أرشيف المقالات

ليس مشهدًا واحدًا - مدحت القصراوي

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
كثيرًا ما نؤكد أننا كثيرًا ما نخطىء عندما نأخذ مشهدًا واحدًا، ولقطة مبتورة لنحكم على شخص أو تيار أو مؤسسة..
وكثيرًا ما قررنا أنه لا بد من النظر في المواقف المختلفة والمستمرة لشخص أو لتيار أو لمؤسسة أو لطائفة؛ لتستطيع أن تقرأ الموقف الحالي أو اللقطة المعروضة بطريقة صواب.

لكن هناك نظرة أيضًا إلى المستقبل بنفس المبدأ.
تأخذنا غيرة شديدة وخوف مفرط على المستقبل فيأتي البعض، بل الكثير يقول: "لا داعي لهذا الخوف فالأمور بخير"، وهو أمر يدل على استهتار وبلادة وعدم إدراك..
لا تستطيع أن تقرأ خطورة انقلاب (30 يونيه) إلا إذا وضعت أن مكوناتها لها خططها وحراكها المطرد في الحسبان.

- فالإباحيون لا يقفون على بعض المشاهد الإباحية أو الأفكار التي سربوها، والتي يدافعون عنها في السابق، لكنهم لهم أهداف وخطط وقيم يجرجرون لها المجتمع ويزحزحونه إليها باطراد مستمر ودؤوب وخبيث، فهم لا يقنعون بمشهد إباحي أو تاريخ سينمائي يخافون عليه، بل يريدون جرعات متتالية ليصلوا إلى استقرار قيم الإباحية أُسريًا ومجتمعيًا، بحيث تصبح المعاشرة في الحرام أمر طبيعي وعلني ومعترف به في المجتمع، تحت ادعائات جاهزة (عدم دفن الرؤوس في الرمال)، (الواقعية)، (المرحلة السِنّية للمراهقين)، (الاحتياجات البيولوجية الطبيعية)، (ظواهر وأعراض الحضارة الحديثة) فنحن إذًا متقدمون! وهكذا.

فعندها تتألم لما حدث لأنك ترى الصورة المطلوبة والقادمة، بينما الآخر لا يأخذ إلا تلك اللقطة ولا يدري ما يراد به وبعِرضه وبأبنائه وأحفاده، والإباحيون لم يتركوا فرصة لأي تراجع أو تشكيك في موقفهم! فقاموا بعمل جرعة سريعة من الأفلام ما بين نساء تعاشر مراهقين، أو أفلام عن الإلحاد، أو زنا المحارم أو غير ذلك.

لا تقف الكنيسة موقفها في يونيه خوفًا من اعتداء ما من الإسلاميين، فالكنيسة تعلم تمامًا أن ديننا يمنعنا من ظلم معاهد أو ذمي أو أيًا من كان، وتعلم أن لهم ذمة ورحمًا، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى بهم، فالمشكلة ليست في عنف أو إرهاب أو إقصاء، بل أحيانًا يشاركون هم في صنع العنف المقابل لهم باستفزاز مدروس، فالمشكلة على هذا ليست في مشهد 30 يونيه، بل هي في المشهد القادم لأنها خطوات تتوالى مبنية على بعد طائفي انعزالي، ما بين زعم اضطهاد كـ(لافِتة) ثم خطوات متتالية يريدون بها القفز على الوجود والجغرافيا والتاريخ، والشعب المسلم والأمة كلها، إلى السعي في تغيير هوية البلاد، وإلى المحاصصة الطائفية في البرلمان والسلطة التنفيذية والوزارات السيادية، أو التقسيم، ولذلك تبقى عملية الابتزاز المستمر، إلا من عقلائهم وشرفائهم الرافضين لهذا التوجه المدركين لخطورته.

والخطورة هو في استعمال الفاسدين والعلمانيين بل والأجهزة المنوط بها حفظ البلاد لهذه الاتجاهات التي يعرفون خطورتها، على أمل أن يتحكموا باللعبة التي قد تفلت يومًا من أيديهم، وبالتالي تتحالف معهم على أساس أجندة استرضائات وفواتير مدفوعة، مقدمًا أو موعودة لاحقًا، ليصل شخص إلى الرئاسة أو يعود فاسدون إلى الحكم، ولو أدى هذا إلى إلغاء حلم شعب بالحرية واحترام هويته وتقدم بلاده، فوأدوا حلم الأمة بمكوناتها المسلمة وشرفاء المسيحيين معهم، فالخطورة ليست في مشهد 30يونيه المبتور، بل في الأحلام والخطوط الممتدة والخطوات المتتابعة.

- امتلاك العلمانيين لزمام البلاد وتنحية المسلمين، ليس مشهدًا مبتورًا، بحيث يمكن العودة مرة ثانية حينما يريد البعض كما تسول للاتجاه الخائن من السلفيين نفسه، فالأمر له خطوطه وحراكه المستمر، فامتلاك البلاد وامتلاك تحديد العقيدة الأمنية لمؤسسات بلادنا حتى تعادي الشرطة والجيش والأجهزة الحساسة كالمخابرات للإسلام، وتخاف منه، يعقبها تجفيف المنابع وتحديد المسموح به من الدين بما لا يزعج العلمانية ، وبما يسمح لها تربية أبنائنا وبناتنا بالإعلام والتعليم والموضة وغيرها، ثم قتل وذبح المسلمين تحت أي شعار، ثم زيادة جرعة الإباحية ثم التشكيك في المعتقدات والغيبيات بجرعات كثيرة، ثم بقاء المجتمع في فراغ يملؤونه بقيم الإلحاد والإباحية.
أو التنصير.

عودة العسكر في 30 يونيه ليس مشهدًا مبتورًا، بل يعود ومعه الدولة التي أنشاها في 52 معادية للإسلام، وتكمل امتداد (محمد على) الذي بدأ من حينها الخصام مع الهوية والانتماء الإسلامي.

وعودته ليست لسلطة فقط بل لترسيخ وجود وما يرافقه من تغول سلطة وتمكين من يواليها من فاسدين أو علمانيين أو طائفيين، ومعها الفساد المتجذر منذ نشوئها ومعها المشروع الصهيو أمريكي، ومعها تأكيد تبعية البلاد للغرب وتأكيد عدم انعتاقها من التبعية وتحديد مستوى النمو المسموح به، ومعه تغيير الخطاب الديني الذي يسمح به العسكر ويلائمهم، ومعه تغييب الشرفاء عن الساحة وبقاء حثالة المجتمع وأراذل الناس، يبدون في صورة شيوخ أو ساسة أو فنانين أو إعلاميين أو حتى رياضيين!

لا تقف إسرائيل على مشهد 30 يونيه لترتاح من تخوفاتها من ( مصر قوية ومسلمة)، بل لها طموحها، ومخاوفها أمام عملاق جغرافي وسكاني وتاريخي وروحي هائل اسمه (مصر)، لا استقرار لهذه الزائدة الدودية أمام (مصر قوية مسلمة)، وبالتالي فلن تقف إسرائيل وأمريكا والاتحاد الأوروبي على مشهد 30 يونية، فلا بد من ضمانات ضعف هذا البلد، وهذه وظيفة 30 يونية، فلا بد من الضعف المستمر والحراب المجتمعي والفتن التي لا تنتهي، أو التقسيم أو المجاعات المستمرة..
وهكذا.

لن يقف الإعلام على هذه المرحلة، فهم الأجراء الكذابون، ولا بد لهم من استمرار وطموح، الآن يفركون أيديهم فرحًا من التخلص من اتجاه شريف ومسلم لا يستطيعون التعايش معه، ولا قرار لقاع السقوط فهم جاهزون لأكثر من هذا في فراغ هابط من القيم والأخلاق والتوجهات الشريفة فتوقع منهم ما لا تتصوره.

للأسف كل اتجاه أو مؤسسة أو تيار أو طائفة فاسدة لها أهدافها وخطتها وخطواتها، وهذا متوقع وطبيعي. 
لكن غير الطبيعي أن أصحاب البلاد المسلمين هم الغائبون عن الحركة، هم دائمًا على سطح الموج يتوجهون حيث تريد له تلك الأمواج المدروسة والمرتبة، أن يتوجه، والذي على سطح الموج هو الغثاء، الفقاعات، ولهذا كان أصدق تعبير هو تعبير المعصوم صلى الله عليه وسلم: «ولكنكم يومئذ غثاء كغثاء السيل» (صحيح الجامع:8183)، وهو الزبد الطافي الذي لا يحدد اتجاهًا ولا حراكًا ولا مشهدًا، بل حيث وجهه غيره حتى لو كان عدوًا أو فاسدًا مفسدًا، لهذا يكون ألم من يدرك هذا كبيرًا، وشعوره بالخطر أكبر..

لذا فالأمل الباقي اليوم هو في هؤلاء الشرفاء الكرام في كل مكان يقفون أمام الانهيار، يدركون هدفًا ويريدون البناء، ويبغون أملاً يسعون إليه، هذه ملامح خروج من الغثاء تتبدى في قطاعات من الأمة، رجال شرفاء ونساء حرائر وصبية أبطال، وأمل يأملونه وجنة يشتاقون إليها، وحداء يحدوهم إلى حياة شريفة أو ممات يغيظ العدو.

وسنة الله تعالى جرت أنه قد يبعث أممًا للنهوض بمثل تلك الفئة الصادقة المؤمنة المضحية، تتغير أمم وأجيال بثبات هؤلاء.
فاللهم نصرك وكفايتك وتدبيرك لأمرنا، لا إله إلا أنت. 

شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن