أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: بناء الدولة والنصر
مدة
قراءة المادة :
5 دقائق
.
أهمية الأمر بالعروف والنهي عن المنكر وعلاقته بالنصربناء الدولة والنصر
لا بدَّ أن نعرف أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الأساس لبناء دولة قوية إسلامية، لا يستطيع أعداؤها إيذاءها، ولن يجيء النصر إلا بها، وكما قال بعض العلماء: (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الجهاد الدائم المفروض على المسلم، وهو أصل مهم من أصول قيام حضارة الإسلام، ولا قيام لشريعة الإسلام بدونه).
"الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر غاية الدول الإسلامية، وهو الأساس المتين الذي بُنِيَت عليه، وهو الغرض المنشود الذي وجدت من أجله الدولة الإسلامية، وهو الذي يميزها عن غيرها من الدول والحكومات"[1].
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى -:
(إذا كان جماع الدين وجميع الولايات هو أمرًا ونهيًا، فالأمر الذي بعث اللهُ به رسولَه - صلى الله عليه وسلم - هو المعروف، والنهي الذي بعثه به هو النهي عن المنكر، وهذا نعت النبي - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين).
وعلى ذلك فإن "جميع الولايات الإسلامية مقصودها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والولايات كلها الدينية مثل إمرة المؤمنين، وما دونها من ملك ووزارة وديوانية، سواء كانت كتابة خطاب، أو كتابة حساب المستخرج، أو مصروف أرزاق المقاتلة أو غيرهم، وبكل إمارة حرب وقضاء وحسبة، وفروع هذه الولايات إنما شرعت للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"[2].
ولقد بلغ اهتمام المسلمين بعبادة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بأن تبنَّت الدولة الإسلامية بشكل رسمي الأمرَ بالمعروف والنهي عن المنكر، فأقامت ولاية الحسبة لهذه المهمة، وكانت هذه الولاية منبثقة عن رئيس الدولة ومتصلة به مباشرة، وولاية الحسبة - كما عرَّفها العلماء - (أمرٌ بمعروف ظهر تركه، ونهي عن منكر ظهر فعله)، وكما قيل: إن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - هو مؤسِّس نظام الحسبة، وجاء بعده أمراء المسلمين ينتهجون سياسته، خاصة "لَمَّا اتسع نطاق التجارة، وأصبحت موردًا لأهل الإعواز من كافة البلاد، يتناولون فيها حاجتهم من المال، وقع غش فاحش في التجارة، وصارت الصيارف من اليهود وغيرهم يعطون مالهم بالربا على أن يعاد عليهم المثل في نهاية العام مثلين وأكثر منه، فأقام الرشيد محتسًبا ليكون بالأسواق، ولفحص الأوزان والمكاييل من الغش، وينظر في معاملات التجارة على أن تكون جارية على سنن العدل حتى لا تجامل الشرفاء على الضعفاء، والأغنياء على الفقراء"[3].
فإن هذه العبادة جَعَلت من الدولة الإسلامية دولةً قوية، دولة خلافة بحق، نعم دولة خلافة بحق؛ لأنها - أي: الدولة - اتَّخذت من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيلاً للخلافة ومقامًا لها، قال الحسن البصري: (مَن أمر بالمعروف أو نهى عن المنكر، فهو خليفة الله في أرضه، وخليفة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وخليفة كتابه)، ومعنى هذا أن "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مقام خلافة عن الله ورسوله وكتابه، وكونه مقام خلافة لله؛ فلأن الله - جل وعلا - يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، وأما كونه مقام خلافة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلأن ذلك عمله في أمته، قال - تعالى -: ﴿ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ﴾ [الأعراف: 157]، وأما خلافة كتابه، فلأنه عمل به، ودعوة إليه، ومدٌّ لنوره، وتنفيذ لأحكامه وتعاليمه، فهو ﴿ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [المائدة: 15، 16][4].
[1] الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في ضوء الكتاب والسنة للدكتور سليمان بن عبدالرحمن الحقيل.
[2] الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لابن تيمية.
[3] الأحكام السلطانية للماوردي.
[4] الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في ضوء الكتاب والسنة لسليمان بن عبدالرحمن الحقيل.