استغلال الطاقات والقدرات والمواهب الطبيعية لدى الدعاة
مدة
قراءة المادة :
5 دقائق
.
استغلال الطاقات والقدرات والمواهب الطبيعية لدى الدعاةمن المنطلقات الأساسية في إعداد الدعاة، البحث عن قدراتهم واكتشاف مواهبهم، لأن الله تعالى أودع كل إنسان مواهب وقدرات معينة، ولم يجعلها في فرد واحد أو أفراد معينين، بل توزعت هذه القدرات على جميع الأفراد، وذلك حتى يكمل بعضهم بعضا في جميع التخصصات العلمية منها والشرعية، وقد قال تعالى ﴿ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا ﴾[1].
واكتشاف المقدرات والمواهب، وتوجيه هذه الطاقات للخير ليست لكل أحد من الناس، فلا يؤتى ذلك إلا القلة، وغالبا ما يكونون قادة وأئمة في شعوبهم[2].
وعلى من منحه الله تعالى هذه الملكة، أن يستغلها، في تنمية هذه القدرات وتوجيه هذه الطاقات إلى خدمة الإسلام، والإبداع والتفوق في ذلك.
ومن شواهد حكمة النبي صلى الله عليه وسلم في استغلال ذلك: مراعاته في إعداده للدعاة التجانس بين الموهبة والعمل الذي يكلف به أصحابه، لأن مجالات الدعوة كثيرة، وليست محصورة في مجال أو اثنين، مثل اكتشافه لنداوة صوت أبي محذورة رضي الله عنه، ثم تعليمه الأذان، وتكليفه القيام بذلك عند البيت الحرام، وقد روى قصة إسلامه فقال: (خرجت مع عشرة فتيان مع النبي صلى الله عليه وسلم - وهو أبغض الناس إلينا - وذلك في مرجعه من حنين، فأذنوا فقمنا نؤذن نستهزئ بهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ائتوني بهؤلاء الفتيان))، فقال:(( أذنوا))، فأذنوا فكنت أحدهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((نعم هذا الذي سمعت صوته، اذهب فأذن لأهل مكة))، فمسح على ناصيته، [ثم علمه كلمات الأذان].....
وكان أبو محذورة لا يجز ناصيته ولا يفرقها لأن النبي صلى الله عليه وسلم مسح عليها)[3].
ومن أمثلة رعاية المواهب وتقديرها: تعيين قوم عمرو بن سلمة رضي الله عنه له إماما عليهم،- رغم صغر سنه - لما حباه الله تعالى به من ذاكرة استغلها في حفظ القرآن الكريم، فكان لا يشهد مع قومه إلا كان إمامهم[4].
ومن ذلك: رعاية عمر رضي الله عنه لعبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وتكريمه له بإدخاله مع أشياخ بدر في مجلسه[5]، وامتحانه أمامهم، لمَّا عرف دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم له بالفقه والحكمة، وتوسمه فيه الذكاء والفطنة، ففسر لكبار الصحابة سورة النصر.
ومن استغلال القدرات عند الدعاة: استثمار الطاقات الإيجابية الدافعة إلى المبادرة الذاتية، وعدم كبتها، فبعض الناس يحب فعل الخير ويحرص على نشر الهدى، لكنه يفقد العزم على البدء به، وقد يخاف من التثبيط، فيحتاج إلى من يوافقه ويدفعه إلى أولى خطواته بدافع إيجابي ذاتي من نفسه، فيسير في طريق مهيأ، ومن ذلك مبادرة العباس رضي الله عنه إلى التفتيش عمن يحمل لقريش نبأ الجيش الإسلامي الكثيف المخيم على مشارف مكة، ليخرج أهلها ويأخذوا أمانا من رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يدخلها عليهم عنوة، وقد روي أنه قال: (إني أحب أن تأذن لي إلى قومك، فأنذرهم وأدعوهم إلى الله ورسوله، فأذن له)[6].
وكذلك مبادرة النبي صلى الله عليه وسلم أهل مكة بالإحسان عليهم وصلتهم بالأعطيات الوفيرة من غنائم حنين ترغيبا لهم في الإسلام.
إن الدعوة الإسلامية بمسيس الحاجة إلى الدعاة الذين تتقد قلوبهم شعورا بالواجب تجاهها، وينشغل تفكيرهم بالدعوة إلى الله في كل وقت، ولا يجدون سعادتهم إلا من خلال طاعة الله، وتقديم الخير وبذل الطاعة والإمكانيات لنشر هذه الدعوة.
[1] سورة الزخرف جزء من آية 32.
[2] بتصرف، الأسلوب التربوي للدعوة إلى الله في العصر الحاضر ص 57.
[3] مسند الإمام أحمد 3 /408 عن أبي محذورة رضي الله عنه، وسنن النسائي كتاب الأذان باب كيف الأذان 2 /5 ح 632، ومسند الإمام الشافعي: ص 31، وسنن الدار قطني كتاب الصلاة باب في ذكر أذان أبي محذورة واختلاف الروايات فيه 1 /233، وقال محقق كتاب سير أعلام النبلاء :الحديث صحيح 3 /118.
[4] سبق تخريجه ص 165 وص 256.
[5] سبق تخريجه ص 186.
[6] دلائل النبوة 4 /37.