الرمل في الطواف
مدة
قراءة المادة :
6 دقائق
.
الرمل في الطوافعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: رَمَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْحَجَرِ إِلَى الْحَجَرِ ثَلاَثًَا، وَمَشَى أَرْبَعًا؛ رواه مسلم، وبنحوه عند مسلم أيضًا عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه.
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ مَكةَ، وَقَدْ وَهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ، قَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ غَدًا قَوْمٌ قَدْ وَهَنَتْهُمُ الْحُمَّى، وَلَقُوا مِنْهَا شِدَّةً، فَجَلَسُوا مِمَّا يَلِي الْحِجْرَ، وَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَرْمُلُوا ثَلاَثَةَ أَشْوَاطٍ، وَيَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ؛ لِيَرَى الْمُشْرِكُونَ جَلَدَهُمْ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: هَؤُلاَءِ الذِينَ زَعَمْتُمْ أَن الْحُمَّى قَدْ وَهَنَتْهُمْ، هَؤُلاَءِ أَجْلَدُ مِنْ كَذَا وَكَذَا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَلَمْ يَمْنَعْهُ أَنْ يَأْمُرَهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْوَاطَ كُلَّهَا، إِلا الإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ.
تخريج الحديثين:
حديث ابن عمر رضي الله عنهما أخرجه مسلم حديث (1262)، وبنحوه أخرج أبو داود في "كتاب المناسك"، "باب في الرمل"؛ حديث (1891).
وأما حديث ابن عباس رضي الله عنهما، فأخرجه مسلم حديث (1264)، وأخرجه البخاري في "كتاب الحج"، باب كيف كان بدء الرمل"؛ حديث (1602)، أخرجه أبو داود في "كتاب المناسك"، "باب في الرمل"؛ حديث (1886)، وأخرجه النسائي في "كتاب مناسك الحج"، "باب العلة التي من أجلها سعى النبي صلى الله عليه وسلم بالبيت"؛ حديث (2945).
شرح ألفاظ الحديثين:
((رَمَلَ)): تقدم معنى الرمل وأنه الإسراع في المشي من غير مباعدة للخطوات، والرمل كما تقدم للرجال دون النساء بإجماع العلماء؛ [انظر الإجماع في كتاب الإجماع؛ لابن المنذر، ص (61)].
((قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ مَكةَ)): وهذا في عمرة القضاء سنة سبع من الهجرة النبوية.
((قَدْ وَهَنَتْهُمُ)): أي أضعفتهم.
((حُمَّى يَثْرِبَ)): يثرب هو اسم المدينة النبوية في الجاهلية، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تسميتها بذلك؛ لأن التثريب هو الفساد، وإنما ذكرها ابن عباس رضي الله عنهما في حديث الباب بهذا الاسم حكاية لكلام المشركين، كما حكى الله تعالى قول المنافقين: ﴿ وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا ﴾ [ الأحزاب: 13 ].
((الإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ)): أي إلا الرفق والإشفاق عليهم.
من فوائد الحديثين:
الفائدة الأولى: الحديثان فيهما دلالة على سنية الرمل في الأشواط الثلاثة الأولى لكل قادم إلى مكة سوءًا كان طوافه طواف قدوم كالمفرد والقارن، أو طواف عمرة كالمتمتع والمعتمر عمرة ليست مع حجته، وأما ما سوى ذلك، فلا رمل فيه؛ كطواف المكي أو الوداع أو الإفاضة، أو طواف التطوع، وتقدم بيان ذلك، ففي موطأ مالك ومصنف ابن أبي شيبة رحمهما الله عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان لا يرمل إذا أحرم من مكة، وفي سنن أبي داود عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرمل في السبع الذي أفاض فيه.
الفائدة الثانية: حديث ابن عمر رضي الله عنهما فيه بيان الرمل ومنتهاه من الحجر الأسود، وإلى الحجر الأسود ثلاثة الأشواط الأولى.
فإن قيل: حديث ابن عباس رضي الله عنهما يدل على أن الرمل يكون من الحجر الأسود إلى الركن اليماني في أول ثلاثة أشواط، وأما ما بين الركن اليماني والحجر الأسود، فالمشروع فيه المشي لأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه، فبأي الحديثين يعمل؟
الجواب: أنه يعمل بحديث ابن عمر رضي الله عنهما؛ لأنه ناسخ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما، وحديث ابن عمر كان في حجة الوداع سنة عشر من الهجرة، وأما حديث ابن عباس، فكان في عمرة القضاء سنة سبع من الهجرة، وإنما يؤخذ آخر الأمرين.
الفائدة الثالثة: حديث ابن عباس رضي الله عنهما فيه بيان الحكمة من مشروعية الرمل، وهي إغاظة المشركين بإظهار القوة والنشاط، ولا يقال أن الحكمة ذهبت فلا رمل حينئذ، بل يقال ببقاء السنية اتباعًا لهدي النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث طاف بالبيت بعد ذلك ورمل حتى آخر مرة جاء فيها إلى البيت، وهي حجة الوداع رمل فيها؛ كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما في الباب، فالرمل سنة باقية.
الفائدة الرابعة: حديث ابن عباس رضي الله عنهما فيه بيان شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه رضوان الله عليهم، ورِفقه بهم؛ حيث أمرهم أن يمشوا ما بين الركن اليماني والحجر الأسود؛ لأنهم في هذا الموضع لا يراهم المشركون، ففي سنن أبي داود: ((وكانوا إذا تواروا عن قريش بين الركنين، مشوا وإذا طلعوا عليهم رملوا)).
الفائدة الخامسة: حديث ابن عباس رضي الله عنهما فيه دلالة على أنه ينبغي إغاظة المشركين والكفار بكل حال، ومن ذلك إظهار القوة والشجاعة والتجلد أمامهم ولو تظاهرًا وتكلفًا، لما في ذلك من إغاظة لهم، وبث القلق والوهن في صفوفهم.