المرأة البحرية


الحلقة مفرغة

في السنة السادسة من الهجرة وفي شهر ذي القعدة ندب النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه للخروج إلى مكة لأداء العمرة، ولما علمت قريش بذلك أبوا أن يدخل الرسول وأصحابه إلى مكة أبداً، وخرجوا مستعدين للقاء النبي وأصحابه، ولما علم الرسول صلى الله عليه وسلم بخروجهم عدل عن الطريق وسلك طريقاً أخرى حتى وصل إلى الحديبية، وهناك بركت ناقته، فجلس بها، وجاءته الوساطات والسفراء من قريش للمفاوضة والصلح بينه وبينهم، وانتهى الأمر على عقد الصلح المعروف في السيرة النبوية.

صبرهم وتضحياتهم في سبيل الدين

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد:

فلا زلنا -أيها الإخوة- في هذه السلسلة من قصص الصحابة في عهد النبوة؛ نسترشد بسيرتهم، ونطيب أنفسنا بذكرهم وأخبارهم، ونستفيد دروساً عظيمةً من الأحداث والمواقف التي مرت بهم.

أولئك القوم الذين اختارهم الله سبحانه وتعالى لصحبة نبيه محمدٍ صلى الله عليه وسلم، أبر الأمة، وأطهر الأمة، وأفقه الأمة، وأعبد الأمة لله عز وجل، أولئك الذين نزل الوحي بينهم، وهم الذين عقلوه ولم يعقل الوحي أحدٌ مثلهم رضوان الله تعالى عليهم، إنهم القوم الذين نستفيد منهم مواقف في العقيدة، مما تحملوه في سبيل الله، وجاهدوا به أعداء الله.

إن واحداً منهم صدع بالقرآن في وجه الكفار فضربوه وآذوه، ولكنه استمر يقرأ القرآن عليهم.

وآخر ينطق بالشهادتين، فيضربونه حتى يسيل منه الدم، فيصير كهيئة النصب الأحمر من كثرة ما سال من دمائه حتى يقع مغشياً عليه.

إنهم ضربوا لنا أمثلة رائعة في الصبر، وكان يقذف بالواحد منهم على الرمال الحارة، وتوضع الصخرة على صدره فلا ينطق إلا بصفة من صفات الله التي تدل على وحدانيته، ورفض الشرك وعبادة الأوثان، وإن الواحد منهم كان يطرح على أسياخ الحديد المحماة، فلا يطفئها إلا الشحم الذي يسيل من ظهره عليها.

وكان الواحد منهم يؤذى ويضرب حتى لا يستطيع أن يستوي قاعداً من شدة الضرب، إنهم الذين ضربوا لنا المُثُلَ في التحمل والصبر على الجوع في سبيل الله، فحوصروا حتى لم يعد الواحد منهم يجد شيئاً يأكله، فيبول فيرتد رشاش بوله من شيء في الأرض، فيأخذه فإذا هو جلد بعيرٍ قد فني منذ مدة وبقي هذا الأثر، يأخذه ليغسله؛ فينقعه ويقتاته أياماً.

ولم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم وبلال من شيء يأكله ذو كبد إلا شيء يواريه إبط بلال ، وكان للواحد تمرة واحدة في اليوم يقتاتها وهم غزاةٌ في سبيل الله، ينقعونها في الماء يشربونه ويمصها الواحد منهم كما يمص الطفل ثدي أمه، اشتكوا من القلة إلى الله عز وجل لا إلى خلقه، وصبروا على العيلة والمسكنة، حتى جعل الواحد منهم من قلة الطعام يضغو كما تضغو الشاة، أي كالبعر الصغير تضعه الشاة، فكان الواحد من الصحابة إذا قضى حاجته لا يخرج منه إلا مثل ذلك، لأنهم لم يجدوا شيئاً يأكلونه، حتى ربطوا الحجارة المسطحة بمقدار الكف على بطونهم ليعتدل ظهر الواحد منهم؛ لأن الجوع احناه، ويبرد الحجر حرارة الجوع، ولأن ضغط الحجر على المعدة يؤدي إلى تقليل الإحساس بألم الجوع.

كثرة تعبدهم وحرصهم على نشر الإسلام

وقد تعلمنا منهم دروساً في قيامهم بالليل بالقرآن، كالقراء الذين كانوا يصومون بالنهار ويقومون بالليل يقرءون القرآن، حتى مات وقتل عددٌ منهم في سبيل الله، كالسبعين الذي قتلوا في بئر معونة رضي الله عنهم، وكان أبو موسى الأشعري يقوم الليل بالقرآن، فيسمعه النبي صلى الله عليه وسلم فكأنما أوتي مزماراً من مزامير آل داود؛ والمزمار هو: الصوت الحسن الجميل، وكان عليه الصلاة والسلام يعرف صوت الأشعريين بالليل في قراءة القرآن.

فهم الذين تعلمنا منهم الدروس في تلاوة القرآن، وتحسين الصوت به، والقيام به آناء الليل، وصيام النهار، رضوان الله تعالى عليهم.

وهم الذين تعلمنا منهم الحكمة في الدعوة إلى الله عز وجل، وكيف أن مصعب بن عمير وعبد الله ابن أم مكتوم ذهبا إلى المدينة ليسلم على أيديهما رؤساء الأوس والخزرج، ويفتح مصعب المدينة بالقرآن، ويمهدها للنبي عليه الصلاة والسلام، فلم تفتح المدينة بالسيف، إنما فتحت بالقرآن، إنه القرآن الذي يقرأه الدعاة أمثال مصعب وابن أم مكتوم المرسلين من مكة .

حراسة الدين ونقله إلى من بعدهم من المسلمين

وقد تعلمنا منهم مقاومة المنافقين، والكشف عن دسائسهم، حتى كان الغلام منهم يتلقط الأخبار ليأتي بها إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وينزل الله آياتٍ تنبئ عن وفاء أذن هذا الغلام وصدقه، فكانوا صغاراً وكباراً جنوداً للدعوة، حراساً للعقيدة، أمناء على الدين، نقلة لأخبار المنافقين لكي يحذر منهم المؤمنون.

تعلمنا منهم دروساً في مواجهة أعداء الله من اليهود والمشركين، وكيف كانوا يحرسون الخندق بعدما حفروه بأيديهم، ولم يستطع الكفار اقتحام المدينة ، ولم يستطع اليهود أن ينالوا من النبي صلى الله عليه وسلم ودعوته شيئاً تمنوه، أو أرادوا بلوغه فبلغوه، لأن الصحابة كانوا يحرسون كل ذلك.

وتعلمنا من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم التواضع، تعلمنا منهم العفو، تعلمنا منهم الوقوف عند كتاب الله تعالى، تعلمنا منهم الجرأة في الحق، تعلمنا منهم الأمانة في نقل العلم، والحرص على حفظ الحديث وتأديته، فكم لـأبي هريرة من الأجر، وأحاديثه في الصحاح والمسانيد والأجزاء الحديثية؛ تتلى وتقرأ في الدروس والخطب والمساجد، وتتناقل، هو الذي نقلها عن النبي عليه الصلاة والسلام، فله مثل أجر ذلك، وكذلك بقية المكثرين من الرواة كـعائشة ، وأنس ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عباس ، وغيرهم رضي الله عن الجميع.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد:

فلا زلنا -أيها الإخوة- في هذه السلسلة من قصص الصحابة في عهد النبوة؛ نسترشد بسيرتهم، ونطيب أنفسنا بذكرهم وأخبارهم، ونستفيد دروساً عظيمةً من الأحداث والمواقف التي مرت بهم.

أولئك القوم الذين اختارهم الله سبحانه وتعالى لصحبة نبيه محمدٍ صلى الله عليه وسلم، أبر الأمة، وأطهر الأمة، وأفقه الأمة، وأعبد الأمة لله عز وجل، أولئك الذين نزل الوحي بينهم، وهم الذين عقلوه ولم يعقل الوحي أحدٌ مثلهم رضوان الله تعالى عليهم، إنهم القوم الذين نستفيد منهم مواقف في العقيدة، مما تحملوه في سبيل الله، وجاهدوا به أعداء الله.

إن واحداً منهم صدع بالقرآن في وجه الكفار فضربوه وآذوه، ولكنه استمر يقرأ القرآن عليهم.

وآخر ينطق بالشهادتين، فيضربونه حتى يسيل منه الدم، فيصير كهيئة النصب الأحمر من كثرة ما سال من دمائه حتى يقع مغشياً عليه.

إنهم ضربوا لنا أمثلة رائعة في الصبر، وكان يقذف بالواحد منهم على الرمال الحارة، وتوضع الصخرة على صدره فلا ينطق إلا بصفة من صفات الله التي تدل على وحدانيته، ورفض الشرك وعبادة الأوثان، وإن الواحد منهم كان يطرح على أسياخ الحديد المحماة، فلا يطفئها إلا الشحم الذي يسيل من ظهره عليها.

وكان الواحد منهم يؤذى ويضرب حتى لا يستطيع أن يستوي قاعداً من شدة الضرب، إنهم الذين ضربوا لنا المُثُلَ في التحمل والصبر على الجوع في سبيل الله، فحوصروا حتى لم يعد الواحد منهم يجد شيئاً يأكله، فيبول فيرتد رشاش بوله من شيء في الأرض، فيأخذه فإذا هو جلد بعيرٍ قد فني منذ مدة وبقي هذا الأثر، يأخذه ليغسله؛ فينقعه ويقتاته أياماً.

ولم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم وبلال من شيء يأكله ذو كبد إلا شيء يواريه إبط بلال ، وكان للواحد تمرة واحدة في اليوم يقتاتها وهم غزاةٌ في سبيل الله، ينقعونها في الماء يشربونه ويمصها الواحد منهم كما يمص الطفل ثدي أمه، اشتكوا من القلة إلى الله عز وجل لا إلى خلقه، وصبروا على العيلة والمسكنة، حتى جعل الواحد منهم من قلة الطعام يضغو كما تضغو الشاة، أي كالبعر الصغير تضعه الشاة، فكان الواحد من الصحابة إذا قضى حاجته لا يخرج منه إلا مثل ذلك، لأنهم لم يجدوا شيئاً يأكلونه، حتى ربطوا الحجارة المسطحة بمقدار الكف على بطونهم ليعتدل ظهر الواحد منهم؛ لأن الجوع احناه، ويبرد الحجر حرارة الجوع، ولأن ضغط الحجر على المعدة يؤدي إلى تقليل الإحساس بألم الجوع.

وقد تعلمنا منهم دروساً في قيامهم بالليل بالقرآن، كالقراء الذين كانوا يصومون بالنهار ويقومون بالليل يقرءون القرآن، حتى مات وقتل عددٌ منهم في سبيل الله، كالسبعين الذي قتلوا في بئر معونة رضي الله عنهم، وكان أبو موسى الأشعري يقوم الليل بالقرآن، فيسمعه النبي صلى الله عليه وسلم فكأنما أوتي مزماراً من مزامير آل داود؛ والمزمار هو: الصوت الحسن الجميل، وكان عليه الصلاة والسلام يعرف صوت الأشعريين بالليل في قراءة القرآن.

فهم الذين تعلمنا منهم الدروس في تلاوة القرآن، وتحسين الصوت به، والقيام به آناء الليل، وصيام النهار، رضوان الله تعالى عليهم.

وهم الذين تعلمنا منهم الحكمة في الدعوة إلى الله عز وجل، وكيف أن مصعب بن عمير وعبد الله ابن أم مكتوم ذهبا إلى المدينة ليسلم على أيديهما رؤساء الأوس والخزرج، ويفتح مصعب المدينة بالقرآن، ويمهدها للنبي عليه الصلاة والسلام، فلم تفتح المدينة بالسيف، إنما فتحت بالقرآن، إنه القرآن الذي يقرأه الدعاة أمثال مصعب وابن أم مكتوم المرسلين من مكة .

وقد تعلمنا منهم مقاومة المنافقين، والكشف عن دسائسهم، حتى كان الغلام منهم يتلقط الأخبار ليأتي بها إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وينزل الله آياتٍ تنبئ عن وفاء أذن هذا الغلام وصدقه، فكانوا صغاراً وكباراً جنوداً للدعوة، حراساً للعقيدة، أمناء على الدين، نقلة لأخبار المنافقين لكي يحذر منهم المؤمنون.

تعلمنا منهم دروساً في مواجهة أعداء الله من اليهود والمشركين، وكيف كانوا يحرسون الخندق بعدما حفروه بأيديهم، ولم يستطع الكفار اقتحام المدينة ، ولم يستطع اليهود أن ينالوا من النبي صلى الله عليه وسلم ودعوته شيئاً تمنوه، أو أرادوا بلوغه فبلغوه، لأن الصحابة كانوا يحرسون كل ذلك.

وتعلمنا من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم التواضع، تعلمنا منهم العفو، تعلمنا منهم الوقوف عند كتاب الله تعالى، تعلمنا منهم الجرأة في الحق، تعلمنا منهم الأمانة في نقل العلم، والحرص على حفظ الحديث وتأديته، فكم لـأبي هريرة من الأجر، وأحاديثه في الصحاح والمسانيد والأجزاء الحديثية؛ تتلى وتقرأ في الدروس والخطب والمساجد، وتتناقل، هو الذي نقلها عن النبي عليه الصلاة والسلام، فله مثل أجر ذلك، وكذلك بقية المكثرين من الرواة كـعائشة ، وأنس ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عباس ، وغيرهم رضي الله عن الجميع.