int(1614) array(0) { }

أرشيف المقالات

الثمرات الإيمانية للدعوة إلى الله في المرحلة الثانوية (4)

مدة قراءة المادة : 12 دقائق .
ثمرات الدعوة إلى الله تعالى في المرحلة الثانوية
الثمرات الإيمانية (4)

رابعًا: الاستقامة على دين الله:
من ثمرات دعوة الطالبة: الاستقامة التي توصل الطالبة المؤمنة إلى أعلى الدرجات التي تحفها الملائكة، وتبشرها فيها بخيري الدنيا والآخرة، واستقامة الطالبة تكون بلزومها واستمرارها على الطريق المستقيم، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾[1]، استقاموا أي: (أخلصوا العمل لله، وعملوا بطاعة الله تعالى، على ما شرع الله لهم)[2].
 
والاستقامة هي: الثبات على قوله: ربنا الله، بحقّها وحقيقتها، والاستقامة عليها شعورا في الضمير، وسلوكا في الحياة، والصبر على تكاليفها، وهذا أمر كبير وعسير، ومن ثم استحق عند الله هذا الإنعام الكبير.[3]
 
و(مرجع الاستقامة إلى أمرين: صحة الإيمان بالله، واتباع ما جاء به رسوله - صلى الله عليه وسلم - ظاهرا وباطنا)[4].
 
وهي من أهم الثمرات الإيمانية الإيجابية في قلب الطالبة، حيث تستقيم ذاتيا على أوامر الله ونواهيه، وتراعي حدوده، وتستشعر مراقبته في كل زمان ومكان، وتحرص على ابتغاء مرضاته وحده تعالى في كل أعمالها، وتتوجه له وحده بنواياها، وبذلك تكون استقامتها منهجا سلوكيا ذاتيا، تسير عليه طيلة حياتها، وتستمده من كتاب الله عز وجل ومن سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم ، اللذين تلتزم بهما في السر والعلن، وفي النية والعمل، وفي الغاية والوسيلة، وفي الدنيا والدين.[5]
 
إن الطالبة المستقيمة على أمر الله، تكون أبعد ما يكون المؤمن عن نزغات الشياطين التي تؤدي بها إلى تجاوز الحدود وإلى الوقوع في الإفراط أو التفريط، فلا تتهاون وتفتر عن القيام بما هو مطلوب منها، ولا تميل أو تنحرف في أقوالها وأفعالها ونياتها وسائر شئونها، لأن حقيقة الاستقامة (تتعلق بالأقوال والأفعال والأحوال والنيات، فالاستقامة فيها: وقوعها لله، وبالله، وعلى أمر الله)[6].
 
والمسلمة اليوم تعيش عصرا مليئا بالمغريات والملهيات والفتن، مما قد يلهيها عن طاعة الله، ويدفعها إلى مخالفة شرعه، وهذا يؤكد ضرورة تحليها بالاستقامة، وهذا يكون بمجاهدة نفسها لامتثال جميع ما أمر الله به، والانتهاء عن كل ما نهى عنه، قال تعالى: ﴿ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ﴾[7] والمقصود: جاهدوا أنفسكم في طاعة الله، وردّوها عن الهوى، وجاهدوا الشيطان في رد وسوسته، والظلمة في رد ظلمهم.[8]
 
وقد قرن الله عز وجل الهداية إلى سبيله بالمجاهدة فيه، وجعلها سببا لحصولها، كما قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾[9]، (علّق سبحانه الهداية بالجهاد، وأكمل الناس هداية أعظمهم جهادا، وأفرض الجهاد: جهاد النفس، وجهاد الهوى، وجهاد الشيطان، وجهاد الدنيا، فمن جاهد هذه الأربعة في الله، هداه الله سبل رضاه الموصلة إلى جنته، ومن ترك الجهاد، فاته من الهدى بحسب ما عطّل من الجهاد)[10].
 
خامسا: محبة الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -:
من الثمرات الإيمانية المهمة لدعوة طالبة الثانوية، محبتها لله ورسوله- صلى الله عليه وسلم -، (ومحبة الله سبحانه هي أصل دين الإسلام الذي يدور عليه قطب رحاها، فبكمالها يكمل الإيمان، وبنقصانها ينقص توحيد الإنسان)[11].
 
وكيف لا تحبه تعالى وهي تعلم أن صدق عبوديتها له لا يتحقق إلا بهذه المحبة، فالله تعالى خلقها لعبادته، و العبادة المأمور بها تتضمن معنى الذل والحب، فهي تتضمن غاية الذل لله تعالى، بغاية المحبة له، وكلما ازداد قلبها حبا له، ازدادت عبودية، فيكون الله أحب إليها من كل شيء، وأعظم عندها من كل شيء[12].
 
ومن علامات صدقها في المحبة إفرادها له تعالى بكمال التذلل والخضوع، وكمال الطاعة، فلا تساوي به غيره، أو تشركه معه[13]، قال الله تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ﴾ [14].
 
وكيف لا تحب الرسول - صلى الله عليه وسلم وهو الذي بعثه الله رحمة للعالمين؟ وكل مسلم إذا (تأمل النفع الحاصل له من جهة الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي أخرجه من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان إما بالمباشرة وإما بالسبب؛ علم أنه سبب بقاء نفسه...وعلم أن نفعه بذلك أعظم من جميع وجوه الانتفاعات، فاستحق لذلك أن يكون حظه من محبته أوفر من غيره)[15]، فتحبه وتقدم محبته على كل من تحب حتى نفسها، اتباعا لأمره - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين))[16].
 
وقد أعطى جيل الصحابيات في صدر الإسلام نماذج مضيئة لهذه المحبة، فهذه إحداهنّ تتقبل مصيبتها في زوجها وأخيها وأبيها في غزوة أحد، ولا تهدأ نفسها إلا بعد الاطمئنان على سلامة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتقول: كل مصيبة بعدك جلل - أي صغيرة - يا رسول الله[17]، وأخرى تجمع عرقه وتجعله مع طيبها لتتطيب به[18].
 
ومن أهم ما يميز الطالبة المُحبة لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - ؛ اقتداؤها بسنة الرسول - صلى الله عليه وسلم.
 
قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ﴾[19] (فلا تُنال محبة الله ورضوانه وثوابه إلا بتصديق ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم من الكتاب والسنة، وامتثال أمرهما واجتناب نهيهما)[20].
 
كما تتميز بإيثار وتقديم حبهما على جميع ما تحبه من متاع الدنيا، وما فيها من المال والزوج والولد والمتاع، قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ﴾[21].
 
ومتى امتلأ قلب الطالبة بمحبة الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -؛ ذاقت حلاوة الإيمان، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: ((ثلاث من كنّ فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله..))[22]، ثم إنها إذا أحبها الله تعالى سعدت بمحبة الملأ الأعلى ومحبة أهل الأرض لها، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله إذا أحب عبدا دعا جبريل، فقال: إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال ثم يوضع له القبول في الأرض..))[23].
 
وهذه المحبة سوف تثمر موالاة الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، وتُشعر الطالبة بأنها من حزب الله، فيثبت فؤادها على الحق، وتحب دينها وتعتز به ، وتتمسك به وتضحي من أجله بالغالي والنفيس، وقد قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ﴾ [24].




[1] سورة فصلت: آية 30.


[2] تفسير ابن كثير 7/146.


[3] ينظر: في ظلال القرآن 5/3121.


[4] دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين: محمد بن علان الصديقي الشافعي الأشعري المالكي 1/282 دار الفكر، بيروت، الطبعة الأخيرة، 1394هـ/1974م.


[5] ينظر: أسس التربية الإسلامية في السنة النبوية: د.
عبد الحميد الصيد الزنتاني ص 404، الدار العربية للكتاب، ليبيا /وتونس ط:2، 1993م.


[6] مدارج السالكين 2/105.


[7] سورة الحج: جزء من آية 78.


[8] ينظر: الجامع لأحكام القرآن 12/99.


[9] سورة العنكبوت: آية 69.


[10] الفوائد: الإمام ابن قيم الجوزية ص 87، تحقيق: د.
ماهر عبدالرزاق، وكمال علي الجمل، دار اليقين المنصورة، مصر، ط:1، 1417هـ/1996م.


[11] تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد: الشيخ سليمان بن عبدالله محمد بن عبدالوهاب ص 466، المكتب الإسلامي، بيروت/ دمشق ط:4، 1400هـ.


[12] ينظر: العبودية: شيخ الإسلام ابن تيمية ص 44.


[13] ينظر: تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد ص 468.


[14] سورة البقرة: جزء من آية 165.


[15] باختصار: فتح الباري 1/59-60.


[16] متفق عليه: صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب حب الرسول من الإيمان، ح15 (فتح الباري 1/58)، واللفظ له، وصحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب وجوب محبة رسول الله أكثر من الأهل والولد والناس أجمعين، وإطلاق عدم الإيمان على من لم يحبه هذه المحبة 1/67 ح 44.


[17] ينظر: سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم -: أبو محمد عبدالملك بن هشام 3/51، تحقيق: الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد توزيع رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، الرياض ط: بدون.


[18] الحديث في صحيح مسلم، كتاب الفضائل، باب طيب عرق النبي - صلى الله عليه وسلم - والتبرك به 4/1815 ح 2331.


[19] سورة آل عمران: جزء من آية 31.


[20] تفسير الشيخ السعدي ص 105.


[21] سورة التوبة: جزء من آية 24.


[22] متفق عليه: صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب حلاوة الإيمان، ح16 (فتح الباري 1/60) واللفظ له، وصحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان خصال من اتصف بهنّ وجد حلاوة الإيمان 1/66 ح 43.


[23] صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب إذا أحب الله عبدا حببه إلى عباده 4/2030 ح 2637.


[24] سورة المائدة: الآية 56.

شارك المقال

ساهم - قرآن ٢