الدكتور وبس.. والداعية خس!

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
الدكتور وبس..
والداعية خس!
 
أزعم أنني طالبُ علٍم شرعيٍّ، ومحسوبٌ على العمل الدعَوي في بلدي.
 
جمعتْني الأقدارُ في مجلسٍ مع ثُلَّة من الأصدقاء والأقارب، ودارت بيننا بعضُ الأحاديث الودِّيَّة والنقاشات، إلى أن طرحنا موضوع القروض السكَنية، والرِّبوية منها تحديدًا.
 
قلتُ للحاضرين: هذه القروض محرَّمة شرعًا، وفيها ظلم كبير، وبرامج التمويل التي تطرحها البنوك الإسلامية أفضل بكثير، وأكثرُ عدلًا، فضلًا عن بُعدها عن المال الحرام.
 
وفجأةً تحوَّل الجميع إلى فقهاءِ عصرهم وزمانهم، وتَسابَقوا في إثبات خطأِ ما أقول، وأنَّ البنوكَ الإسلامية هي بنوكٌ رِبوية أيضًا، وأصحابُها هم لصوص ومارقون.
 
وفجأةً وجدتُ نفسي مطالَبًا بشرح كتُب فقْه البيوع على المذاهب الأربعة جميعًا، فضلًا عن سَوْق جميع الأدلة والنصوص حول فقْه البيوع والمعاملات، إضافةً إلى شرح أنواع البيوع المتوافقة مع الشريعة الإسلامية بكل تفاصيلها وأشكالها، وإلا فأنا مضطرٌّ لسماع التَّفيقُه والتفلسُف مِن هذا وذاك، والقولِ على الله بغير علم.
 
ذكَّرني هذا الموقفُ بموقف مماثِل حدَث قبل سنتين، حيث انخرطتُ في نقاش مماثل حول المسلسلات التركية ودورها المفْسِد في تضييع الأوقات وإلهاء الناس، ووقتَها أيضًا كنتُ مضطرًّا لسَوْق الحجج والبراهين حول كلامي، والتي لم يقتنع بها أحد أيضًا.
 
وفي كلا الموقفين، لم أنزعج من التعليقات بقدْر ما انزعجتُ مِن جرأة الجميع واندفاعهم لإثبات أنهم على حق، وأنني مغفَّل لا أفْقَه شيئًا!
 
والأنْكَى من ذلك هو أنني لم أملِك وسيلةً لإقناعهم تتناسَب مع مستوى تفكيرهم، وكلُّ ما تعلَّمتُه من مهارات وأساليب تصلح لاستخدامها في المجتمع الدعوي فقط، وليس بين الناس العاديِّين.
 
والسؤال هنا:
لماذا عندما يتكلَّم الشيخ أو الداعية عن قضية ما فإن الجميع يتحمَّسون لنقْد كلامه وإثبات خطئه، بينما لا يفعلون ذلك مع الطبيب مثلًا عندما يُشَخِّص لهم مرضًا ما؟!
لماذا يقابِل الناسُ نصائح الأطباء بالانصياع والسمع والطاعة، بينما لا يَتقبَّلون نصائح الدعاة وأهل العلم والفضل إلا باستخفاف واستهزاء؟!
لماذا يجد الشيخ أو طالب العلم نفسَه دائمًا مضطرًّا لسَوق الحجَج والبراهين على كلامه، بينما لا يجد الطبيب نفسه مضطرًّا إلى ذلك؟!
لماذا يجب على الشيخ دائمًا أن يَشْرح ويفسِّر أصول الدين والتفسير، ويبيِّن حكْم الناسخ والمنسوخ، بينما لا يطلب أحد من الطبيب أن يشرح تفاصيل التشخيص، ومركَّبات الأدوية، ومصطلحاتها العلمية؟!
لماذا لا يُناقَش الأطباءُ حول محتويات وَصفاتِهم، وتركيبات أدويتهم، وتفاصيل مهنتهم، بينما يريد الجميع من الشيخ أن يَسْرد في ٥ دقائق كلَّ ما تعلَّمه مِن عِلم أصول الفقه، ومصطلح الحديث، وعلوم اللغة العربية التي درسها في عدة سنوات؟!
 
قد يقول البعض: إن الأطباء يتكلَّمون في مسائلَ تتعلَّق بالحياة والموت.
 
فأقول لهم: إن السادة الأطباء يتكلمون بمسائلِ حياةِ وموتِ الأجساد، أما الدعاة وأهل العِلم فيتكلمون عن حياة وموتِ العقول، حياة وموت الاتجاهات والأفكار والضمائر.
 
السادة الأطباء نُكِنُّ لهم كلَّ احترام وتقدير؛ فهم دَرسوا وتعِبوا، لكن دراسة العلوم الشرعية مُتعِبة أيضًا، وتستحق نصائحُ أهل العلم أن تكون موضعَ تقديرٍ أيضًا، وأن تكون آراؤهم مقبولةً دون جدال عقيم.
 
الطبيب يقال له دائمًا: كم الحساب يا دكتور؟ وشكرًا لك، وسنُحْضر الدواء الذي طلبتَه بالضبط، ونحن مُقتَنعون بكلامك.
 
وأهل العِلم لا يَطلبون مالًا، فمتى يأتي اليوم الذي يُقال فيه لصاحب العِلم أو الداعية على الأقل: صدقتَ، معك حق، سنتبع نصيحتَك؟!

شارك المقال

فهرس موضوعات القرآن