أرشيف المقالات

كم على شفير جهنم من حزين حائر!

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
كم على شفير جهنم من حزين حائر!
 
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾[1].
 
تـأملْ قَولَ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا ﴾، لتعلم أن الله تعالى غنيٌّ عن العالمين، فلو كفر الناس جميعًا، فلَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا؛ كمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الأرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾[2].
 
وما نقص ذلك من ملك الله شَيْئًا؛ كما قَالَ تَعَالَى: «يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا»[3].
 
وهل الإنس والجن إلا صفحة من صفحات هذا الكون العظيم الذي لا يفترُ لحظةً عن تسبيح الله، ﴿ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ ﴾[4].
 
ولا يَكَلُّ برهةً عن الصلاةِ لَهُ تباركَ وتعَالَى؛ كمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾[5].
 
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ ﴾[6].
 
وَأَنَّى لَهُم أَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا؟ ﴿ وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ ﴾[7].
 
والكلُ يسارعُ في مرضَاتِهِ، يرجو رحمتَهُ ويخشى عذابَهُ؛ ﴿ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ ﴾[8].
 
ولم يشمخْ بأنفِهِ إلا ذلك الكنودُ؛ ﴿ إِنَّ الإنْسَاَن لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ ﴾[9].
 
ولم يغتر بربه إلا ذلك الجهولُ؛ ﴿ وَحَمَلَهَا الإنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا ﴾[10].
 
ولو يعلم ذلك البائس أنه لا يضر إلا نفسه؟ ﴿ مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ ﴾[11].
 
وأنه يسعى بظلفه إلى حتفه؟ ﴿ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ﴾[12].
 
فهل من تائب قبل الممات؟ ومستعتب قبل الفوات؟
وساعٍ بجهده في الخلاص، قبل أن ينادي: ﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا ﴾ [الْمُؤْمِنُونَ: 99]، ولَاتَ حِينَ مَنَاصٍ؟
 
فكم على شفير جهنم من حزين حائر! وكم هنالك من نادم خاسر!
 
أمانيهم فيها الهلاك، وما لهم من أسر جهنم فكاك: ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾[13].



[1] سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: الْآيَة/ 176.


[2] سُورَةُ إِبْرَاهِيمَ: الآية/ 8.


[3] رواه مسلم- كتاب الْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَالْآدَابِ، بَابُ تَحْرِيمِ الظُّلْمِ، حديث رقم: 2577.


[4] سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ: الآية/ 20.


[5] سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: الآية/ 44.


[6] سُورَةُ النُّورِ: الآية/ 41.


[7] سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ: الآية/ 19.


[8] سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الآية/ 116.


[9] سُورَةُ الْعَادِيَاتِ: الآية/ 6.


[10] سُورَةُ الأَحْزَابِ: الآية/ 72.


[11] سُورَةُ الرومِ: الآية/ 44.


[12] سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: الآية/ 15.


[13] سُورَةُ الْأَنْعَامِ: الآية/ 27.

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢