بيان أن الدين النصيحة
مدة
قراءة المادة :
6 دقائق
.
بيان أن الدين النصيحةعن جريرٍ، قال: بايعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وعلى النصح لكل مسلمٍ، وفي رواية لمسلم: بايعتُ النبي صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة، فلقَّنني: ((فيما استطعتَ)).
أولًا: ترجمة راوي الحديث:
هو جرير بن عبدالله بن جابر البجلي، يكنى أبا عمرو، وقيل: أبا عبدالله البجلي؛ فهو من قبيلة بجيلة، وهي قبيلة نسبت إلى أمهم بجيلة بنت صعب بن علي بن سعيد العشيرة، أسلم جرير قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بأربعين يومًا، وهو سيد قومه، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل عليه جرير فأكرمه: ((إذا أتاكم سيد قوم، فأكرموه)).
قال جرير: "ما حجبني رسول الله منذ أسلمت، ولا رآني إلا ضحك"، أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذي الخلصة، وهي بيت فيه صنم لخثعم ليهدمها، فقال: إني لا أثبت على الخيل، فصك رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدره، وقال: ((اللهم اجعله هاديًا مَهديًّا))، فخرج في مائة وخمسين راكبًا من قومه، فأحرقها.
توفي جرير سنة إحدى وخمسين، وقيل: أربع وخمسين - رضي الله عنه وأرضاه؛ [انظر: أسد الغابة (1/ 333)].
ثانيًا: تخريج الحديث:
الحديث أخرجه مسلم، حديث (56)، وأخرجه البخاري في "كتاب الإيمان" "باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: الدين النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم"، حديث (57)، وأخرجه الترمذي في "كتاب البر والصلة" "باب ما جاء في النصيحة" حديث (1925).
وأما رواية مسلم الأخرى فأخرجها أبو داود في "كتاب الخراج والفيء والإمارة" "باب ما جاء في البيعة" حديث (4945)، وأخرجها النسائي في "كتاب البيعة" "باب البيعة على النصح لكل مسلم" حديث (4167).
ثالثًا: شرح ألفاظ الحديث:
(بايعت): المبايعة: هي المعاهدة، وسميت مبايعة؛ لأن كل واحد من المتعاهدين يمد باعه للآخر ليمسك بيده.
(فيما استطعت): هذا استثناء لما بايع عليه؛ أي: إنه التزام السمع والطاعة فيما استطاع عليه.
رابعًا: من فوائد الحديث:
الفائدة الأولى:
الحديث فيه بيان أهمية النصيحة؛ لأنها مما كانوا يبايعون عليه، وتقدم في الحديث السابق بيان أهمية النصيحة.
الفائدة الثانية:
الحديث فيه بيان حرص الصحابة - رضي الله عنهم - على النصيحة؛ حيث كانوا يبايعون عليها؛ ففي حديث الباب، جرير بن عبدالله بايَع النبي صلى الله عليه وسلم على النصح لكل مسلم؛ وذلك أيضًا لأنه سيد قومه، فأمر بالنصح لكل مسلم، ولجرير - رضي الله عنه - قصة عجيبة في امتثاله للنصيحة، رواها أبو القاسم الطبراني، وهي أن جَريرًا أمر مولاه أن يشتري له فرسًا، فاشترى له فرسًا بثلاثمائة درهم، وجاء به وبصاحبه لينقده الثمن، فقال جرير لصاحب الفرس: فرسك خير من ثلاثمائة درهم، أتبيعه بأربعمائة درهم؟ قال: ذلك إليك يا أبا عبدالله، فقال: فرسك خير من ذلك، أتبيعه بخمسمائة درهم؟ ثم لم يزل يزيده مائة فمائة وصاحبه يرضى، وجرير يقول: فرسك خير، إلى أن بلغ ثمانمائة درهم، فاشتراه بها، فقيل له في ذلك، فقال: إني بايعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم على النصح لكل مسلم.
وحديث الباب رواه ابن حبان من طريق أبي زرعة بن عمرو بن جرير، عن جده، وزاد فيه: فكان جرير إذا اشترى شيئًا أو باع يقول لصاحبه: "اعلم أن ما أخذنا منك أحبُّ إلينا مما أعطيناكه، فاختَرْ".
الفائدة الثالثة:
الحديث فيه المبايعة على الصلاة والزكاة دون سائر الأركان، أما الشهادتان فلم تذكرا، بناءً على أنهما مفروغ منهما، وأنه حصل الاعتقاد والنطق بهما، وقد ذكرتا عند البخاري في "كتاب البيوع" بلفظ: "بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والسمع والطاعة، والنصح لكل مسلم"، وأما الصيام والحج، وإن لم يُذكَرا، فهما داخلان في عموم السمع والطاعة، أو يقال: لأن الصلاة رأس العبادات البدنية، والزكاة رأس العبادات المالية، فاكتفى بهما عن غيرهما.
الفائدة الرابعة:
الحديث فيه بيان كمال شفقة النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث لقَّن جريرًا ((فيما استطعتَ)) احتياطًا لبعض الأحوال التي يعجِز فيها الإنسان أن يأتي بما التزمه، لئلا يكون مخلًّا بما التزم به، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((فيما استطعت)) هو الموافق لقوله تعالى: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾ [التغابن: 16]، وقوله عز وجل: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ [البقرة: 286].
مستلة من إبهاج المسلم بشرح صحيح مسلم (كتاب الإيمان)