أرشيف المقالات

أسباب العنوسة وعلاجها

مدة قراءة المادة : 10 دقائق .
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على إمام المرسلين محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم -.
وبعد:
لقد فرضت الظروف المعيشية والتغييرات الاقتصادية خطراً من نوع خاص بات يلاحق البيوت المسلمة، مستهدفاً الشباب المسلم من الجنسين ألا وهو: العنوسة.
فما هي العنوسة ومن هي العانس:
قال أهل اللغة: عنست المرأة تعنس بالضم عنوساً، وعناساً وتأطرت، وهي عانس من نسوة عنس وعوانس وعنست وهي معنس وعنسها أهلها حبسوها عن الأزواج حتى جازت فتاء السن ولما تعجز.
 قال الأصمعي: لا يقال عنست ولا عنست، ولكن يقال: عنست على ما لم يسم فاعله، فهي معنسة..
 وقيل: يقال عنست بالتخفيف وعنست ولا يقال عنست.
 قال ابن بري: الذي ذكره الأصمعي في خلق الإنسان أنه يقال عنست المرأة بالفتح مع التشديد وعنست بالتخفيف بخلاف ما حكاه الجوهري وفي صفته لا عانس، ولا مفند العانس من الرجال والنساء الذي يبقى زمانا بعد أن يدرك لا يتزوج وأكثر ما يستعمل في النساء
يقال: عنست المرأة فهي عانس، وعنست فهي معنسة إذا كبرت وعجزت في بيت أبويها.
 قال الجوهري: عنست الجارية تعنس إذا طال مكثها في منزل أهلها بعد إدراكها حتى خرجت من عداد الأبكار هذا ما لم تتزوج فإن تزوجت مرة فلا يقال عنست.
[1]
و الجدير بالذكر أن المجتمعات البدوية وأهالي القرى تعتبر العانس: هي كل فتاة تجاوز عمرها العشرين
أما المجتمعات المدن فتحدد الثلاثين وما بعدها سنا لمن تطلق عليها صفة العانس نظراً إلى أن الفتاة يجب أن تتم تعليمها قبل الارتباط والإنجاب....
أسباب العنوسة:
لعل أهم الأسباب وراء ظاهرة العنوسة في مجتمعاتنا ما يلي:
1- دراسة المرأة: وللأسف، كان لتعلم المرأة التعليم الذكوري دور كبير في استفحال هذه الظاهرة، فقد استفادت المرأة في كثير من الأحيان من الانفتاح في دفع مسيرتهن العلمية، في حين كانت أعباء كثير من الشباب ثقيلة لم تسمح لهم بمتابعة تعليمهم، الأمر الذي أدى إلى تفاوت كبير في المستوى التعليمي بين كثير من الشاب والفتاة، فأحجم الشباب عن الفتاة المتعلمة خوفاً من تعاليها عليه نتيجة (للتعليم ذي الطابع الذكوري)، ورفضت هي الاقتران بمن هو أقل منها خوفاً من اضطهاده لها والتعامل معها بعنف ليقتل فيها إحساسها بالتميز والتفوق.
2- مغالاة في المهور والتكاليف المصاحبة للزواج:
فقد غالى أولياء كثير من الأمور بالمهور والتكاليف المصاحبة للزواج مما المقدم على الزواج يعتقد أنه سيكبل بالأغلال إذا ما أقدم على هذه الخطوة!
 ولو عقل هؤلاء ما غالوا في المهور بل غالوا بالأكفاء بحثا وتقديراً.
فهذا عمر - رضي الله عنه - حفصة على أبي بكر ليتزوجها، ثم على عثمان - رضي الله عنهم - أجمعين
كانت حفصة من المهاجرات وكانت قبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحت خنيس ابن حذافة بن قيس بن عدي السهمي فلما تأيمت ذكرها عمر لأبي بكر وعرضها عليه فلم يرجع إليه أبو بكر كلمة فغضب من ذلك عمر ثم عرضها على عثمان حين ماتت رقية بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال عثمان ما أريد أن أتزوج اليوم فانطلق عمر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فشكا إليه عثمان وأخبره بعرضه حفصة عليه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتزوج حفصة من هو خير من عثمان ويتزوج عثمان من هي خير من حفصة ثم خطبها إلى عمر فتزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلقي أبو بكر عمر بن الخطاب فقال له لا تجد علي في نفسك فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان ذكر حفصة فلم أكن لأفشي سر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولو تركها لتزوجتها.
[2]
فهذا هو نهج السلف الصالح في انتقاء الأزواج و حري بنا إن أردنا الفلاح أن ننتهج نهجهم وإلا سينطبق عليها قول الله - تعالى -: (إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ).
وعضل النساء ورَدُّ الأكفاء فيه جناية على النفس ، وعلى الفتاة، وعلى الخاطب، وعلى المجتمع برمّته، والمعيار كفاءة الدين، وكرم العنصر، وطيب الأرومة، وزكاء المعدن، وسلامة المحضن، وحسن المنبت، وصدق التوجه.
 عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك) [3].
عن أبي العجفاء السلمي قال خطبنا عمر - رحمه الله - فقال: ألا لا تغالوا بصدق النساء فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها النبي - صلى الله عليه وسلم - ما أصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - امرأة من نسائه ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من ثنتي عشرة أوقية) [4]
والله المستعان
3- الزواج من الأجنبيات
وقد أصبح زواج المواطنين من أجنبيات سبب آخر خطير وراء انتشار العنوسة، وبخاصة في دول الخليج العربي أضف إلى ذلك بعض العوامل التي ساعدت على استمرار تفاقم هذه الظاهرة، تحددت في الانتشار الكبير لبدائل غير مشروعة، مثل الزواج العرفي وزياد إقبال الشباب على الإنترنت، وهي طرق بديلة وخاطئة لجأ إليها كثير من الشباب للتخفيف من الشعور بالأزمة والرغبة في الارتباط بالجنس الآخر.
بعد تلك الأرقام المخيفة باتت العنوسة ناقوس خطر يهدد الأسر المسلمة، وإذا التُمست أسباب هذه الظاهرة نجد أن جملة منها لا تعدو أن تكون رواسب مرحلة تاريخية مرّت بها كثير من المجتمعات الإسلامية، أعقبها غزوٌ فكري كانت له آثار خطيرة على الأوضاع الاجتماعية في الأمة، مما أفرز عوامل نفسية وثقافية واقتصادية، منها ما يرجع إلى الشباب والفتيات، ومنها ما يرجع إلى الأولياء، ومنها ما يعود إلى المجتمع بأسره.
فأما الشباب والفتيات فبعضهم يتعلق بآمال وأحلام، وخيالات وأوهام، وطموحات ومثاليات، هي في الحقيقة من الشيطان ، فبعضهم يتعلق بحجة إكمال الدراسة، زاعمين أن الزواج يحول بينهم وبين ما يرومون من مواصلة التحصيل، فمتى كان الزواج عائقاً عن التحصيل العلمي؟!
 بل لقد ثبت بالتجربة والواقع أن الزواج الموفق يعين على تفرغ الذهن، وصفاء النفس، وراحة الفكر، وأنس الضمير والخاطر.
فالله - عز وجل - يقول: (وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [النور: 32]،
ويقول عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: (لو لم يبق من أجلي إلا عشرة أيام، أعلم أني أموت في آخرها، ولي طول على النكاح لتزوجت مخافة الفتنة )[5].
رحم الله الإمام مالك حيث قال: لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها فما لم يكن يومئذ دينا لا يكون).
[6]
وإن الحل والعلاج لظاهرة العنوسة في المجتمع الإسلامي يكمن في العودة إلى دين الله - تعالى - بتقوية البناء العقدي في الأمة، والتربية الإيمانية للأجيال من الفتيان والفتيات، وتكثيف القيم الأخلاقية في المجتمع، لا سيما في البيت والأسرة، ومعالجة الأزمات والعواصف والزوابع التي تهدد كيان المجتمع، وتيسير سبل الزواج، وتخفيف المهور، وتزويج الأكفاء، وترسيخ المعايير الشرعية لاختيار الزوجين، ومجانبة الأعراف والعادات والتقاليد الدخيلة التي لا تتناسب مع قيم ديننا الحنيف.
وأختم مقالتي هذه بقول الله - تبارك وتعالى -: (اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ مَا لَكُم مِّن مَّلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُم مِّن نَّكِيرٍ47 فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلا الْبَلاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الإِنسَانَ كَفُورٌ48 للهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ49 أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ50 سورة الشورى
والحمد لله رب العالمين
[1] - انظر المصباح المنير، ج2/432.
لسان العرب، ج6/149-150.
النهاية في غريب الحديث، ج3/308.
[2] - الاستيعاب ج4/1811.
[3] - مجمع الزوائد، ج 6/196.
[4] -سنن أبي داود وقال عنه الشيخ ناصر الدين حديث صحيح برقم 2106.
[5] - المعجم الكبير ج 9/239.
[6] - حجة النبي للشيخ ناصر الدين ص 104.


مسلم بن محمد اليوسف

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣