أرشيف المقالات

المشكلة اليهودية والعالم

مدة قراءة المادة : 14 دقائق .
للأستاذ عدنان الكيالى لعل أعظم الكوارث التي حلت بالعالم العربي منذ مئات السنين هي هذه الكارثة المروعة التي حلت به بإنشاء دولة يهودية في بقعة من صميم كيانه الأساسي فهزته هزا عنيفا وخلفته حائرا مذهولا، ثم ما لبثت الشعوب العربية أن أفاقت على الحقيقة القاسية فكادت تفقد الثقة في نفسها وفي زعامتها بل وفي المثل العليا التي كانت ترسمها وتحيا في ظلها.
ولعل هذه الحالة النفسية السيئة التي يكاد يتردى فيها الشعب العربي أمر من الكارثة نفسها وأثكى ولعلها من الأهداف الرئيسية التي استهدفها اليهود وأعدوا لها عدتهم وساروا بها جنبا إلى جنب مع استعداداتهم المادية المباشرة.
على أننا بحمد الله ما نزال من المؤمنين بإمكانيات هذه الأمة العظيمة وبطاقتها الكبرى الكامنة فيها بانتظار زوال هذه المحنة التي تجتازها.
ولا شك أن الوجوم الذي قابلت به الأمة هذه النهاية المريرة وما يبدو أنه يتلوه من توثب وتحفز دليل على ما تنطوي عليه من مواهب ومزايا، ونذير بثورة فكرية شاملة تتناول الأوضاع الراهنة من أساسها، ولعلها تكون فاتحة عهد جديد في تاريخ هذه الأمة، وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم. والبحث في هذه الكارثة يدعو المرء إلى تأمل أحوال اليهود وعلاقاتهم بالعالم وسر ما يتمتعون به من نفوذ واسع في معظم أنحاء الكرة الأرضية لا يتفق مع مظاهر ضعفهم وتشردهم في أنحاء المعمورة.
وإنك لتلاحظ بدهشة مدى ما يستشعره نحوهم البشر على العموم من بغضاء وكراهية لم تستطع أن تحول بينهم وبين النفوذ الواسع والسيطرة الفعلية.
ولقد كانت هذه الظاهرة رفيقة لهم في كافة عصور التاريخ وفي مختلف البلدان والأقطار وفي ظل معظم الأنظمة السياسية، وذلك بفضل ما يملكونه من ثروات واسعة يجمعونها بطرق شتى تمنع سائر البشر من مجاراتهم فيها مثلهم العليا الخلقية والإنسانية والدينية.
وهنا يجدر بنا أن نتساءل عن سر سكوت العالم بأسره عن بقاء هذه الثروة الهائلة في أيديهم وخصوصا في العصور التي لم تكن مصادر الثروات فيه بالشيء المستهجن العجيب.
ومن الواضح أن معظم سكان الكرة الأرضية يحملون لليهود أمر شعور البغضاء والكراهية، وينظرون باستنكار واشمئزاز إلى الطرق الملتوية التي يجمعون بها الأموال الطائلة بغير حق، وهم مع ذلك يسكتون على هذا المكروه صاغرين، تارة باسم حرية العمل وحيازة المال في ظل الديمقراطية وتارة لعوامل أخرى سيأتي ذكرها.
وبعض هذه الشعوب الديمقراطية، نفسها لم تتورع عن سوم العبيد في أمريكا أصناف الخسف والعذاب وحرمانهم أبسط حقوق الإنسان، وبعض هذه الشعوب نفسها فرضت أنظمة وقيودا على الهنود والشرقيين في أفريقيا الجنوبية بحيث جردوا تجريدا تاما من الحقوق الطبيعية الإنسانية بله السيطرة والنفوذ.
والأمر في الظاهر بسيط التفسير فاليهود في الأمم الديمقراطية كما أسلفنا يتمتعون بموجب نظم تلك البلادبحرية العمل وحرية حيازة المال ويجمعون ثروات واسعة ما طبعواعليه من قدرة على جمع الثروة بمختلف الوسائل الشريفة وغير الشريفة، ويستغلون بالتالي هذه الثروة في فرض سيطرتهم على الصحافة ووسائل الدعاية وغير ذلك.

وهم في البلاد الديكتاتورية يتوصلون إلى أغراضهم بجمع المال أيضا بطرق دنيئة خسيسة بحيث يتقربون بهذا المال إلى رجال الحكم والنفوذ، وبالتالي يسخرونهم في أغراضهم ودسائسهم المختلفة، ولكن أليس عجيبا أن هذا العالم بأنظمته المختلفة كثيرا ما ضاق ذرعا ببعض عناصر البشر ففرض عليهم قيودا جردتهم من أبسط حقوقهم الطبيعية رغم ضعف الأسباب والبواعث التي أدت إلى ذلك وتقاعس هذا العالم نفسه عن فرض مثل هذه القيود على اليهود؟ أما كان باستطاعة دول العالم بأسرها، لو شاءت، أن تحذو حذو هتلر فيما اتخذه من تدابير تؤدي في النهاية لو بقي له الأمر إلى خنق نفوذهم مهما بذلوا من نشاط. فلماذا لم يتبع العالم مثل هذه الأساليب نحو اليهود وآثر أن يكبت ما يستشعره من مرارة نحو هؤلاء الطفيليين. ليس الجواب عن هذه النقطة واضحا ميسورا.
ولكن إذا خطر ببالك أن توجه السؤال إلى مسيحي متدين فسيكون جوابه بلا شك أن هذه هي إرادة الله، أو هذا هو ما أرادته التوراة.
والذي يتتبع تاريخ بني إسرائيل ويلاحظ مدى ارتباط تاريخهم بتاريخ الديانات المختلفة ولا سيما الديانة المسيحية يلاحظ أن الدعاية والتهليل لبني إسرائيل يسود روحها ونصوصها بشكل عجيب.
ويبدو أن اليهود كتدبير معاكس لروح البغضاء والكراهية السائدة ضدهم قد أفلحوا في بث سمومهم في مختلف مذاهب وعقائد البشر.
والمتتبع لتاريخ اليهود والمحتك بهم يعلم حق العلم أن اليهودي يهودي قبل كل شيء آخر، مهما كانت تبعيته ومهما اعتنق في الظاهر من مبادئ وعقائد؛ فهو لذلك يتوسل لخدمة بني قومه بأية وسيلة، فلا يتورع عن التظاهر باعتناق الديانة الإسلامية إذا اقتضت المصلحة ذلك، وإذا شعر أن بإمكانه بث أفكار معينة في تقاليد ذلك الدين من شأنها أن تعود على اليهود بالنفع. وفي التاريخ الإسلامي كثير من اليهود اعتنقوا الإسلام ويظن بأنهم مسؤولون عن اختلاق كثير من الأحاديث التي يراد بها تفكيك عرى الإسلام من جهة، وبث روح العطف على اليهود إذا أمكن من جهة أخرى. أما الماسونية والشيوعية والفوضوية وما شابه ذلك من المذاهب السياسية والاجتماعية الحديثة فلا شك عندي بأن اليهود قد قاموا بدور كبير في إيحائها ونشرها، وذلك بقصد نشر الأفكار بين الناس بضرورة التساوي بين البشر في الحقوق بحيث لا يكون فرق بين يهودي وغير يهودي الخ.

.
يضاف إلى ذلك أنهم ما داموا قد فقدوا وطنهم وتفككت عرى مقوماتهم القومية فلا بأس أن يفككوا روح القومية الوطنية أينما وجدت.
وما داموا عنصرا مضطهداً فلا بأس بأن يبثوا وينشروا أفكارا من شأنها إزالة الفروق العنصرية.
وما داموا موتورين لهذا العالم الظالم - حسب رأيهم - فليؤلبوا فيه الرعاع على الطبقات الخاصة وينفسوا بذلك ما يعانونه من الكبت على العالم بأسره. وعلى الجملة فإن الفضل في سيطرة اليهود وسعة نفوذهم ليس في الحقيقة راجعا إلى ثرواتهم الواسعة، لأن هذه الثروات مكن حصرها ووقفها عند حد، ولأنه يمكن لأية دولة وضع الأنظمة والأساليب التي تكفل القضاء تجاريا واقتصاديا على فئة من الناس يهمها القضاء عليها، وإنما الخطر كل الخطر هو في أن العالم لا يستطيع أن يضع مثل هذه الأنظمة التي تؤدي إلى القضاء على اليهود ماليا.
ذلك لأنه يتأثر بالعقائد الدينية والأفكار المختلفة التي ينشرها اليهود أنفسهم والتي تحول بين العالم وبين تنفيذ مثل هذه الأنظمة؛ أي أن الخطأ ناشئ مما ينشره اليهود من الأفكار والعقائد التي يسممون بها عقول البشر بحيث تكون أشبه بشبكة من الأسلحة الفتاكة تظللهم وتقيهم شر خصومهم، على حين يبقون هم - أي اليهود - على أفكارهم وعقليهم التاريخية غير متأثرين بالأفكار الجديدة التي خلقوها هم أنفسهم.
وإلى أن يتحرر العالم من هذه العقائد والأفكار اليهودية فلن تكتب له النجاة من شرور اليهود ونفوذهم وإذا أفلح اليهود في بث أفكارهم في وسط من الأوساط - وإنهم لناجحون في ذلك فعلا في معظم أنحاء العالم - أمنوا العدوان عليهم فينصرفون عندئذ بأساليبهم الجهنمية إلى جمع الثروات الواسعة فيدعمون بذلك كيانهم ويثبتونه.
ولقد ساعدهم على ذلك كله ما تبرره لهم دياناتهم من إتباع لوسائل الدنيئة في الحياة. واليهودية دين عجيب في العالم، أو هو الدين الوحيد الذي يعتقد أتباعه أنه بأنه خاص بهم ووقف عليهم، وإن الله خلقهم لسيادة هذا البشر وتسخيره في سبيل أغراضهم ومصالحهم؛ فهم لذلك لا يرحبون بأن يدخل في دينهم أحد لأنهم لا يحبون أن يشاركهم في المغانم التي وعدهم الله بها.
والمسلم مثلا مهما بلغ به التعصب الديني يرحب بأن يشاركه في هذه السعادة - حسب اعتقاده - كل البشر لأنه يؤمن بأن الدين إنما أنزل لخير البشر أجمعين.
وكذلك الحال بالمسيحي فإنه لاعتقاده بأن المسيحية دين نزل ليسعد ويهدي البشر عامة فهو يتوق إلى إشراك غيره من البشر في هذه السعادة ما استطاع إلى ذلك سبيلا.
ومتى أصبح غير المسيحي مسيحيا فقد أصبحت له نفس الحقوق الأخرى التي يتمتع بها المسيحيون ويسعدون بإشراكه فيها.
وهذا لعمري أقل ما ينتظر من دين سماوي محترم.
ومن هنا ينشأ خلاف أساسي بين اليهود من جهة وبين سائر البشر - مسلمين ومسيحيين - من جهة أخرى؛ فإن بني البشر جميعا مهما اختلفت مذاهبهم السياسية وغاياتهم الدنيوية لا يستطيعون أن يتجردوا من إنسانيتهم تجردا تاما، ولا بد لتسكين هذه الحوافز الإنسانية من اعتناقهم لمذاهب دينية تهدف في النهاية إلى اشترك العالم بأسره في السعادة والخلاص.
هذا ما يؤمن به المسلم ويعتقده المسيحي وما يحبه كل البشر بعضهم لبعض عدا اليهود الذين كما أسلفنا يعتقدون في إله يصطفيهم دون البشر ويقصر عليهم المغانم والامتيازات، وهو إذ يبسط عليهم كل هذا النعيم المنتظر يمنعهم بحرمان غيرهم منه. وبعد فإن شعباً يحمل هذه العقيدة وينظر إلى البشر هذه النظرة لا يمكن أن ينسجم مع سائر البشر في حال من الأحوال.
وإنك لتقابل رجلا من المسلمين مغالين في تعصبهم ولكنهم كلما غالوا في تمسكهم بشعائر الدين شعرت بتمكن العواطف الإنسانية منهم وتمنيهم على الله أن ينتشر الإسلام فيشمل كافة البشر ليظللهم أجمعين بالسعادة والاطمئنان.
وهذا هو الحال مع المسيحيين وسائر أهل المذاهب والمعتقدات الدينية؛ فالمبشر المسيحي المغالي في عقيدته الدينية إنما يجوب الأرض ويطوف بها رغبة منه في إسعاد أكبر عدد من البشر وهدايته - من وجهة نظره - فهو من هذه الوجهة إنسان كمل الإنسانية.
وهذا هو عكس الحال مع اليهود تماما؛ فكلما كان اليهودي أكثر رغبة في إقصاء غير اليهودي كان أكثر تدينا وأكثر إيمانا بوجوب تسخير بني البشر لليهود.
ويعتقد اليهود أنهم كلما أمعنوا في ذلك كان عملهم أدعى لمرضاة الله عنهم.
ولو تصفح القارئ كتابهم المقدس لوجد على ذلك أدلة كثيرة، ففي محاصرتهم لأريحا عند خروجهم من مصر إلى فلسطين يأمرهم الرب أن لا يبقوا على ولد صغير وامرأة عجوز من أعدائهم بل يذبحونهم جميعا، فتأمل.
.
ومن قبل يأمرهم قبل مغادرتهم مصر أن يسرقوا ما تصل إليه أيديهم من حلي النساء المصريات، أي أن الله تبارك وتعالى يحلل لهم أموال ودماء غيرهم من البشر وغير ذلك وذلك كثير.
بيد أنني لأعجب من اعتناق اليهود لمثل هذه العقيدة بقدر ما أعجب من أن كثيرين من غير اليهود وممن يفرض بأنهم مثقفون متنورون يؤمنون بأن الله عز وجل يمكن أن ينزل مثل هذه الأوامر لا لغاية ردعية أو عبرة معقولة وإنما ليمتع شعبه المختار بسفك دماء بني البشر الآخرين.
وكيف بالله يسوغ عقل جواز الجمع بين مثل هذه الروح الشريرة وبين الروح النبيلة السامية التي تتجلى في دعوة السيد المسيح عليه السلام إلى نشر السلام والوئام والحب بين بني البشر أجمعين. ولست أشك لحظة في أن الدرس اليهودي تناول كل مرافق حياة البشر رغبة منهم في أن يخففوا من غلواء مقاومة البشر لهم وقد نجحوا في ذلك نجاحا ملموسا، فأينما رأيت اضطهادهم يزداد في بقعة من الأرض رأيت عقائد جديدة تنتشر في تلك البقعة من شأنها أن تؤدي إلى التخفيف من هذا الشعور نحوهم؛ ففي روسيا انتشرت المبادئ الشيوعية التي لا تعتبر العنصر أو الدين مقياسا للتمييز بين الناس، وكأنما جاءت هذه العقيدة علاجا للتخفيف من الشعور المر الذي كان الروس يحملونه لليهود.
وفي القرون الوسطى حينما انكشفت للناس أعمال اليهود القذرة من ربا واستغلال واحتكار انتشرت إلى جانب ذلك الروح المسيحية المتدينة بين الفرسان ومختلف طبقات الشعب في ولا شك أن المتمسكين بشكليات الدين وحرفيته من المسيحيين لا يستطيعون أن يتحرروا من العطف على الشعب الذي تدور كل حوادث التوراة حوله.
وكأنما لم يوجد البشر هذا العالم إلا ليستمتع ببحث شؤون هذا الشعب المصطفى وتتبع مراحل تقربه من الله أو ابتعاده عنه.
وكأنما لا يستطيع الله أن يرسل أنبياء وهادين إلا من هذا الشعب المختار.
ولا شك عندي في أن تقوى أهل القرون الوسطى والهالة التي يرونها تحيط بني إسرائيل في كتبهم المقدسة هي التي حالت بينهم وبين استئصال شأفة اليهود والقضاء عليهم في أوربا خلال تلك القرون.
فهذه الهالة التي تحيطها كثير من الكتب المقدسة في العالم باليهود، وهذه الروح التي تبثها مختلف العقائد السياسية الحديثة من ديمقراطية وشيوعية وفوضوية والتي تشترك جميعها في عدم اعتبار الدين والعنصر أساسا للتمييز بين البشر؛ هذه العقائد في نظري هي المسؤولة الأولى عن الإبقاء على اليهود وإحاطتهم بضروب الحماية المختلفة وتركهم يعيثون في الأرض فسادا برغم ما عهده العالم بأسره فيهم من منافاة للطبائع والغرائز الإنسانية.
وإني أعتقد مخلصا بأن العالم لن يصيب الراحة والهدوء ولن يسود السلم والاستقرار ما دام اليهود عنصراً فعالا فيه، وما دام بين الناس من لا يزالون ينخدعون بهم وينظرون إليهم نظرتهم لسائر أبناء البشر الآخرين.
ولا مفر للبشر من اتباع أحد وجهين لا ثالث لهما لوضع حد لمفاسد اليهود وشرورهم، فأما أن ينبذوهم نبذا تاما ويقصوهم عن مراكز العمران في العالم يحصروهم في بقاع نائية حصرا لا مجال لهم معه إلى بث سمومهم في الناس.
وإما أن يصدقوا النية في تغيير عقلية اليهود ومعتقداتهم بأخذ الأجيال الناشئة منهم وتربيتها تربية بعيدة كل البعد عن معتقدات آبائهم وأجدادهم بحيث يهدون إلى دين جديد كالإسلام أو المسيحية أو الكونفوشية أو البوذية أو أي عقيدة أخرى ويهذبون ويوجهون توجيها جديداً يتفق مع الخلق الكريم والمثل الإنسانية العليا لتصبح نفوسهم مثل نفوس سائر البشر.
ولن يكون ذلك إلا بتفريقهم مجموعات بين الأمم بحيث ينسون لغتهم وتاريخهم ودينهم ويندمجون اندماجا تاما في الأمم التي يعيشون بينها ابتغاء حياة أسعد وأشرف لهم ولغيرهم من البشر.
أما البريطانيون الذين أخذوا على أنفسهم تأسيس دولة لليهود في فلسطين فإنهم إذا لم يسارعوا إلى تدارك الأمر فسيكوون قريبا بنار ما جنوا ويحرقون معهم أجيالا من البشر وبقاعا من الأرض كانت قبلهم آمنة ومطمئنة البصرة. عدنان الكيالى

شارك الخبر

المرئيات-١