خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/35"> الشيخ محمد صالح المنجد . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/35?sub=16019"> خطب عامة
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
حاجتنا إلى التربية الإسلامية
الحلقة مفرغة
الحمد لله الذي علَّم الإنسان ما لم يعلم، الحمد لله الذي أنعم علينا بهذه النعمة وهذا الدين العظيم.. دين الإسلام، والحمد لله الذي أرسل إلينا هذا النبي الكريم، وهو خير الأنبياء وخاتم الرسل محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، فكان أعظم الأنبياء، وسيد الرسل، وسيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم، ابتعثه الله لإخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، فربَّى صلى الله عليه وسلم أصحابه على هذا المنهاج، وعلى هذا الكتاب، وعلى هذه الشريعة، فكانت تلكم الصفوة المختارة من صحابته صلى الله عليه وسلم أفضل الأمة، وأبرها قلوباً، وأطهرها نفوساً، وأزكاها عقولاً، نشروا الأمانة، وبلغوا الدعوة في أصقاع الأرض، وكانوا بعد رسولهم صلى الله عليه وسلم دعاة خير وهدى، ومعه وزراء ومساعدون ومجاهدون في سبيل الله، أيدوا دعوته، ونصروا شريعته، رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
أيها الإخوة: موضوعنا في هذه الليلة بعنوان: (حاجتنا إلى التربية الإسلامية).
هذه الحاجة العظيمة الماسة التي افتقدها الكثيرون في هذا الزمان فوقعوا في تخبطٍ وحيرة واضطراب، إذ لم يعرفوا المنهج والطريق الذي يجب عليهم أن يسلكوه.
إن الوصول إلى المجتمع الإسلامي غاية كل مسلم، وأمل منشود ومرتقب يسعى إليه المخلصون من أبناء هذا الدين، ولكن منهم من عرف الطريق؛ طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته، فسار على نفس الهدي والمنهج، ومنهم من صار يتخبط حيراناً في الأرض لا يدري كيف يعمل، فيذهب يميناً وشمالاً، ويأخذ حلولاً مستعجلةً وضعية، أو يتشبه بالكفرة في استيراد بعض الحلول، هؤلاء لم يصلوا إلى الهدف مطلقاً؛ لأنهم جانبوا هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسنتكلم -إن شاء الله- عن الأسباب التي من أجلها نحتاج إلى هذه التربية.
لماذا يجب علينا أن نسلك سبيل التربية؟
ما هي فوائد التربية؟
ما هي ثمراتها؟
أولاً: إن التربية الإسلامية هي الطريقة التي ربى الله بها أوائل هذه الأمة بإنزال الكتاب عليهم، وكانت آيات هذا الكتاب العزيز تتنزل تترى منجمة، في مواسم متفرقة، ومناسبات مختلفة، تربي هذه الأمة، في معركة بدر أنزل الله آيات تربي المسلمين أن النصر من عند الله، وأن الذين رموا لم يكن رميهم بأنفسهم فقط.. وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى [الأنفال:17]، ولما حصل بينهم فشلٌ وتنازعٌ ومعصية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وانشغالهم في الدنيا وهزموا في غزوة أحد، ودفعوا الثمن غالياً دماءً وأشلاءً سبعين من المجاهدين المخلصين، نزلت الآيات في سورة آل عمران تربي الأمة على أسباب الهزيمة التي يجب عليهم أن يتقوها، وبينت لهم الآيات كيف أن الانصراف عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم والانشغال بالدنيا من أعظم أسباب الهزيمة، وماذا كان يجب عليهم أن يعملوا؟ وما هي التضحيات؟ وما مدى الثبات الذي كان يجب عليهم أن يسلكوا طريقه؟
وفي معركة الخندق لما عمل المنافقون عملهم، نزلت الآيات في هتك أستار المنافقين، وتثبيت المؤمنين، وكشف دور اليهود.. وهكذا.
وبعض المؤمنين عندما انفضوا من حول رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب الجمعة من أجل قافلةٍ من التجارة قدمت، نزلت الآيات تربي أولئك القوم أنه لا يجوز لهم أن يفعلوا ذلك: وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً [الجمعة:11].
بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو رسول الله كان يتلقى من الآيات ما يتربى عليه صلى الله عليه وسلم، فلما عبس في وجه ابن أم مكتوم الأعمى نزلت الآيات عليه تربية له وتذكيراً وتعليماً.
ولما حصل ما حصل في نفسه بشأن زيد بن حارثة وزواجه، قال الله له: وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ [الأحزاب:37] حتى قالت عائشة: [ لو أن محمداً صلى الله عليه وسلم أراد أن يكتم شيئاً من القرآن لكتم هذه الآية].
ولما تنازع بعض المسلمين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم نزلت الآيات موبخةً ومقرعةً على هذا التصرف الذي لا يليق.
ولما حصل من بعض المنافقين تناجٍ، نزلت آيات في فضحهم وتعليم المؤمنين ألا يتناجوا إلا بالبر والتقوى، ولا يتناجوا بالإثم والعدوان.
وهكذا وهكذا من الأمثلة الكثيرة والآيات العديدة الدالة على أن طريقة القرآن هي التربية، وأن الثلة والنفر من المسلمين المخلصين الأوائل إنما كانت تربيتهم في هذا القرآن، فإذا كنا مسلمين حقاً، ونريد أن ننهج نهج القرآن، فلا بد أن نسلك مسلك التربية.
ثانياً: إن التربية هي طريقة الأنبياء رضوان الله عليهم، فهذا موسى عليه السلام يختار من قومه سبعين رجلاً يختصهم بمزيدٍ من العناية.
وهذا عيسى عليه السلام له حواريون يعلمهم ويختصهم بمزيدٍ من القرب والإدناء.
وهذا محمدٌ صلى الله عليه وسلم أسلم معه أناسٌ كثيرون جداً، ولكن كانت معه طائفةٌ من المؤمنين تتلقى وتتربى دائماً، والتربية للجميع، فالمقل والمستكثر، ومنهم مقبلٌ ناهلٌ من هذا المعين الذي لا ينضب، ومنهم منشغلٌ في أمورٍ، أو بعيدٌ في قبيلة أو بلدٍ لا يستطيع أن يكون معه صلى الله عليه وسلم دائماً، ولكنه عليه الصلاة والسلام كان ينتهز كل طريقة في تربية أصحابه.
إننا نعلم أن عدد الصحابة رضوان الله عليهم يقارب مائة وأربعة وعشرين ألف صحابي -كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر رحمه الله في كتابه الإصابة- من الذين حجوا معه صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع، ولكن كان من هذا العدد الكبير طائفة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تتلقى التربية أولاً بأول، كانوا معه من القديم عندما كان في مكة، وهاجروا معه، والتف معه الأنصار، وكان منهم من خرج معه في غزواته وشهد المشاهد كلها أو بعضها، واشتركوا في الجهود العظيمة في الدفاع عن الإسلام، ونشر الدعوة، وكان منهم العلماء، والقادة العسكريين، وأولو الحل والعقد والرأي في أول هذه الأمة.
وكان صلى الله عليه وسلم ينتهز المناسبات، فإذا جاء رجلٌ يسأله عن أحب الأعمال، يقول تارة لشخصٍ: (الإيمان بالله)، ويقول تارة لآخر: (بر الوالدين)، ويقول تارة لثالث: (الصلاة على وقتها)، وهكذا وهكذا، يعطي كل شخصٍ بحسبه، ويربي كل إنسان بما يحتاج إليه، وهذا يقول له: أوصني، فيقول: (لا تغضب)، وهذا يقول: الوصية، فيقول: (لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله)، وهكذا يتعاهد كل واحدٍ من أصحابه بما يحتاج، وينتهز المناسبات والأحداث، فيمر على جدي أسك قد تركه أهله مما أصابه من الموت والعفن، فيعلمهم فيه مفهوماً مهماً، ويمثل لهم تمثيلاً بليغاً صلى الله عليه وسلم.
ولما وزع الغنائم في غزوة حنين، فنال مسلمة الفتح ما نالوه من الغنائم العظيمة مائةً مائةً من الإبل، وهؤلاء الأنصار لم تجف سيوفهم بعد من دماء الكفار لما فتحوا مكة، ولما قاتلوا في حنين، فلم يأخذوا شيئاً، فينتهز عليه الصلاة والسلام هذا التأثر الذي حصل من بعضهم ليجمعهم ويلقي فيهم موعظةً بليغة، يعلمهم ويذكرهم وينصحهم ويعظهم، حتى بكوا من التأثر، ورجعوا معه قائلين: رضينا برسول حظاً وقسماً.
وهكذا كان مع أصحابه؛ يعلم جاهلهم، ويرشد من يحتاج إلى إرشاد، ويثبت من يحتاج إلى تثبيت، يأتيه خباب وهو مستظلٌ بظل الكعبة، فيقول: [ألا تدعو لنا، ألا تستنصر لنا]، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتلو عليه من أخبار السابقين، وما ينبغي أن يكون عليه هؤلاء الناس من الثبات والصلابة في المواقف، فكانت تربيته عليه الصلاة والسلام مثالاً يحتذى لكل أحدٍ من الناس يريد أن يسلك النهج النبوي في التربية الإسلامية.
ثالثاً: إن هذه التربية الإسلامية هي نهج الصحابة رضي الله عنهم، والتابعين ومن تبعهم بإحسان في سائر طبقات هذه الأمة، فقد كانوا يتعاهدون أصحابهم بمزيدٍ من التربية والعناية لأهدافٍ إسلامية يعلمونها علم اليقين، ويعلمون أن الأمة تحتاج إلى هؤلاء الذين تربوا على هذا المنهاج السديد.
لقد كان لكل صحابي طائفةٌ من تلامذته يختصهم بمزيدٍ من العناية، ولقد انتهى الدين والفقه والعلم في الأمة إلى أربعة أشخاص: عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه في العراق ، وزيد بن ثابت وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما في المدينة ، وعبد الله بن عباس في مكة ، كان لكل واحدٍ من هؤلاء الأربعة تلامذةٌ يختصهم بعلمٍ وتربية زائدة عما يعطيه لسائر الناس، ولذلك ترى من تلامذة ابن مسعود مثلاً: علقمة ، والأسود ، ومسروق ، والربيع بن خثيم.. وهكذا.
وترى من تلامذة عبد الله بن عمر : ثابت البناني ، وجبير بن نفير ، وخالد بن كيسان وغيرهم.
وترى من تلامذة زيد بن ثابت : قبيصة بن ذؤيب ، وأبان بن عثمان ، والقاسم بن محمد وغيرهم.
وترى من تلامذة عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما: كريب ، وعروة بن الزبير ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، وأبو العالية ، وأبو صالح باذام ، والشعبي ، والحسن ، وابن سيرين ، والضحاك ، وابن أبي مليكة وغيرهم، فقد كانت هذه هي طريقتهم رضوان الله تعالى عليهم في انتقاء هؤلاء الطلبة الأفذاذ النجباء وتخصيصهم بمزيدٍ من العلم والتفقيه والتربية.
وكان التلميذ يعيش مع شيخه فيقتبس من حسن أخلاقه، وشدة عبادته وكثرتها لله تعالى، وإحسانه في التعليم، ويقتبس من علمه أشياء كثيرة جداً، وهكذا علموها لمن بعدهم، ومن بعدهم كان لهم تلامذة وأتباع.. وهكذا كان للإمام أحمد وغيره، وشيخ الإسلام ابن تيمية كان له جماعة من أصحابه يأمر معهم بالمعروف، وينهى معهم المنكر، وهذا تلميذه وخاصته من بينهم شيخ الإسلام الثاني ابن القيم رحمه الله كان يسير على نهج شيخه، فترى هذه الثمرة من تلك البذرة التي تعاهدها ذلك المربي، فسقاها بماء الشرع، وحاطها بعناية إسلامية فائقة، فهذه الغرسة نبتت وآتت أكلها وثمارها كل حينٍ بإذن ربها.
وهذا شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في هذا العصر كان له أتباعٌ وجندٌ مؤمنون نصر بهم الحق، وأخرج الناس بهم من عبادة الأوثان والجاهلية الأخرى التي طبقت الجزيرة في وقته إلى أنوار التوحيد.
رابعاً: الإسلام دين عظيم يحتاج إلى شخصيات عظيمة لحمله ونشره؛ شخصيات تملك فقهاً في الدين، وثقافات حتى في أمور الجاهليات الأخرى؛ لأن من لا يعرف الجاهلية لا يمكن أن يسير في الإسلام سيراً حسناً، لا بد أن يكون هناك أشخاصٌ يحملون هذا الدين، وهذا الدين متين، لكنهم يحملونه بفقههم، وما آتاهم الله من قوة يسخرونها من أجل الاستمساك بهذا الدين.. فقه للواقع، وحاضر العالم الإسلامي، والتيارات المنحرفة المؤثرة.. وغيرها، يتمتعون بصبرٍ واحتمال، وطاعةٍ لله، وتجرد وثباتٍ على المنهج، وثقةٍ به، وتضحية من أجله.. يتمتعون بقدرة على الإدارة والتخطيط والتنسيق والانتقاء، ومعرفة الطاقات وتشخيص أمراض الأمة والقدرة على علاجها، هؤلاء الذين لهم علمٌ بطبائع الناس وكيفية جذبهم إلى طريق الحق، هؤلاء الناس لا يمكن إعدادهم إلا بتربية من أجل هذا الدين، ومن أجل أنه متين وعظيم لا بد من عظماء يحملونه، فلا يحمله السفهاء، ولا يحمله الدهماء، ولا العامة، وإنما يحمله قلةٌ تنقذ الموقف.
خامساً: إن التربية مهمة في اكتساب التصورات التي يجب على الفرد المسلم أن يحملها؛ مفهوم لا إله إلا الله، وأهمية التوحيد وأنواعه، والولاء والبراء، ومفهوم العبادة، والتغيير لا الترقيع، وتميز المسلم، والالتزام بالسنة، والاستعلاء والاعتزاز بهذا الدين، والعلم الشرعي وكيفية التفقه فيه، وجنسية المسلم وعقيدته، ومنهج التفقه، وتعظيم النصوص، وعدم التعصب، والعمل لهذا الدين، والتقديم والتضحية، وعالمية المنهج، والموقف من الخلاف، والأخوة الإسلامية، والجدية في الالتزام، والتلقي للتنفيذ، ومفهوم القضاء والقدر، ومفهوم الدنيا والآخرة، ومفهوم الحضارة وعمارة الأرض.
هذه طائفة من المفاهيم الكثيرة، جزءٌ منها مما يجب على المسلم أن يحمله، كيف يحمله إذا لم يكن قد تربى؟
وكيف يتشرب هذه التصورات إذا لم يكن له طريقٌ يسلكه ويتربى من خلاله؟
إن الذين يظنون أن بإمكان الفرد أن يتلقى كل شيء من تلقاء نفسه، أناسٌ جازفوا في الأمور، ولم يزنوها حق وزنها، ولنا وقفة -إن شاء الله- في أنواع التربية وأهدافها ووسائلها، في محاضرةٍ قادمة لبيان خطأ هذا الفكر الذي يسيطر على بعض الناس ممن يظنون أن الفردية تفلح في مثل هذا الزمن.
سادساً: من الأمور التي تدفعنا إلى سلوك طريق التربية، وأهمية التربية، وحاجتنا إلى التربية: أن التربية توجه طاقات الشخص لتستغله في نصرة الدين.. تستغل الطاقات والمواهب في نصرة الدين بدلاً من التوافه والمحرمات؛ فهذا شخصٌ يجيد الخطابة فليخطب في نشر الدين، وهذا شخص يجيد الكتابة فليكتب في نصرة الدين، وهذا شخص يقول شعراً فليقل الشعر ينافح عن الإسلام وأهله، وهذا يخط فلتخط يمينه.
إذاً: كلمات إذا رآها الرجل العاقل تأثر منها، وهذا له قوةٌ بدنية فلينصر بها المظلوم، ولينصر بها الحق، وهذا له خبرة قتالية فليسخرها في تجييش الجيوش وقيادتها وحملها على الأعداء، وهذا له قدرةٌ بتعلم اللغات فليشتغل بنشر الدعوة إلى الله في الأقوام الذين يتكلمون بهذه الألسنة التي يجيد الكلام بها.
إن التربية تصنع من الشخص الجاهلي الهامشي التافه شخصاً إسلامياً قوياً مؤثراً، ومن أجل ذلك لا بد من سلوك طريق التربية.
سابعاً: إن هذه التربية مهمة لإزالة الأخلاق الرديئة، فيحل مكان الجبن الشجاعة، ومكان التهور الاتزان، ومكان البخل الكرم، ومكان الفحش الأدب والحياء.. وغير ذلك على نحو ما فصلناه في محاضرةٍ ماضية بعنوان: (اكتسب حسنة من الأخلاق الحسنة).
ثامناً: إن التربية مهمة للتخلص من رواسب الماضي، فإن الإنسان مهما سار في الطريق فلا بد أنه يبقى في نفسه علائق مما مضى من حياته السابقة.. من جاهليته الماضية ترسبت في نفسه، قد استقرت باللاشعور عنده في تصوراته وخلفياته السابقة، فهي تظهر من حين لآخر، تظهر كأجواء، وتظهر كأهواء.. وهكذا، وهذه التربية تشذبها وتنقي النفس من الرواسب، لقد كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من حلف بالآباء، كان على عهده من حلف بالأمانة، كان على عهده من حلف باللات والعزى، من أي شيء حصل؟
من رواسب ماضية وسابقة، وكان صلى الله عليه وسلم إذا سمع شيئاً من المنكر أنكره، بعضهم كان يحلف باللات والعزى خطئاً من كثرة ما جرى على لسانه من أيام الجاهلية من هذا الحلف، فكان صلى الله عليه وسلم يقول: (من حلف باللات والعزى، فليقل: لا إله إلا الله) يكفر بها هذا الفعل، ويربي نفسه ويعودها على عدم العودة لمثل هذا القسم.
حصل في مناسبةٍ من المناسبات خصامٌ بين مهاجري وأنصاري، فقال المهاجري: يا للمهاجرين! وقال الأنصاري: يا للأنصار! فتحزبت كل فرقةٍ لصاحبهم، حتى كادت تحصل بينهم مقتلة، وهم من هم؟ الصحابة الكرام رضي الله عنهم.
من أي شيء جاء؟ ومن أين أتى؟
إنه جاء من رواسب ماضية في الجاهلية، كان الثأر يلعب دوره، وكانت العصبية تلعب دورها، ولذلك نزغ الشيطان نزغة، كاد أن يحصل من ورائها شرٌ عظيم، فقام المربي صلى الله عليه وسلم يخطب فيهم، ويقول: (دعوها فإنها منتنة) ويهدئهم حتى كشف الله خطة المنافق، وأفشل كيده، ورده في نحره، فرجع الصحابة رضوان الله عليهم إلى الحق مرةً أخرى.
حصل أن واحداً منهم قال لأخيه: يا بن السوداء! فماذا فعل عليه الصلاة والسلام؟
بين، وقال له: (إنك امرؤ فيك جاهلية).
إن من الرواسب: الفخر بالجاهلية، والاستهزاء بعباد الله؛ لأنه أسود، أو لأنه ليس من قبيلة.. ونحو ذلك من الأمور، ونحن اليوم كم فينا من الرواسب؟ وكم فينا من المخلفات والموروثات الجاهلية؟
شيء كثيرٌ جداً، فما هو الطريق إلى تنقيته، وتهذيب النفس منه، وإخراج هذه الموروثات ليكون محلها مفهومات إسلامية، وتصورات صافية، تسد هذه الثغرات حتى لا يخرج الشر منها مرة أخرى؟
لا يكون ذلك إلا بتربية.
تاسعاً: إن التربية مهمةً لمواجهة الشبهات، كثيرٌ من المسلمين تخطر في بالهم شبهات، ويلقي الشيطان في أنفسهم نزغاتٍ فيها شيء من الزيغ، فإذا لم تكن هناك تربية تربي هذا الشخص لتنقذه من الشبهات هلك.
فمنهم من تأتيه شبهات في وجود الله، وشبهات في صحة القرآن، أو صحة النبوة والرسالة والوحي، أو حتى مما يلقي إليهم شياطين الإنس من بعض الشبهات في بعض الأحكام الشرعية؛ كالرق، وتعدد الزوجات، ونحو ذلك، وشبهات تعرض حتى لبعض الدعاة إلى الله، فقد يقول بعضهم: أنا أقع في منكرات فلا يجوز أن أدعو، كيف آمر بالمعروف ولا أفعله؟ وكيف أنهى عن المنكر وأقع فيه؟
إذاً: الحل ألا آمر ولا أنهى، فيقع في الخطأ العظيم بسبب هذه الشبهة.
ومنهم أناسٌ وفقهم الله لوسطٍ صالحٍ يعيشون فيه، فوقعت منهم بعض المنكرات، فقالوا في أنفسهم: ما بالنا نخطئ ونقع في هذه الآثام ونحن في جوٍ نظيف ووسطٍ طيب، إننا لا نستحق مثل هذا الوسط، فلابد أن نخرج عنه حتى لا نكون سبباً في فشله وتمزقه وعدم توفيق الله له.. وهكذا يخرجون من الأوساط الطيبة بمثل هذه الشبهة وهكذا.
ومنهم من يظن -مثلاً- أن الطريق لتقوية إيمانه أن يعتزل إخوانه، ويذهب في مغارةٍ، أو كهفٍ، أو مكان منعزلٍ لكي يقوي إيمانه، فيقع في هذه الحيلة الشيطانية في براثن الشيطان، فيستولي عليه، ويؤخره مدةً طويلة إلى الوراء بهذه الشبهة التي قامت في نفسه، فكيف يكون الطريق لاقتلاع جذور هذه الشبهات؟ وكيف يكون الطريق للرد عليها من النفس على النفس؟
لا يكون ذلك إلا بتربية تتعهد.. إلا بمنهجٍ يسعف.. إلا بأخوة ينصحون، لا يكون ذلك أبداً إلا بسلوك هذه الطريقة النبوية المحمدية؛ طريق التربية الإسلامية.