أرشيف المقالات

تونس والحنين إلى العزة! - عبد الله بن محمد العسكر

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .

هل رأيتم الذي رأيت؟! وهل سمعتم كما سمعت؟!
اطلعتُ على مقاطع من زيارة المجاهد الفلسطيني الغيور "إسماعيل هنية" وفقه الله وأعزَّه لأرض تونس الخضراء، وشاهدتُ وأنا في غاية البهجة تلك الحشود التي غصَّت بها الشوارع والجسور والتي تقاطرت من أماكن متفرقة لاستقبال هذا الرجل العظيم.
رأيت جامع القيروان وهو مكتظٌّ بآلاف المصلين الذين لم تسعهم باحات المسجد حتى ملأوا الشوارع المحيطة به وقد أتوا منذ الساعات الأولى من فجر الجمعة لحضور خطبة هذا المجاهد البطل!
كان تفاعل الناس مع هذه الزيارة وتلك الخطبة مشهداً يبتهج له كلُّ مؤمن، رأيت دموع التونسيين وهي تنسكب على خدودهم وهم يرددون: "الشعب يريد تحرير فلسطين "! فأحسست حينها بفرحة غامرة وتفاؤل كبير بانقشاع الغمة عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
إن تونس التي كان يراد لها أن تكون نموذجاً للتغريب والعلمنة هي اليوم تصرخ في فم الدنيا بصوتٍ عال فتقول: "أنا لا أريد سوى الإسلام"!
الحكومة التونسية التي كانت في يوم من الأيام راعية لما يسمى بالحرب ضد الإرهاب، والتي امتلأت سجونُها بأكثرَ من خمسين ألفاً من الصالحين والصالحات ذاقوا فيها ألوان العذاب وأنواع الحرمان، هذه الحكومة قد ولَّت إلى مزبلة التاريخ لتأتي بعدها حكومة منتخبة من هذا الشعب المسلم وليكون من أول قراراتها دعوة هذا المجاهد البطل ليصبح أول زائر رسمي إلى تونس بعد تشكيل حكومتها الجديدة!
أليس في ذلك يا معاشر الفضلاء ما يبعث على الأمل ويجبر القلوب المكسورة؟!
إن خيار هذا الأمة هو الإسلام، وإن الشعوب المسلمة قد قالت كلمتها وأعطت صوتها لمن تعلمُ صدقَهم وجهادهم، فعلى الزعامات العربية أن تفهم ذلك جيداً، وأن تعتبر بمن حلّت بهم المثلات، فإن الأيام دول، والدهرَ قُلَّب، وليكن شعار هؤلاء الزعماء: "انجُ سعدٌ فقد هلك سُعَيد"!
والتاريخ الغابرُ والحاضر أكبرُ شاهد على ذلك، ودينُ الله لن تهزمه قوى البشر مهما عظمت وجلّت، ومهما بذل أعداء الإسلام من جهودٍ لطمس هوية هذه الأمة وتغريب شعوبها المسلمة فإنهم سيبوؤون بالخسران المبين.
أيطفئ نورَ الله نفخةُ فاجر؟! تعالى الذي بالكبرياء تفردا..

أيها الأفاضل: إن هذه المظاهر التي رأيناها في تونس، وغيرُها قادمٌ بحول الله، لهي من كرامة الله لنا حيث أَنْسأَ في آجالنا لنتذوق شيئا من حلاوة العزة، ونَشَمَّ نسمةً من عبير الكرامة في بلاد ما كنا نظن على الأقل في المنظور القريب أن نرى فيها مثل هذه الصور المبهجة والمواقف المشرّفة.
إنها بشائر خير ورسائل أمل كبير في إصلاح واقع هذه الأمة التي ألِفَت الذلة زمناً طويلا!
إننا في مرحلة مسابقة مع الزمن، فلنكن على مستوى المسؤولية، ولنجنِّد أنفسنا لخدمة هذا الدين ببذل كلِّ ما يمكن بذلُه، حتى نظفر بشرف الدنيا وفلاح الآخرة، ومن أعرضَ فلا يضرُّ إلا نفسه، ولئن تخلينا عن هذا الشرف، ونأينا عن هذا الفخَار {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّـهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِ‌ينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ} [المائدة: ٥٤].
لئن عرف التاريخ أوساً وخزرجاً *** فلله أوسُ قادمون وخزرجُ

ألا فلنُرِ اللهَ من أنفسنا خيراً ولنستثمر هذه الوسائل الحديثة والتقنيات المعاصرة في نشر دين الله بين العالمين، فهي فرصة عظيمة لإرشاد الضال، وتعليم الجاهل، وتذكير الغافل، وزيادة الوعي بين أبناء المسلمين.
إن هذه الوسائل التي يسرها الله لنا ولم يظفر بها من سبقَنا لهي من أعظم نعم الله علينا، ووالذي لا إله غيره إنا لمسؤولون عنها يوم القيامة ، فهي من جملة النعيم الذي عناه الله بقوله: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر: ٨].
فلنجتهد ولنصبر ونصابر، ولا نستعجل النتائج، ولنبثَّ في الأمة روح الأمل، وعما قليل سنرى موعود الله الذي وعدنا، وستشرق شمس الإسلام على الدنيا لتبدد ظلمات الشرك والخرافة، وتحيي في النفوس المكلومة معاني العزة والإباء والكرامة، وإن غداً لناظره قريب!
  غّداً نعيــدُ إلى الأقصىَ كَرَامَتُهُ *** ونُرجِعُ القدس والجولان والنَّقبا
صوتُ الأذان ِ بروما سَوفَ نَسْمَعُهُ *** وذاكَ وعدٌ من المختارِ مَاَ كَذَبَاَ
وسوفَ نَدخلُ بالرَاَيَاتِ أندلساً *** لنَحْطِمَ الْكُفْرَ والأصنامَ والصُلُبَاَ
غداً بـمدريد نَتْلُوْ آي خَالِقِنا *** وسوفَ واللهِ نُعْلِيْ الْبِيضَ واليَلَبَاَ
فارْفَعْ يَديكَ إلى الرحمنِ مُبْتَهِلاً *** مَاَ خَابَ مَنَ سَألَ الرحمنَ أوْ طَلَبَاَ

اللهم استعملنا في طاعتك وأعزَّ بنا دينك وعجل بالفرج لهذه الأمة واكشف الظلم عن المظلومين وأدر على الطغاة والجبابرة دائرة السوء، إنك سبحانك على كل شيء قدير، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

4/3/1433هـ
د.
عبدالله بن محمد العسكر
جامعة سلمان بن عبد العزيز بالخرج
أسعد بزيارتك على:
التويتر http://twitter.com/#!/DrAbdullahAskar
الفيس بوك http://www.facebook.com/profile.php?id=100001033176611

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢