خصائص يوم الجمعة - زاد المعاد - أبو الهيثم محمد درويش
مدة
قراءة المادة :
5 دقائق
.
الحادية والعشرون: أن فيه صلاةَ الجمعة التي خُصَّت من بين سائر الصلوات المفروضات بخصائص لا توجد في غيرها من الاجتماع، والعدد المخصوص، واشتراط الإِقامة، والاستيطان، والجهر بالقراءة. وقد جاء من التشديد فيها ما لم يأتِ نظيرُه إلا في صلاة العصر، ففي السنن الأربعة، من حديث أبي الجَعْدِ الضَّمْرِي -وكانت له صحبة- إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «مَن تَرَكَ ثَلاثَ جُمَع تَهاوُناً، طَبعَ اللهُ عَلى قَلْبِهِ» (قال الترمذي حديث حسن)، وسألت محمد بن إسماعيل عن اسم أبي الجعد الضمري، فقال: لم يُعرف اسمه، وقال: لا أعرِفُ له عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا هذا الحديث.
وقد جاء في السنن عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأمرُ لمن تركها أن يتصدَّق بدينار، فإن لم يجد، فنصف دينار.
رواه أبو داود، والنسائي من رواية قدامة بن وبرة، عن سمرة بن جندب.
ولكن قال أحمد: قدامة بن وبرة لا يعرف.
وقال يحيى بن معين: ثقة، وحُكي عن البخاري ، أنه لا يصح سماعه من سمرة وأجمع المسلمون على أن الجمعة فرض عين ، إلا قولًا يحكى عن الشافعي ، أنها فرض كفاية، وهذا غلط عليه منشؤه أنه قال: وأما صلاة العيد، فتجب على كل من تجب عليه صلاة الجمعة، فظن هذا القائل أن العيد لما كانت فرض كفاية، كانت الجمعة كذلك.
وهذا فاسد، بل هذا نص من الشافعي أن العيد واجب على الجميع، وهذا يحتمل أمرين، أحدهما: أن يكون فرض عين كالجمعة، وأن يكون فرض كفاية، فإن فرض الكفاية على الجميع، كفرض الأعيان سواء، وإنما يختلفان بسقوطه عن البعض بعد وجوبه بفعل الآخرين.
الثانية والعشرون: أن فيه الخطبة التي يقصد بها الثناء على الله وتمجيده، والشهادة له بالوحدانية، ولرسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالرسالة، وتذكير العباد بأيامه، وتحذيرهم من بأسه ونقمته، ووصيتهم بما يقربهم إليه، وإلى جنانه، ونهيهم عما يقربهم من سخطه وناره، فهذا هو مقصود الخطبة والاجتماع لها.
الثالثة والعشرون: أنه اليوم الذي يستحب أن يتفرغ فيه للعبادة، وله على سائر الأيام مزية بأنواع من العبادات واجبة ومستحبة، فالله سبحانه جعل لأهل كل ملة يومًا يتفرغون فيه للعبادة، ويتخلون فيه عن أشغال الدنيا ، فيوم الجمعة يوم عبادة، وهو في الأيام كشهر رمضان في الشهور، وساعة الإجابة فيه كليلة القدر في رمضان.
ولهذا من صح له يوم جمعته وسلم، سلمت له سائر جمعته، ومن صح له رمضان وسلم، سلمت له سائر سنته، ومن صحت له حجته وسلمت له، صح له سائر عمره، فيوم الجمعة ميزان الأسبوع، ورمضان ميزان العام، والحج ميزان العمر، وبالله التوفيق.
الرابعة والعشرون: أنه لما كان في الأسبوع كالعيد في العام، وكان العيد مشتملًا على صلاة وقربان، وكان يوم الجمعة يوم صلاة، جعل الله سبحانه التعجيلَ فيه إلى المسجد بدلًا من القربان، وقائمًا مقامه، فيجتمع للرائح فيه إلى المسجد الصلاةُ، والقربان، كما في (الصحيحين) عن أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قال: «مَن رَاحَ في السَّاعَةِ الأُولى، فَكَأنما قَرَّبَ بَدَنَةً، ومَنْ رَاحَ في السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ، فَكَأنَّما قَرَّبَ بَقَرَةً، ومَنْ رَاحَ في السَّاعة الثَّالِثَةِ، فَكأنَّما قَرَّبَ كَبْشَاً أَقرَنَ».
وقد اختلف الفقهاء في هذه الساعة على قولين:
أحدهما: أنها من أول النهار، وهذا هو المعروف في مذهب الشافعي وأحمد وغيرهما.
والثاني: أنها أجزاء من الساعة السادسة بعد الزوال، وهذا هو المعروف في مذهب مالك، واختاره بعضُ الشافعية، واحتجوا عليه بحجتين:
إحداهما: أن الرواح لا يكون إلا بعد الزوال، وهو مقابلُ الغُدوِّ الذي لا يكون إلا قبل الزوال، قال تعالى: {غُدُوّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ} [سبأ:12].
قال الجوهري: ولا يكون إلا بعد الزوال.
الحجة الثانية: أن السلف كانوا أحرصَ شيء على الخير، ولم يكونوا يَغْدون إلى الجمعة من وقت طلوع الشمس، وأنكر مالك التبكيرَ إليها في أول النهار، وقال: لم نُدرك عليه أهل المدينة.