


الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض، وجعل الظلمات والنور، ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، والصلاة والسلام على نبينا محمد الذي أرسله ربُّه شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، أما بعد:
 
فإن الشيطان يحاول بجميع السبل أن يفسد على المسلم عقيدة وإيمانه بوحدانية الله تعالى، ومن أجل ذلك أحببتُ أن أذكِّر نفسي وطلاب العلم الكرام بكيفية التصدي لوساوس الشيطان، فأقول وبالله تعالى التوفيق:
روى مسلم عن أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله عز وجل: (إن أمتك لا يزالون يقولون: ما كذا؟ ما كذا؟ حتى يقولوا: هذا الله خلق الخلق، فمن خلق الله؟)؛ (مسلم حديث:136).
 
قال الإمام النووي (رحمه الله): إن الشيطان إنما يوسوس لمن أيس من إغوائه، فينكد عليه بالوسوسة لعجزه عن إغوائه، وأما الكافر فإنه يأتيه من حيث شاء، ولا يقتصر في حقه على الوسوسة، بل يتلاعب به كيف أراد؛ (مسلم بشرح النووي، جـ 2صـ 154).
 
• قال الإمام ابن الجوزي (رحمه الله): الباحث عن هذا إنما هو الحس؛ لأن الحس لم يعرف وجود شيء إلا بشيء، ومن شيء، فأما العقل الذي هو الحاكم المقطوع بحكمه، فقد علم أنه لا بد من خالق غير مخلوق؛ إذ لو كان مخلوقًا لاحتاج إلى خالق، ثم بتسلسل إلى ما لا نهاية له، والمتسلسل باطل، وإنما أثبت العقل صانعًا؛ لأنه رأى المحدثات تحتاج إلى محدث، فلو احتاج المحدث إلى محدث كان محدثًا؛ (كشف المشكل من حديث الصحيحين؛ ابن الجوزي، جـ 3 ص 268).
 
وقد وقع ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه سبحانه وتعالى؛ روى أحمد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يزالون يسألون حتى يقال: هذا الله خلقنا، فمن خلق الله عز وجل؟، قال: فقال أبو هريرة: "فوالله، إني لجالس يومًا إذ قال لي رجل من أهل العراق: هذا الله خلقنا، فمن خلق الله عز وجل؟ قال أبو هريرة: فجعلت أصبعي في أذني، ثم صحت، فقلت: صدق الله ورسوله، الله الواحد الصمد، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد؛ (حديث صحيح)؛ (مسند أحمد جـ15 صـ10حديث: 9027).
 
علاج هذه الوسوسة:
(1) روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يأتي الشيطان أحدكم، فيقول: من خلق كذا، من خلق كذا، حتى يقول: من خلق ربك؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينتهِ"؛ (البخاري حديث: 3276/ مسلم حديث: 134).
 
قال الإمام النووي رحمه الله:
قوله: (فليستعذ بالله ولينته) معناه: إذا عرض للمسلم هذا الوسواس، فليلجأ إلى الله تعالى في دفع شره عنه، وليعرض عن الفكر في ذلك، وليعلم أن هذا الخاطر من وسوسة الشيطان، وهو إنما يسعى بالفساد والإغواء، فليعرض عن الإصغاء إلى وسوسته، وليبادر إلى قطعها بالاشتغال بغيرها؛ (مسلم بشرح النووي جـ 3صـ 155).
 
(2) روى مسلم عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال: هذا خلق الله الخلق، فمن خلق الله؟ فمن وجد من ذلك شيئًا، فليقل: آمنت بالله"؛ (مسلم ـ حديث:134).
 
قوله: (فمن وجد من ذلك شيئًا؟): إشارة إلى القول المذكور، ومن ذلك حال من ذلك شيئًا؛ أي: من صادف شيئًا من ذلك القول والسؤال، أو وجد في خاطره شيئًا من جنس ذلك المقال، (فليقل)؛ أي: فورًا من حينه، (آمنت بالله)؛ أي: آمنت بالذي قال الله ورسله من وصفه تعالى بالتوحيد...
وإجماع الرسل هو الصدق والحق، فماذا بعد الحق إلا الضلال؛ (مرقاة المفاتيح شرح المصابيح؛ علي الهروي، جـ1، صـ 138).
 
أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن يجعله ذخرًا لي عنده يوم القيامة: ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ ﴾ [الشعراء: 88، 89]، كما أسأله سبحانه أن ينفع به طلاب العلم الكرام، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣