int(2036) array(0) { }

أرشيف المقالات

الداعية السائح

مدة قراءة المادة : 3 دقائق .
الداعية السائح
 
إنَّ المسلم حين يُغادر بلدهُ بقصْد السياحة، لا بُدَّ أن يكُون مثالًا يُحتذى، وليعلم أنه رسولٌ عن قومه ودِينِه، والنَّاس حين يريدون معرفة شيء عن بلد أو قوميَّة يبحثون عمَّن هو مِن تلك البلاد، أو بلده أو قوميَّته، وذلك الذي يَظُنُّ أنَّ أحدًا لا يَنظر إليه، ولا يَدري عمَّا يصنع - هو إنسانٌ واهمٌ؛ فالنَّاس يَعرفون كلَّ شيء عنك، وأنتَ تظنُّ أن لا أحد يَعلم عنك شيئًا، وقديمًا قال زهير:
وَمَهْمَا تَكُنْ عِنْدَ امْرِئٍ مِنْ خَلِيقَةٍ ♦♦♦ وَإِنْ خَالَهَا تَخْفَى عَلَى النَّاسِ تُعْلَمِ
 
وأذكر أني كنتُ مرَّة في تركيا، وكنتُ نازلًا في حيٍّ مِن أحياء إستانبول المشهورة، ومكثتُ في ذلك الحيِّ فترة توطَّدَت فيها علاقتي بأصحاب المحلَّات التِّجاريَّة، وفوجئتُ بأنَّهم يعلمون كلَّ شيء عن نزلاء الفنادق في ذلك الحي، قال لي أحدُهم مرَّة: أتعْلم مَن هذا الرَّجل؟ هو مِن بلد كذا، وجاء بغرض كذا، واتصل ببلد كذا، وتعجَّبت مِن معرفته لكُلِّ صغيرة وكبيرة عنه، وفي يوم آخر حدَّثني عن رجُل آخر بالطريقة نفسها، وكنتُ أتهلَّل بِشْرًا إذا حدثني خيرًا عن رجُل، وأكتئب حين أسمعه يُحدِّثني بشيء يَندَى له الجبينُ عن آخر، وتساءلتُ: هل يعْلم هؤلاء أنَّ كلَّ ما يفعلونه في الحقيقة معروف للآخرين؟
 
وفي "ريودي جانيرو" المدينة السياحيَّة الأولى في البرازيل، وفي أمريكا الجنوبيَّة بصفة عامَّة، والمشهورة بشواطئها الجميلة التي اجتذبتْ إليها السُّيَّاح مِن مُختلف أنحاء العالم ولا تزال، اجتمع داعية مُسلم بعددٍ مِن النَّصارى، وكان هذا الداعية ذا أسلوب أخَّاذٍ مُتقنًا للغة القوم، سرعان ما استطاع أن يأسرَهم ببيانه، ويجتذبَهم إلى صفِّه؛ لتأييده فيما يدعو إليه، لكن أحد الحاضرين أخذ بيده، وطلب منه أن يصحبه إلى حانة المدينة، وعندما دخل به إلى تلك الحانة، قال له: أترى هؤلاء السكارى هنا؟ قال: ما شأنُهم؟ قال: هؤلاء كلُّهم عرب ومسلمون، ابدأ بدعوتهم، فإذا استجابوا لك، فتعالَ إلينا!
 
وفي الجانب الآخر مِن حكاية "ريودي جانيرو": كان طيَّارٌ مِن ليبيا يتردَّد باستمرار على هذه البلدة، وساءه أنْ لا مسجد في المدينة، وعَزَم على أن تنبتَ بذرةُ خير في هذه المدينة، وأن يفعل شيئًا، فكان يجلس إلى أصحاب المحلَّات التِّجارية ويحاورهم، حتَّى وجد بُغْيَته في تاجر مسلم تَحمَّس معه لإنشاء مركز إسلامي ومسجد، وتجمَّع حولهم آخرون، وأتم المسجد والمركز الإسلامي، وهو يحمد الله.
 
هناك نواة لا تزال بحاجة إلى سقْي ورعاية؛ لتُؤتي ثَمراتِها اليانعة، تُرى: كم مِن المسلمين مِن النَّوع الأول؟ وكم مِن النَّوع الثاني؟ وهل نجعل سياحتَنا سعة صدْر، وترويحًا عن النَّفس، وصِلَة بالله عز وجل؟ إنْ فعلنا، فنعم السائحون[1].



[1] هذا، وقد مَنع أكثرُ علماء العصر مِن السفر لبلاد الكفار مِن أجل السياحة، يراجع تلك الروابط:
1- السفر للغرب لأجل السياحة، ليس بمسوغ شرعي.
2- حكم السفر لبلاد الكفار لأجل السياحة.
3- حكم السفر للسياحة.

شارك المقال

روائع الشيخ عبدالكريم خضير