مصيبة عام 2000 [2]


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد:

فقد تحدثنا في الخطبة الماضية عن بعض اعتقادات اليهود والنصارى المتعلقة بقرب نهاية الألفية الثانية, وكيف بنوا بعض ما سيفعلون على أساطير وعلى عبارات أخذوها من العهدين القديم والجديد بزعمهم, بعضها مما حرفوه وبعضها مما أُسيء فهمه، أو يساء تطبيقه من قبلهم, ولا يخلو من هذا أو هذا وإلا فإن المستقبل للإسلام, وقد أخبرنا الله عنهم أنهم قد حرفوا كتبه فقال: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ [البقرة:79].

وإذا كانوا يعتمدون على أمور محرفة، وتنبؤات كهنة وعرافين وغير ذلك, فإننا ولله الحمد لا نعتمد إلا على ما هو صحيح كل الصحة، مما جاء في القرآن والسنة النبوية الصحيحة, واليهود والنصارى يحركون بالأساطير ويتحركون إلى عالم الحقيقة، ويزيدهم افتتاناً ما حصل لهم من القوة المادية في هذا الزمان, ويستعملون النبوءات لنصرة دينهم, ولِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ [الرعد:38] .. وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ [يوسف:21].

ومهما طغى هؤلاء فإنه سيأتي الوقت الذي يقصم الله فيه ظهورهم, لأن الله قد كتب على اليهود الذل حيث قال سبحانه: ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ [آل عمران:112].

وهذا الاستثناء المذكور في الآية: إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ [آل عمران:112] قد قام لهم في هذا الزمان؛ فإذا انقطع ذلك الحبل رجعوا مرة أخرى إلى ما كانوا فيه من الذل والمسكنة ولا شك, فهذه المرحلة بالنسبة لهم مرحلة عابرة، وهؤلاء القوم في هذا الزمان يأتون بتلك النبوءات التي لا ندري عن مصادرها الحقيقية, ويعملون على تحقيقها، ويؤسسون الجمعيات واللجان والمؤسسات لتجعل من هذه النبوءات واقعاً, فبأي شيء قابلنا نحن المسلمين هذه الاستعدادات من قبلهم.

إن عدداً من المسلمين، بل الأكثر لا يدرون شيئاً عما يحيكه اليهود والنصارى من المؤامرات, وعدد آخر من المسلمين اتجهوا إلى الاستسلام للواقع بهذا الذل الذي صاروا فيه, وبعضهم صار يعتمد على أخبار آخر الزمان في الهروب من الواقع البائس الذي يعيش فيه, ويقرأ بعض المسلمين تآليف فيها مجازفات علمية، وتطبيقات سخيفة على الواقع, ثم يتم الهروب من الواقع البائس عبر هذه الأشياء المقروءة، كالكتاب المسمى بـعمر أمة الإسلام وقرب ظهور المهدي عليه السلام , فيكون قصارى الأمر الاكتفاء بمعرفة قرب نهاية العالم وظهور المهدي.

ويا ترى ماذا فعل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي قال لهم: (بعثت أنا والساعة كهاتين) وقال: (إن كادت لتسبقني) ماذا فعلوا عندما عرفوا قرب قيام الساعة:

هل توقفوا عن العمل؟ هل توقفوا عن الدعوة؟

هل توقفوا عن الجهاد؟

هل استسلموا؟

كلا. وإنما قاموا يعملون بجد ونشاط لنشر الإسلام في الأرض وهذا هو واجبنا.

أما الاستسلام والقول بأننا ننتظر المهدي عليه السلام ونقعد, فليس هذا لعمر الله من دين الإسلام في شيء, والأئمة العظام كالإمام أحمد رحمه الله وغيره من أئمة أهل السنة رووا أحاديث المهدي, ولم ينقل عنهم حتى تحري تطبيقها والتنقيب عن زمانها, وبعض المسلمين اليوم مشغولون غاية الشغل بقضية وقت ظهوره، أو وقت نهاية العالم وخرابه, فنقول: بأي شيء تعبدنا الله؟ أليس بعبادته والعمل لدينه..؟ ألا نستحي ونخجل عندما نرى الكفار الذين لا مستقبل لهم في منظورنا الشرعي يعملون ويجتهدون في تحقيق نبوءات محرفة, ونحن عندنا الأصول ونسكت ونقعد!!

أيها الإخوة: لقد سبق الكلام عن شيء من أساطير هؤلاء والتي من أهمها قيام دولتهم التي يعبرون عنها بحسب ما عندهم للاستعادة الأبدية لأرض كنعان من قبل شعب اليهود, وقد تحقق لهم قيام هذه الدولة بغض النظر عن صحة النبوءات والأقوال التي عندهم, لكنهم عمدوا على تحقيق هذه النبوءات في الواقع, ثم احتلال القدس وجعلها عاصمة موحدة لدولتهم؛ لأن في التلمود نصاً يقول بزعهم: أن القدس ستتوسع في آخر الزمان حتى تصل إلى دمشق , وسوف يأتي المنفيون ويقيمون خيامهم فيها, وكذلك هي عندهم المكان الذي سيفيض الخير من السماء, ومنها يوزع على بقية العالم, فقام هؤلاء اليهود بتطبيق ذلك عملياً بغض النظر عن صحة هذه النصوص كما قلنا, لكنهم عملوا هذا هو الشاهد.

وكذلك أعادوا ويعيدون بناء هيكل سليمان المزعوم الذي سيقيمونه على أنقاض المسجد الأقصى, وهذه هي المرحلة الثالثة، مرحلة بناء الهيكل الذي يقول فيه أحد طواغيتهم المعاصرين: لا قيمة لإسرائيل بدون القدس ، ولا قيمة للقدس بدون الهيكل.

فإذا أقاموا الدولة ثم احتلوا القدس -وهم الآن على أعتاب إقامة الهيكل- فإنهم قد نجحوا في إقناع النصارى أن مصلحتهم أن تقام دولة يهود، وأن يتخذوا القدس عاصمة لهم, وراجت هذه القضية جداً حتى ساند النصارى اليهود في قضية احتلال القدس ، وجعلها بالتدريج عاصمة ومسكناً لهم.

ومن الأمور التي اشتبكت بين اليهود والنصارى في القضية: أن الإنجيليين يقولون: بأن المعركة الأخيرة ستكون في سهل صغير في فلسطين الذي يسمى بـسهل مجيدو وينسبون إليه حصول معركة هرمجدون المشهورة عندهم, ويروجون الآن أنها بين النصارى والمسلمين، وينشرون الأفلام السينمائية الكثيرة التي أنتجت حول هذا الموضوع, وبنى اليهود السور، وقضية الشمعدان السباعي، والتابوت الذي يقولون بأنه لا يعرف مكانه إلا نفر قليل منهم في أثيوبيا , والمذبح قد عمل, والبقرة الحمراء قد ولدت، وخيمة العهد قد نسجت, وهكذا قاموا بتنفيذ النبوءات التي لديهم, ولسنا ننكر أن بينهم تيارات متعارضة فعندهم هؤلاء الذين يسمون بالأصوليين بالإضافة إلى العلمانيين وبينهم تضاربات, يعملون على خطين ولكن في النهاية المسلمون هم الضحية وهم المستهدفون, فالأصوليون يريدون إعادتها بالقوة, وهدم الأقصى وبناء الهيكل بالقوة وطرد المسلمين بالقوة من القدس, وأما الآخرون فإنهم يرون إقامة ذلك بالسلام وكذلك يهدفون إلى احتلال منطقتنا اقتصادياً والهيمنة عليها تكنولوجياً، وفي النهاية الهدف هو السيطرة على المسلمين.

قال ابن القيم رحمه الله معلقاً على بعض ما لديهم: "ومن تلاعبه بهم -أي: من تلاعب الشيطان باليهود- أنهم ينتظرون قائماً من ولد داود النبي, إذا حرك شفتيه بالدعاء ماتت جميع الأمم, وأن هذا المنتظر بزعمهم هو المسيح الذي وعدوا به, وهم في الحقيقة إنما ينتظرون مسيح الضلالة الدجال, فهم أكثر أتباعه, والأمم الثلاث تنتظر منتظراً يخرج في آخر الزمان فإنهم وعدوا به في كل ملة"

إذاً: كل من المسلمين والنصارى واليهود ينتظرون منتظراً في آخر الزمان, لكن اليهود والنصارى يعملون لنصرة هذا الذي سيخرج فيهم كما يزعمون, والمسلمون مع الأسف قاعدون لا يعمل منهم إلا النفر القليل, وبعضهم كما قلنا يخدرون أنفسهم بالقراءة في بعض نبوءات المستقبل, وتطبيقات سخيفة للنصوص على الواقع, فأين ما أمر الله به من العمل للإسلام والقيام بحمله، قال تعالى: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلونَ [الزخرف:44].

إن هناك خشية من شن المتطرفين من اليهود -وكلهم متطرفون ولكن في اتجاهات شتى- بهجمات على المساجد الإسلامية في نهاية الألفية, والقيام بتدمير المسجد الأقصى؛ لإقامة الهيكل، والعلمانيون منهم يخشون من ذلك؛ لأنه يؤدي في نظرهم إلى تفجير المنطقة، وقيام حرب ليست محسوبة النتائج بالنسبة لهم, وهم يفضلون أن يهيمنوا بالسلم -بزعمهم- هيمنة اقتصادية ومالية وتقنية، ولذلك فقد حذر هؤلاء من بني قومهم من القيام بشيء من العنف، ليس لأجل سواد عيوننا, وإنما لأنهم يرون أن هذا استعجال, وما الذي سيحدث..؟

الله أعلم بذلك. هل سينتصر الأصوليون والإنجيليون من اليهود والنصارى ويحققون ما يقولون عنه بالقوة، ويهدمون الأقصى، ويقيمون الهيكل؟ الله أعلم بذلك.

وإذا حدث فهو شر في الظاهر، ولكنه قد يكون خيراً من جهة اشعال جذوة الجهاد في سبيل الله، وقيام المسلمين بالحمية حينئذٍ, أو أن الذي سيحدث هو أن يكسب العلمانيون منهم الجولة في قضية السيطرة على الموقف بالسلام والتعايش بين أهل الملل كما يقولون، وهؤلاء الذين ينادون بالإخاء العالمي, والسلام العالمي, والملة الإبراهيمية, ويريدون تحطيم عقيدة: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ [آل عمران:85] وتحطيم عقيدة: (ما من يهودي ولا نصراني يسمع بي ثم لا يؤمن بي إلا أدخله الله النار) وتحطيم عقيدة: وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ [هود:17].

فهؤلاء على أي حال يريدون تحطيم المسلمين سواء كان بالعنف أو باللين, ونحن ينبغي علينا أن نعود إلى ربنا وأن نقوم بحقه علينا, وأن نعلم ماذا يريد أولئك القوم أن يفعلوا وأن نعد أنفسنا إعداداً عقدياً وإيمانياً وعلمياً ونفسياً لأي طارئ.

أيها الإخوة: إن هذه الألفية التي سيحتفلون بها هي عيدهم وليس لنا به شأن على الإطلاق, ولكن مع الأسف! يشارك كثير من المسلمين الكفرة بالاحتفال في الأعياد, وإذا كنا نرى مشاركة أبنائنا وبناتنا في عيد الحب (الفلنتاين) أو في (الهلوين) أو في رأس السنة أو في غير ذلك من أعياد الكفار, فكيف سيكون الحال في هذا العيد القادم الذي هو عندهم عيد ألفي, عيد كبير وعظيم وضخم, قد حشدوا له من الإمكانات العظيمة لنقله وتعميمه على العالم، وإذا كان كثير من المسلمين قد اغتروا ببهرج أعداء الله وخاصة النصارى في أعيادهم الكبرى، كالكرسمس، وعيد رأس السنة الميلادية, ويحضرون احتفالات النصارى بها في بلادهم ويسافرون إليهم, وبعض المسلمين ينقلونها إلى بلادهم ويقيمونها، فإن البلية الكبرى والطامة العظمى -أيها الإخوة وهذا هو الشاهد الكبير من الموضوع- ما يجري حالياً من استعدادات عالمية على مستوى النصارى للاحتفالات الكبرى بنهاية الألفية الثانية، والدخول في الألفية الثالثة، وإذا كانت الأرض تعج باحتفالات النصارى في رأس كل سنة ميلادية فكيف سيكون احتفالهم بنهاية هذه الألفية؟!

إن هذا الحدث سيحولونه إلى مناسبة ضخمة جداً، لن يحتفلوا به في قبلة ديانتهم الفاتيكان ؛ بل سينقلونه إلى بيت لحم في بلاد المسلمين, وسينتقل إليها أئمة النصارى من جميع الأنواع: الإنجيليون منهم، والمعتدلون بزعمهم، والعلمانيون؛ لإحياء تلك الاحتفالات الألفية التي تنشط جميع الوسائل المرئية والمسموعة للحديث عنها في هذه الأيام, إن هؤلاء الملايين الذين يتوقع حضورهم إلى ذلك المكان برئاسة يوحنا بولس الثاني ، كبير الشرك النصراني في هذا الزمان، إلى موقع الاحتفال بتعميد المسيح بزعمهم، حيث عمده يوحنا المعمدان -أي: يحي عليه الصلاة والسلام- في نهر الأردن سيشارك فيه كثير من المسلمين مع الأسف الشديد، بل إن الحجوزات من قبل المسلمين في هذه المناسبة قائمة على قدم وساق، سينتظرون نهاية الشهر الكريم أو قبل نهاية الشهر الكريم للانطلاق إلى تلك الاحتفالات الشركية والكفرية التي حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم منها أشد تحذير, وأخبر الأمة أنها ستتبع من كان قبلها من اليهود والنصارى حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب ستدخله هذه الأمة وراءهم.

حكم هذه الأعياد في الشريعة الإسلامية

إن هذه الأعياد التي جاء التحذير منها في الكتاب العزيز وفي السنة النبوية والتي اعتنى الشارع الحكيم اعتناء بالغاً بتبيين بطلانها، وتحريم احتفالنا معهم بها, سيخالف هذا الحكم كثير من المسلمين، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (لكل قوم عيد وهذا عيدنا أهل الإسلام) فكيف يجوز لنا أن نشارك غيرنا باحتفال شركي, احتفال هو من ميزات تلك الأمة الضالة التي أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عنهم بقوله: (اليهود مغضوب عليهم والنصارى ضُلاّل).

أيها المسلمون! إن القضية تحتاج بحق إلى استعداد عقدي لتلك المواجهة, وإن المسألة تحتاج منا بحق إلى وقفة جادة في طريق التشبه بالكفار لقطعه, فقد أصبح التشبه بالكفار من أمراض المسلمين في هذا الزمان, نسأل الله عز وجل أن يرزقنا اعتقاد صحيحاً, وأن يباعد بيننا وبين التشبه بالضالين والمغضوب عليهم, وأن يجعلنا سلماً لأوليائه وحرباً على أعدائه, نعادي من عادى الله، ونوالي من والى الله, أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

حكم مشاركة الكفرة في أعيادهم

الحمد لله معز من أطاعه، ومذل من عصاه, وأشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له, شرع لنا من الدين ما رضي به سبحانه وتعالى، وصلى الله وسلم على محمد بن عبد الله, وأشهد أنه رسول الله، صاحب لواء الحمد، والمقام المحمود، والشفاعة العظمى يوم الدين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

عباد الله: إن ربنا عز وجل قد قال في محكم تنزيله: وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجا [المائدة:48] وقال سبحانه وتعالى: لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ [الحج:67] أي: عيداً يختصون به, ولذلك فإنه لايجوز لنا مطلقاً أن ندخل في أعيادهم ونحضرها ونهنئهم بها, أو نقبل تهنئتهم لنا بأعيادنا, وكذلك ليس لنا أن نشاطرهم فرحة، ولا أن نشاركهم بهدية، ولا أن نهنئهم تهنئة، ولا أن نقبل منهم تهنئة, ولا أن نحضر لهم مجلساً لعيدهم أبداً, لأنه رمز كفرهم، وقضية الأعياد، قضية عقدية دينية وليست قضية عامة من قضايا العادات والتقاليد, وإن ظن ذلك بعض من لا علم لديه.

عباد الله: إن المسلم الغيور ليحذّر أهله وأطفاله من أي نوع من أنواع الفرح أو المشاركة بأعياد أولئك القوم, ونحن نعلم أننا في آخر الزمان، وأن طغيان الكفرة قد حصل, ورقة الدين عند المسلمين قد حصلت, ولكن لا يجوز لنا الاستسلام أبداً, لقد ألف علماؤنا الكتب الكثيرة في بيان تحريم مشابهة الكفار في أعيادهم -كتباً مستقلة أو فصولاً في كتب- وقد ألف شيخ الإسلام رحمه الله كتابه العظيم، إقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم , وألف الذهبي رحمه الله رسالته: تشبيه الخسيس بأهل الخميس ويقصد بأهل الخميس أولئك الضلاّل من النصارى الذين يحتفلون به، وما حدث من تشبه بعض المسلمين بهم في ذلك المقام.

وقال شيخ الإسلام رحمه الله في كتابه بعد أن عد أموراً من احتفالاتهم: وإنما عددت أشياء من منكرات دينهم لما رأيت طوائف من المسلمين قد ابتلي ببعضها، وجهل كثير منهم أنها من دين النصارى الملعون هو وأهله -ويقصد الدين المحرف طبعاً- ولست أعلم جميع ما يفعلونه، وإنما ذكرت ما رأيت من المسلمين يفعلونه وأصله مأخوذ عنهم.

وبعض أعيادهم تحول في العصر الحاضر إلى اجتماع كبير له بعض خصائص عيدهم القديم، يشارك كثير من المسلمين في ذلك دون علم, أعياد مأخوذة من الكفرة، كأولمبيات اليونان ، ومهرجانات الفرس، وكثير من المسلمين يتشبهون في قضية المهرجانات بتلك الأعياد المجوسية، مع أن هذه اللفظة جاءت من قبل أولئك المجوس الكفرة، هي أعيادهم يطلقون عليها مهرجانات.

وكما قلنا -أيها الإخوة- فإن أولئك النصارى الذين قد أعدوا العدة لاحتفالهم الكبير في هذا الوقت قد ملئوا الدنيا ضجيجاً, ويريدون منا أن نشاركهم باسم الإنسانية تارة، وباسم العولمة تارة وباسم الكونية تارة، وباسم التآخي بين الأديان تارة، وباسم الانفتاح على الطرف الآخر وتلقي ثقافته تارة, وباسم السِلم العالمي تارة، وباسم الملة الإبراهيمية تارة، وهكذا يريدون أن يضيعوا تميّز المسلم بعقيدته, يريدون أن يفقدونا المبدأ المذكور في قوله تعالى: لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ [الأنفال:42] فيريدون منا أن نضيع البينة، وأن نفقد البينة وأن نغتر وننخدع.

إن هذه الاحتفالات التي ستنقل بالصوت والصورة الحية من أقصى الأرض إلى أدناها ستقوم بها وسائل إعلامهم، وهي أقوى وأقدر مما عند المسلمين بكثير, وستشارك في ذلك القنوات الفضائية، ستنقل مناسبات الكفر كعيد ميلاد المسيح الذي يسمى بالكرسميس في الخامس والعشرين من ديسمبر، وبعده بقليل عند الأقباط, يجددون فيه الذكرى بزعمهم، ويقدمون الهدايا في العيد، كانوا يسمونها باسم القديس نيكولس ثم حَلَّ البابا نويل محل القديس نيكولس ، فتنتشر هدايا الأطفال في المتاجر والمحلات ويُدخلها المسلمون.

أطفالهم يعرفون جيداً من هو بابا نويل وهداياه فلا حول ولا قوة إلا بالله, ونصارى فلسطين من القديم يجتمعون ويتجاورون ليلة عيد الميلاد في بيت لحم ؛ لإقامة قدّاس منتصف الليل, ومن شعائرهم احتفالهم بأقرب يوم أحد ليوم الثلاثين من نوفمبر, وهو عيد القديس أندرواس بزعمهم, أول أيام قدوم المسيح عليه السلام عندهم, ويصل العيد ذروته بإحياء قداس منتصف الليل، وتزين الكنائس، ويغني الناس أغاني عيد الميلاد، تباً لهم يدخلون المعازف وآلات اللهو في دور عبادتهم، ويتقربون إلى الله بزعمهم بالأغاني والموسيقى والاعتقادات الباطلة, كإحراق كتلة من جذع شجرة عيد الميلاد.

ثم يحتفظون بالجزء غير المحروق, يقولون: إن ذلك يجلب الحظ, وعيد رأس السنة تحتفل به الطوائف عندهم، تنقل الاحتفالات وستستحوذ على معظم الأخبار والبرامج التي تبث، والنصارى في تلك الليلة لهم خرافات كثيرة, وهم الذين يوصفون بصناع الحضارة الحديثة، ولكن يقولون: الذي يحتسي آخر كأس من قنينة الخمر بعد منتصف تلك الليلة سيكون سعيد الحظ، وإن كان عازباً فسيتزوج الأول من رفاقه في تلك السهرة.

ومن الشؤم دخول منزل ما يوم عيد رأس السنة دون أن يحمل المرء هدية، ويعتقدون بأن كنس الغبار إلى الخارج ليلة يوم رأس السنة يكنس معه الحظ السعيد, وأن غسل الثياب والصحون في ذلك اليوم من الشؤم, وغير ذلك من الاعتقادات الباطلة.

التحذير من مشاركة النصارى في احتفالاتهم

أيها المسلمون! لقد جاءت الأخبار بأن الأقمار الصناعية تستعد لبث احتفالات ذلك اليوم بدءاً من الثالث والعشرين من ديسمبر ويمتد حتى التاسع من يناير, بزعمهم أو بزعم النصارى العرب أنهم سيأخذون في الحسبان احتفالات الأرمن واحتفالات المسلمين بعيد الفطر.

إذاً هم سيؤخرون مدة الاحتفال أو يطيلون مدة الاحتفال لكي يستطيع المسلمون بعد الصيام وعيد الفطر أن يشاركوهم في ذلك، وستقوم شركات التكنولوجيا المتطورة بتقديم أحدث إنتاجها من عروض الليزر على جدران الأبنية العالية، وستقام الشاشات الرقمية العملاقة التي ستنقل احتفالات العالم لحظة بلحظة على مدار الساعة، وهكذا تقدم تلك الاحتفالات على الملأ, وسيراها أبناء المسلمين وأطفالهم ويقولون: نراعي وجود خيمة إفطار رمضانية، ونمنع شرب الخمر حولها, وبعد ذلك ماذا سيحدث في الليل إذا انتهى الإفطار؟ وماذا سيحدث بعد عيد الفطر؟ وقد وصلت أسعار وجبات العشاء في ذلك اليوم إلى مبالغ خيالية ومما يتوقعون حدوثه أيضاً: ازدياد حالات الانتحار إلى عشرة أضعاف في رأس السنة وبعض طوائف النصارى يعدون العدة لعمل ما في أرض فلسطين وقد باعوا ممتلكاتهم وذهبوا إلى هناك، ولعلهم يريدون القيام بهجوم أو انتحار جماعي، ولكل مذهب كفر طريقة يعبر بها عن احتفالاته أو عن إتيانه هذه المناسبة لديه.

أيها الإخوة: إننا سنرى ونسمع -إن عشنا- أموراً كثيرة من الكفر والضلال، ومن الخنا والفجور، والفحشاء والسكر والعربدة, ونسأل الله أن يحفظنا ويحفظ بلادنا وسائر المسلمين من كل سوء.

اللهم اجعلنا في بلادنا آمنين مطمئنين, اجعل بلدنا هذا آمناً مطمئناً بعقيدته ودينه, اللهم ارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر, اللهم إن نعوذ بك من التشبه بالكفار, ونعوذ بك من الخزي في دار البوار يا عزيز يا غفار, اللهم اغفر ذنوبنا واغسل حوبتنا إنك سميع الدعاء.

اللهم إنا نسألك في مقامنا هذا، في هذا الموقف العظيم، والساعة العظيمة، واليوم المبارك أن تخزي الروس والنصارى يا رب العالمين، اللهم ابطش بهم، اللهم أنزل بهم عذابك الذي لا يرد عن القوم المجرمين, أنزل بهم بأسك، وفرق شملهم، وشتت جمعهم، وزلزل الأرض من تحتهم، وأنزل عليهم عذاباً من فوقهم, وأرنا فيهم عجائب قدرتك, اللهم قتّلهم تقتيلاً، وشردهم تشريداً، اللهم قض دولتهم، اللهم اهدم ملكهم، اللهم اهزم جيوشهم، اللهم إنهم فتكوا بإخواننا في الشيشان وأنت على كل شيء قدير, اللهم إنك العزيز الجبار وهم لا يعجزونك, اللهم إنهم لا يعجزونك، اللهم فخذهم أخذ عزيز مقتدر, اللهم انصر إخواننا المستضعفين في الشيشان ، واجمع كلمتهم على الحق والإيمان يا رحيم يا رحمن, اللهم سدد رميتهم، ووحد صفوفهم، واجمع كلمتهم على التوحيد يا أرحم الراحمين.

عباد الله: بعد كل ما سمعنا يجب علينا وعلى كل فرد منا أن يُحذر مما سيحتفل به النصارى واليهود، وأن يستعمل التوعية في تحذير إخوانه من مكرهم، إن هذا واجب علينا، وعلينا التصدي لأي محاولة منهم لإدخالنا في احتفالاتهم، وأن نكون على يقظة تامة ووعي كامل بما سيفعلونه, إنهم يوزعون أناجيلهم ويدعوننا لكفرهم ليلاً ونهاراً , ويريدون أن نشاطرهم في احتفالاتهم ولكننا أصحاب عقيدة، وأصحاب مبدأ، وأصحاب دين، إننا مسلمون أولاً ونسأل الله أن يثبتنا على ذلك إلى آخر الحياة.

فهذه المسئولية مسئوليتنا جميعاً ونحن على مقربة من شهر رمضان نسأل الله عز وجل أن يرزقنا بلوغه، وأن يتم علينا النعمة بصيامه وقيامه, وأن يجعلنا قبله وبعده من التائبين ومن عتقائه من النار, سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

إن هذه الأعياد التي جاء التحذير منها في الكتاب العزيز وفي السنة النبوية والتي اعتنى الشارع الحكيم اعتناء بالغاً بتبيين بطلانها، وتحريم احتفالنا معهم بها, سيخالف هذا الحكم كثير من المسلمين، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (لكل قوم عيد وهذا عيدنا أهل الإسلام) فكيف يجوز لنا أن نشارك غيرنا باحتفال شركي, احتفال هو من ميزات تلك الأمة الضالة التي أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عنهم بقوله: (اليهود مغضوب عليهم والنصارى ضُلاّل).

أيها المسلمون! إن القضية تحتاج بحق إلى استعداد عقدي لتلك المواجهة, وإن المسألة تحتاج منا بحق إلى وقفة جادة في طريق التشبه بالكفار لقطعه, فقد أصبح التشبه بالكفار من أمراض المسلمين في هذا الزمان, نسأل الله عز وجل أن يرزقنا اعتقاد صحيحاً, وأن يباعد بيننا وبين التشبه بالضالين والمغضوب عليهم, وأن يجعلنا سلماً لأوليائه وحرباً على أعدائه, نعادي من عادى الله، ونوالي من والى الله, أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.